الصحبة في اللغة : الملازمة والمرافقة والمعاشرة
يقال : صحبه يصحبه صحبة
وصحابة بالفتح وبالكسر : عاشره ورافقه ولازمه
هذا مطلق الصحبة لغة
أولا: فضائلهم في القرآن الكريم
لقد أنزل الله تعالى في كتابه العزيز آيات في فضل هذا الجيل العظيم
تتلى إلى يوم القيامة
توضح مقامهم وإخلاصهم وثباتهم مع نبيهم في أعسر المواقف وأعظمها
فنالوا رضوان الله تعالى الذي ليس بعده سخط أبدا
وسأورد بإذن الله تعالى بعض ما ورد في القرآن الكريم
مع بعض الإيضاح لمعانيها
وما قاله أهل العلم في ذلك
1- قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"(1)
وأول من يتوجه الخطاب بهذه الآية
إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن جرير رحمه الله
"" كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام
وبما جاءكم به من عند الله فخصصناكم
بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته وفضلناكم بذلك على من سواكم
من أهل الملل كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم
من أهل الأديان بأن جعلناكم أمة وسطاً ...
والوسط في كلام العرب الخيار"
وقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت فيقول نعم يا رب
فتسئل أمته هل بلغكم فيقولون ما جاءنا من نذير
فيقول: من شهودك
فيقول: محمد وأمته فيجاء بكم فتشهدون"
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} قال: عدلاً
{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}(2)
2- قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(3)
وأول من يدخل في هذا الخطاب
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن كثير رحمه الله تعالى
"والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه
وخير قرونهم الذي بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم
كما قال في الآية الأخرى
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}
أي: أخياراً {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}
والآيات في فضائلهم كثيرة
بل كل آية ورد فيها ثناء على المؤمنين فإن الصحابة
أول من يدخل في ذلك اللفظ دخولا أوليا
لأنهم هم أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم
1- فضائل السابقين الأولين
مما ورد في فضلهم
قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
(سورة التوبة الآية رقم 100).
والمراد بهم كما قال شيخ الإسلام
"هم هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا وأهل
بيعة الرضوان كلهم منهم"
وقال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ
وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ
وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التوبة آية / 19-22 )
وقد هاجر الصحابة رضوان الله عنهم
وجاهدوا في سبيل الله تعالى بأموالهم وأنفسهم
فهم أول من يدخل في هذه البشارة دخولا أوليا
ومما ورد في فضلهم قوله تعالى
{ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (سورة النحل آية/41 )
وللعلماء في المراد بالفتح هنا قولان أحدهما أنه فتح مكة
والآخر أنه صلح الحديبية ورجح الطبري رحمه الله
القول الآخير
وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً
وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (سورة الحشر آية/8)
يقول ابن كثير رحمه الله في هذه الآية
يقول تعالى مبيناً حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}
أي: خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم
ابتغاء مرضاة الله ورضوانه
{وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}
أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم وهؤلاء
هم سادات المهاجرين"
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة
التي فيها بيان فضل الذين سبقوا
إلى إلإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم
وجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا
فرضي الله عن الصحابة أجمعين
ومما ورد في السنة من فضائلهم
قوله صلى الله عليه وسلم حينما سأله الحبر اليهودي
عمن هو أول الناس إجازة على الصراط
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"هم فقراء المهاجرين" (1)
وأخرج البخاري عن مجاشع بن مسعود رضي الله عنه
قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخي بعد الفتح
فقلت: يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة
قال: "ذهب أهل الهجرة بما فيها" (2)
فضائل الأنصار
مما ورد في فضائل الأنصار قوله تعالى: قال تعالى
في ثنائه عليهم بالأخلاق الفاضلة النبيلة التي اتسموا بها
{وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ
وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(1)
عن غيلان بن جرير
قال: قلت لأنس: أرأيت اسم الأنصار
كنتم تسمون به أم سماكم الله
