:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2015
الدولة : الجزائر - الجزائر
العمر : (غير محدد)
الجنس : انثى
المشاركات : 5,162
تقييم المستوى : 18
بحث إثبات النسب و نفيه في القانون الجزائري
بحث إثبات النسب و نفيه في القانون الجزائري
مقدمة
المبحث الأول : ثبوت النسب و نفيه
المطلب الأول : حالات ثبوت النسب
المطلب الثاني : حالات نفي النسب
المبحث الثاني : آثار ثبوت النسب
المطلب الأول : الرضاعة
المطلب الثاني : الحضانة
خاتمة
مقدمة :
يعتبر النسب من أهم النتائج المترتبة على الزواج و الطلاق معا ، لأنه يتعلق بنسب الأولاد الذين يكونون ثمرة هذا الزواج ، و قد أحاط الشارع الحكيم هذا النسب و أولاه أهمية كبيرة لقوله تعالى : " و الله جعل لكم من أنفسهم أزواجا و جعل من أزواجكم بنين و حفدة " .
حيث تعرض المشرع الجزائري إلى النسب في المواد من 40 – 46 من قانون الأسرة ، و النسب الشرعي هو الذي يتبع فيه الولد أباه في القانون و الدين ، و ينبني عليه الميراث ، و ينتج عنه موانع الزواج ، و يترتب عليه حقوق وواجبات أبوية و ابنيه ، أما النسب غير الشرعي فلا يترتب عليه شيء من ذلك إطلاقا .
و قد منحت الشريعة الإسلامية للأولاد حقوقا مختلفة تضمن لهم الحياة الكريمة و المعيشة الإنسانية ، و هذه الحقوق الشرعية هي ثبوت نسبهم و التربية الحسنة، و الرضاعة ،و الحضانة .
و يرجع اهتمام المشرع بالنسب إلى منع اختلاط الأنساب ، و حفظها من الفساد و الإضطراب ، و هذا حتى تقوم الأسرة على وحدة الدم الذي يعتبر أقوى الروابط بين أفرادها لقوله جل و علا : " هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و كان ربكم قديرا " ، و قوله صلى الله عليه و سلم: " الولد للفراش و للعاهر الحجر " .
و من هنا اتفق الفقهاء بأن نسب الولد من أمه ثابت في كل حالات الولادة شرعية كانت أو غير شرعية ، أما نسب الولد من أبيه فلا يثبت في كل حالات الولادة ،لذلك فإن كان الزواج الصحيح في العقد الصحيح طريقا أصليا في ثبوت النسب ، فكيف يقر الفقهاء بثبوته أو نفيه تجنبا لاختلاط الأنساب ؟ و ما هي الحقوق المترتبة عن إقراره ؟ .
المبحث الأول : ثبوت النسب و نفيه
نظرا لحساسية موضوع النسب و أهميته نتطرق إلى دراسة الحالات التي يثبت فيها النسب في المطلب الأول ، و الحالات التي ينفى فيها في المطلب الثاني .
المطلب الأول : حالات ثبوت النسب
يثبت النسب بأربع حالات : حالتان يثبت فيهما تلقائيا و هما الزواج ، و بعد الدخول بشبهة ، و حالتان يتم السعي فيهما إلى إثبات النسب و هما الإقرار و البينة ن و قد أقر الفقهاء بهذه الحالات ، و تطبيقا لذلك نص قانون الأسرة في المادة 40 المعدلة على أنه : " يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 – 33 – 34 من هذا القانون " .
و من هنا فإن طرق إثبات النسب في القانون الجزائري هي :
أ - الزواج الصحيح و الفاسد .
ب - الدخول بشبهة .
ج - الإقرار .
د - البينة .
الفرع الأول : ثبوت النسب بالزواج .
نتطرق في هذا الفرع إلى الزواج الصحيح و الزواج الفاسد .
أولا : الزواج الصحيح : إن العقد الصحيح سبب شرعي لثبوت نسب الولد في أثناء قيام الزوجية ، أو العدة ، او الوفاة إذا كان الدخول ممكنا ، فإذا ثبت أنه غير ممكن فإن النسب لا يثبت ، و هذا قوله صلى الله عليه و سلم : " الولد للفراش " و المقصود بالفراش الزوجية .