قال: بل سمانا الله كنا ندخل على أنس فيحدثنا مناقب الأنصار ومشاهدهم ويقبل علي أو على رجل من الأزد
فيقول فعل قومك يوم كذا وكذا كذا وكذا"(2)
وعن أنس رضي الله عنه قال: قالت الأنصار: يوم فتح مكة
وأعطى قريشاً ـ: والله إن هذا لهو العجب
أن سيوفنا تقطر من دماء قريش وغنائمنا ترد عليهم
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار
قال فقال: "ما الذي بلغني عنكم؟
" وكانوا لا يكذبون فقالوا: هو الذي بلغك
قال: "أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم
، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟
لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً
لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم"(3)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "لو أن الأنصار سلكوا
وادياً أو شعباً لسلكت في وادي الأنصار
ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار"
فقال أبو هريرة ما ظلم ـ بأبي وأمي
آووه ونصروه أو كلمة أخرى. والثلاثة (4)
فضائل أهل بدر
*يتــــــــــــبع*
وهم من شهدوا موقعة بدر
التي كانت بين حزب الله وحزب الشيطان
فقد كان حزب الله من المؤمنين
في عدة ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا
وعدة حزب الكفار ألفا أو تسعمائة وخمسون رجلا
على اختلافات الروايات
وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة النبوية
وكتب الله تعال لحزبه النصر المؤيد
وعلى حزب الشيطان الخيبة والخسران.
ولقد ورد في فضل من حضر هذه الغزوة من الصحابة
نصوصا كثيرة نورد بعضها فيما يلي
1- قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا
فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ}
(سورة آل عمران آية/13)
قال مجاهد رحمه الله في هذه الآية
"ذلك يوم بدر التقى المسلمون والكفار"
2- قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ *
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً
مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
(سورة الأنفال آية/62-63)
وقال مقاتل: في بيان معنى الآية
{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}
قال: قواك بنصره وبالمؤمنين من الأنصار يوم بدر"
3- قال تعالى
{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ
بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ}
(سورة آل عمران آية/124)
وأما ماورد في السنة من فضائلهم فمن ذلك
1- ما أخرجه البخاري عن علي بن أبي طالب
في حديث طويل وفيه قال صلى الله عليه وسلم
"لعل الله اطلع على أهل بدر فقالوا اعملوا ما شئتم
فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم"(1)
قال الإمام مسلم في صحيحه
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قالحَدَّثَنَا لَيْثٌ
ح قال وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، قال أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ،عَنْ جَابِرٍ
أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَشْكُو حَاطِبًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ (2)
3- عن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه
وكان أبوه من أهل بدر
قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ما تعدون أهل بدر فيكم
قال: "من أفضل المسلمين" - أو كلمة نحوها -
قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة"(3)
وهم من شهدوا تلك الغزوة التي أرادها المشركون
انتقاما مما حصل لهم في بدر
وقد كانت غزوة أحد في شهر شوال
من السنة الثالثة من الهجرة.
ومما ورد في فضلهم
1- قال تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ
تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
(سورة آل عمران آية/121)
والمراد بالآية غزوة أحد كما هو مذهب الجمهور.
ويكفي في فضلهم
أن يشهد لهم رب السماوات والأرض
بصدق إيمانهم.
2- وقال تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ
أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
(سورة آل عمران آية/122)
والطائفتان التي همتا أن تفشلا
هم بنو حارثة وبنو سلمة
همتا بالانصراف من القتال
لكن الله سبحانه تولاهم وثبتهم وقوى عزائمهم
وقاتلوا مع المؤمنين.
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها
قالت لعروة: "يا ابن أختي كان أبواك منهم: ـ الزبير وأبو بكر ـ لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: "من يذهب في أثرهم؟" فانتدب منهم سبعون رجلاً
قال: كان فيهم أبو بكر والزبير"(1)
فضائل أهل بيعة الرضوان
يــتــبع
المراد بأهل بيعة الرضوان هم تلك الطائفة الميمونة
التي أكرمها الله تعالى
من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بشهود تلك البيعة التي عرفت ببيعة الرضوان
وفيما يلي بعض البيان بما يتعلق بمكان هذه البيعة وزمنها
وعدة من حضرها من الصحابة ثم أتبع ذلك بما ورد في فضائلهم.