و على هذا الأساس جاء في المادة 40 ق أ بأنه يثبت النسب بالزواج الصحيح ، كما انه طبقا [1] للمادة 41 ق أ التي تنص على : " ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الاتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة " ، و من هنا فإنه يشترط لثبوت النسب بالزواج الصحيح ما يلي :
1 -الزوجية القائمة بين الرجل و امرأته حين ابتدأ الحمل : على أساس عقد الزواج الصحيح و الزواج الصحيح هو الذي استوفى جميع شروط الإنعقاد و الصحة طبقا للمواد من 07 إلى 31 من قانون الأسرة فإذا كان الزواج صحيحا كامل الشروط و الأركان ، عد صالحا لإثبات النسب دون اشتراط بينة أو طلب اعتراف من سيثبت نسب الولد منه .
2 -أن يثبت التلاقي بين الزوجين من حين العقد : ذلك أن العقد وحده لا يكفي ، إذ لا بد من الدخول فإن تأكد عدم اللقاء بينهما لا يثبت نسب الولد إلى الزوج ، كما لو كان أحد الزوجين سجينا أو غائبا في بلد بعيد غيبة امتدت إلى أكثر من أقصى مدة الحمل .
و من هنا يشترط المشرع الجزائري في المادة 41 ق أ العقد الصحيح و إضافة إلى العقد تحقق الدخول أو إمكانية الإتصال الجنسي ، و لا يشترط الفقه الحنفي تلاقي الزوجين لأن التلاقي ممكن عقلا ، و الإمكان العقلي كاف لإثبات النسب ، محافظة على الولد من الضياع ، و مجرد و مجرد قيام الزوجية كاف لإلحاق النسب بالزوج ، و بتمام ستة أشهر فأكثر يثبت النسب ، في حين ذهب المذهب المالكي و الشافعي و الحنبلي إلى أن العقد و إن كان سببا كافيا لثبوت النسب غير أنه لا بد فيه من الدخول ، و إلى هذا الرأي أيضا ذهب فقهاء الزيدية من الشيعة .
و قد أخذ القانون الجزائري برأي الجمهور و ذلك في المادتين 40 – 41 ق أ ، و هو الصحيح الذي يتفق مع قواعد التشريع الإسلامي و المنطق و المعقول ، و الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل و أمكن الإتصال و إلا فالولد المستند لهذا العقد غير لاحق ، و عليه فإنه إذا تم العقد بين زوجين غائبين بالمراسلة او بالوكالة ، فإن هذا العقد يكون سببا لثبوت النسب ضمن الفترة المقررة قانونا و شرعا ، إذا كان الإتصال بين الزوجين ممكنا بأن كانا يتلاقيان فإذا استحال ذلك بأن كانا بعيدين عن بعضهما كل في بلد بحيث لا يمكن تلاقيهما ، فإن نسب الولد لا يلحق بأبيه .
3 - ولادة الولد بين أقل و أقصى مدة الحمل : طبقا [2] للمادة 42 ق أ التي تنص على : " أقل مدة الحمل 06 أشهر و أقصاها 10 أشهر " .
و من هنا ، يجب أن لا تتجاوز المدة في كل الأحوال عشرة أشهر من تاريخ الإنفصال أو الوفاة ، حسب نص [3] المادة 43 ق أ: " ينسب الولد لأبيه إذا وضع الحمل خلال عشرة أشهر من تاريخ الإنفصال أو الوفاة " .
و الطب يقرر ما يقوله المشرع الجزائري في أقصى مدة الحم ، لأن الجنين لا يمكث في بطن أمه أكثر من 09 أشهر إلا نادرا ، أما فيما يتعلق بأقل مدة الحمل و هي ستة أشهر فدليل ذلك آيتان كريمتان من القرآن الكريم ، قوله تعالى : " حملته أمه كرها ووضعته كرها و فصاله ثلاثون شهرا " ، و قوله سبحانه : " حملته أمه وهنا على وهن و فصاله في عامين " .
فالآية الأولى ذكرت الحمل و الفطام خلال سنتين و نصف السنة ، و الآية الثانية ذكرت الفطام لسنتين فقط ، فدل هذا على أن الحمل وحده يمكن أن يكون بستة أشهر و هي أقل مدة ، و هكذا فإن القاعدة العامة أنه لا بد لثبوت النسب في مختلف الحالات من أن يأتي الولد في الفترة الواقعة بين أقل مدة الحمل و هي ستة أشهر و أكثرها و هي عشرة أشهر، و هذا ما نصت علية المادتين 42 و43 من قانون الأسرة .
فنلاحظ في المادة 43 من قانون الأسرة بأنها حددت حكم المطلقة أو المتوقي عنها زوجها ، على أنه يثبت نسب ولدها إذا ولدته خلال 10 أشهر من تاريخ الإنفصال أو الوفاة ، غير أن المشرع الجزائري لم يميز بين المطلقة رجعيا و المطلقة طلاقا بائنا ، مع أن الفقهاء فرقوا بينهما ، و أن البعض يجيز للمطلق زوجته رجعيا أن يجامعها خلال فترة العدة ، و يعتبر هذا مراجعة فعلا ، فقد تحمل من خلال ذلك و تمضي عشرة أشهر على وقوع الطلاق ن و لم يمض بعد عشرة أشهر على المراجعة الفعلية بوقوع زوجته ، و عليه فإنه لا بد من التمييز في هذا الموضوع بين المطلقة رجعيا و المطلقة بائنا .
4 -أن ينفي الأب بالطرق المشروعة ، و الطريق المشروع لنفي الوالد عنه لا يكون إلا باللعان ، و إن كان المشرع لم يظهر هذا في فصل النسب ، و إنما يفهم و يستشف من نص [4] المادة 138 ق أ: " يمنع من الإرث اللعان و الردة " .
و اللعان هو أن يتهم الزوج زوجته حين قيام العلاقة الزوجية بان الولد ليس منه ، فيتلوا عنانا أمام القاضي ، بأن يقسم الزوج بالله أربع مرات إنه لمن الصادقين و الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم تقسم الزوجة أربع مرات بالله غنه لمن الكاذبين فيما رماها به و تقول في الخامسة أن غضب اله عليها إن كان من الصادقين . فإذا تم اللعان بهذا الشكل يحكم القاضي بالتفريق بينهما فورا و يثبت نسب الولد من أمه فحسب .
و هو ما يذهب إليه القانون الجزائري في المادة 41 ق أ السالفة الذكر ، لذا فإنه لا ينتفي الولد عن الرجل أو حمل الزوجة منه إلا بحكم من القاضي ، و يعتمد في حكمه على جميع الوسائل المقرة شرعا في نفي النسب ، و أيضا يعتمد على الطرق العلمية كما تنص الفقرة الثانية من المادة 40 من قانون الأسرة : " يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب " .
ثانيا : الزواج الفاسد : نصت المادة 40 من قانون الأسرة على ثبوت النسب بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 و 33 و34 من قانون الأسرة ، كما أنه جاء في المادة 34 ما يلي : " كل زواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول و بعده و يترتب عليه ثبوت النسب ووجوب الإستبراء " .
فمن الآثار القانونية للزواج الفاسد ثبوت النسب مع التفرقة بين الزوجين و ذلك لمصلحة الولد خشية من ضياع نسبه ، و ذلك إذا ما توافرت شروط إثبات النسب الموجودة في الزواج الصحيح من دخول حقيقي بالمرأة ، و أن يمضي على الزواج الفاسد أقل مدة الحمل و هي ستة أشهر من تاريخ الدخول الحقيقي ، أما أقصى فترة الحمل بالنسبة للزواج الفاسد فإنها تحسب من تاريخ التفريق بين الزوجين ، فإن جاءت الزوجة بولد قبل مضي عشرة أشهر اعتبارا من يوم التفريق ثبت نسبه من أبويه .
و قال الفقهاء أنه لا فرق بين الزواج الفاسد و الزواج الصحيح في ثبوت النسب فكلاهما يتم فيه إلحاق الولد بأبيه ، و تترتب عليه جميع شروط القرابة ، فيمنع النكاح في الدرجات الممنوعة ، و تستحق به نفقة القرابة و الإرث ، و طالما أن المادة 40 من قانون الأسرة تنص بأنه يثبت النسب بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول ،فإن المشرع الجزائري لا يعترف بثبوت النسب قبل الدخول .
الفرع الثاني : ثبوت النسب بعد الدخول بشبهة .
يثبت نسب المولود من الوطء بشبهة إذا جاءت به ما بين أقل مدة الحمل و بين أكثرها ، لتؤكد ولادته حينئذ من ذلك الوطء ، و نكاح الشبهة هو نكاح يقع خطأ بسبب غلط يقع فيه الشخص ، و الشبهة في عقد الزواج و بأشكال مختلفة ، كالشبهة في الحكم كما لو جهل الزوج حكما من أحكام الزواج و نشأعنه الدخول بالمرأة ، و الشبهة في العقد كالعقد على امرأة و بعد الدخول تبين أنها من المحرمات ، و الشبهة في الفعل كما لو دخل رجل على امرأة ظنا منه أنها زوجته ثم تبين له أنها ليست زوجته .