تعريفها: هي بيعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
تحت شجرة كانت بالحديبية.
زمنها: وقعت هذه البيعة في شهر ذي القعدة
سنة ست للهجرة.
سببها: كان النبي صلى الله عليه وسلم
قد خرج إلى مكة يريد العمرة،
فلما وصل إلى الحديبية أرسل عثمان بن عفان يخبر قريشا
أنه لا يريد حربا، فلما أبلغ عثمان رضي الله عنه
قريشا احتبسته
وطال احتسابهم له حتى شاع بين المسلمين أنه قتل
فلما بلغ خبر تلك الإشاعة
رسول الله عليه وسلم فقال
"لا نبرح حتى نناجز القوم" ثم دعا أصحابة إلى البيعة.
على ماذا بايع الصحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخرج البخاري عن يزيد بن أبي عبيد
قال: قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء
بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية
قال: على الموت (1)
وأخرج مسلم عن معقل بن يسار
قال: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم
يبايع الناس وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه
ونحن أربع عشرة مائة قال: "لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفر"(2)
قال الحافظ ابن حجر: "لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت
وعلى عدم الفرار لأن المراد بالمبايعة على الموت
أن لا يفروا وليس المراد أن يقع الموت ولا بد"
عدة من حضرها: وقع اختلاف في الروايات
التي حددت عددهم، فمن محدد لها بألف وأربعمائة
وآخر بألف وثلاثمائة وثالث بخمس عشرة مائة
والجمع بينها كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله
"والجمع بين هذا الاختلاف
أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة فمن قال ألفاً وخمسمائة
جبر الكسر
ومن قال ألفاً وأربعمائة ألغاه ويؤيده قوله في الرواية الثالثة
من حديث البراء: ألف وأربعمائة أو أكثر
أما قول عبد الله بن أبي أوفى: ألف وثلاثمائة
فيمكن حمله على ما اطلع عليه هو، واطلع غيره على زيادة
ناس لم يطلع هو عليهم
والزيادة من الثقة مقبولة أو العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك أو العدد
الذي ذكره عدد المقاتلة والزيادة عليه
من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم"
فمن القرآن
1- قول الله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَـٰناً مَّعَ إِيمَـٰنِهِمْ
وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}
[الفتح:4]
والسكينة التي أنزلها الله في قلوبهم هي الطمأنية في قلوبهم
كما قال ابن عباس وغيره
وهذا لاشك تفضل من الله عليهم تضمن ثناءا
ومدحا لهم على صدق إيمانهم بالله ورسوله.
2- قال تعالى: {لّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ
جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا
وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً}
[الفتح:5]
عن أنس بن مالك رضي الله عنه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}
قال: الحديبية قال أصحابه
هنيئاً مريئاً فما لنا فأنزل الله
{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أخرجه البخاري.
3- قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ
يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ
وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}
[الفتح:10]
قال ابن القيم رحمه الله
"ولما كان سبحانه فوق سماواته على عرشه وفوق الخلائق كلهم
كانت يده فوق أيديهم كما أنه سبحانه فوقهم"
وفي هذه الآية وعد من الله سبحانه لمن وفى بما بايع عليه
أن يؤتيه الأجر العظيم
قال قتادة: "{فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}
قال: هي الجنة". أخرجه الطبري
4- قال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ
فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}
[الفتح:18، 19]
وأما من السنة
1- ما أخرجه البخاري ومسلم
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الحديبية: "أنتم خير أهل الأرض"(1)
وكنا ألفاً وأربعمائة ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة.
2- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
يقول: أخبرتني أم مبشر
أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة
"لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة
أحد الذين بايعوا تحتها"
قالت: بلى يا رسول الله: فانتهرها
فقالت حفصة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
فقال النبي صلى الله عليه وسلم
"قد قال الله ـ عز وجل
{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}(2)
أخرجه مسلم
3- عن جابر أن عبداً لحاطب
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً
فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية"
أخرجه مسلم(3)