و للفقهاء آراء كثيرة حول ثبوت النسب بالدخول بالشبهة ، ففي بعضها أثبتوا النسب ، و في البعض الآخر لم يثبتوه ، و مرد ذلك إلى الحكم على واقعة الدخول هل تعتبر كالزواج الفاسد أو كالباطل ، وما نشأ عنه من آثار أخرى غير النسب ، من حيث العقوبة أو من حيث الأحكام كالعدة و الصداق و حرمة المصاهرة و غير ذلك .
و من هنا فإن الزنا لا يثبت النسب لقوله صلى الله عيه و سلم : " الولد لفراش و للعاهر الحجر " ، و لأن ثبوت النسب نعمة و الزنا جريمة ، و الجريمة يستحق صاحبها العقاب ، و قد ادعى المستشرق الفرنسي " بوسكي " بأن نظام الشبهة وجد في الفقه الإسلامي كباب مفتوحة للخروج و الهروب من العقاب عن طريق محو وصف الجريمة و إسقاط الحد الشرعي ، و هذا رأي بعيد عن الفكر العلمي الصارم ، و عن حقيقة التشريع الإسلامي الذي ينص بأن الشبهة لا تمحوا وصف الجريمة و لا تسقط الحد إلا إذا ثبت الخطأ أو الغلط أو الجهل الذي وقع فيه الشخص بحسن نية ، و الأمر موكول إلى تقدير القاضي ، فالجريمة يستحق صاحبها العقاب الشرعي بدون تردد ، و لا هروب كما فهم ذلك الأستاذ بوسكي .
الفرع الثالث : إثبات النسب بالإقرار .
هناك نوعان من الإقرار بالنسب و هما الإقرار بالبنوة و الأمومة ، و الإقرار في غير الأبوة و البنوة و الأمومة .
أولا - بالنسبة للإقرار المتعلق بنفس المقر : و هو الإقرار بالبنوة أو الأبوة او الأمومة ، و النسب المقرب إليه في هذه الحال محمول على نفس المقر لا على غيره لأن المقر يقول : هذا ابني أو هذا أبي آو هذه أمي ، فإن المشرع الجزائري يشترط لصحة اعتباره شرطين هامين و هما : أن ينصب الإقرار على شخص مجهول النسب ، و أن يكون من النوع الذي يصدقه العقل أو تصدقه العادة . و هو ما جاء في المادة 44 ق أ و التي تنص : " يثبت النسب بالإقرار بالبنوة أو الأبوة أو الأمومة لمجهول النسب ، و لو في مرض الموت متى صدقه العقل أو العادة " .
و عليه يصح إقرار الشخص و لو في مرض الموت بالوالدين ن و إذا كان المقر له مجهول النسب و إن صدقه المقر له ، متى صدقه العقل أو العادة أو الحس السليم ، و ذلك بأن يولد مثل المقر له بالبنوة مثل المقر ، بحيث يكون فرق السن بينهما محتملا لهذه الولادة ، أو أن يولد مثل المقر بالأبوة لمثل المقر له ، فمن قال لطفل هذا ابني و كان سن الطفل 10 سنوات و سن المقر 20 سنة لم يعتبر هذا إقرار ن لأنه لا يعقل أن يلد الإنسان ولدا و هو ابن 10 سنين .
و إذا كان المقر ببنوة الطفل زوجة أو معتدة ، فيشترط مع ذلك أن يوافق زوجها على الإعتراف ببنوة الطفل له أيضا ، أو أن يثبت ولادتها له من ذلك الزوج لأن فيه تحميل النسب على الغير ، فلا يقبل إلا بتصديق أو ببينته .
ثانيا - بالنسبة للإقرار المتعلق بغير المقر : أو الإقرار المحمول على الغير فالشروط السابقة معتبرة هنا أيضا ، و يضيف إليها القانون الجزائري شرط آخر و هو أن يوافق المحمول له عليه بالنسبة على هذا الإقرار ، ففي قوله : هذا أخي ،يشترط لثبوت نسبه مع الشروط السابق أن يصدقه أبوه في ذلك ، و هذا ما نصت عليه المادة 45 من ق أ : " الإقرار بالنسب في غير البنوة ، و الأبوة ، و الأمومة ، لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه " ، فالإقرار بالأخوة و العمومة يشترط فيه أن يصدقه المقر عليه ، للأب عند الإقرار بالأخوة ، و الجد عند الإقرار بالعمومة ، و أن يقيم المقر البينة على إقراره .
الفرع الرابع : إثبات النسب بالبينة :
نص المشرع الجزائري في الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون الأسرة بأنه يثبت النسب بالزواج الصحيح ، و بالإقرار و بالبينة و المراد بالبينة هي الدلائل و الحجج التي تؤكد وجود واقعة مادية وجودا حقيقيا بواسطة السمع أو البصر أو غيرهما من وسائل الإثبات الواردة في قانون الإجراءات ، و البينة هي أقوى من الإقرار من حيث الإثبات .
و يكون الإثبات بالبينة الكاملة عن طريق شهادة رجلين عدلين ، أو رجل وامرأتين عدول ، فإذا تنازع نسب ولد أكثر من شخص وادعى كل منهم أنه ابنه فهو ابن من يقيم البينة الكاملة على دعواه ن كما انه إذا ادعى إنسان على آخر بنوة آو أبوة أو أخوة ، أو عمومة ، أو أي نوع من القرابة و أنكر المدعى عليه دعواه ، فللمدعي أن يثبت دعواه بالبينة. و كثيرا ما يتم اللجوء إلى الوسائل العلمية الحديثة لإثبات النسب زيادة عن الوسائل المنصوص عليها قانونا ، و قد نص قانون الأسرة في المادة 40 / 02 المعدلة على أنه يجوز اللجوء غلى الطرق العلمية لإثبات النسب ، و هذا الأمر لم ينص عليه في النص القديم ، فإذا حدث تنازع على ولد مجهول النسب و كان بواسطة الإقرار فهنا لا بد من اللجوء إلى الوسائل العلمية الحديثة لإثبات العلاقة ، فمن ثبتت علاقة النسب إليه دون الآخر ، و إذا لم تثبت لأي أحد لا يثبت النسب لكليهما ، على عكس لو ادعى فقط نسبه فإنه يثبت إذا صدقه العقل أو العادة . و متى كان المدعى عليه ميتا وجب سماع الدعوى مصحوبة بحق آخر كالميراث أو الدين أو النفقة ، و هذه الحقوق هي التي تكون موضع الخصومة الحقيقي .
و قد أضاف التعديل الأخير لقانون الأسرة بموجب الأمر رقم 05 / 02 المادة 45 مكرر التي أجازت التلقيح الاصطناعي من قبل الزوجين محددة شروطه و يثبت نسب المولود في هذه الحالة باقتراح هذه الشروط و هي : أن يكون الزواج شرعيا ، و ان يكون التلقيح برضا الزوجين و أن يتم خلال حياتهما و أن يكون بمني الزوج و بويضة رحم الزوجة دون غيرهما ، كما لا يجوز اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي باستعمال الأم البديلة
المطلب الثاني : حالات نفي النسب
الأصل أنه متى تم الزواج صحيحا و أمكن الإتصال بين الزوجين ، و مضت المدة الكافية التي تطلبها الشر عوم القانون ، و هي بحسب القانون الجزائري من 06 إلى 10 أشهر ثبت نسب المولود من الأبوين معا و لا يجوز للزوج نفي المولود إلا بالطرق الشرعية أو المشروعة كما عبر عنها القانون في المادة 41 ق أ . و ذلك ب: " ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا و أمكن الإتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة " .
و يستفاد ضمنا بان نسب الولد من أمه ثابت مهما كان الحال ، أما الزوج فلا يثبت نسب المولود منه إلا بالزواج الصحيح و لم يحدد النص المقصود بالطرق المشروعة و هي كل الطرق المؤدية شرعا و قانونا لنفي النسب و يمكن إجمالها في الفروع التالية :
الفرع الأول : نفي النسب لعدم إمكانية الإنجاب .
يجوز للزوج إذا تبين له عدم إمكانية الإنجاب و ثبت عقمه ، أو كان مصاب بمرض يمنعه من الإنجاب جاز له في هذه الحالات نفي النسب حال وضع زوجته ذلك المولود استنادا للأسباب السابقة ن و يستحسن أن لا ينفى النسب إلا عن طريق تقرير خبرة احتياطي فيمكن ان يحدث ذلك بإرادة إلهية و قضاء لا مرد له . و قد جاء ذلك في القرآن الكريم في عدة مواضع ، لقوله تعالى " إذا أراد الله شيئا فإنما يقول له كن فيكون " و ذلك ما نجده في قوله تعالى : " قالت يا ويلتا أألد و أنا عجوز و هذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ، قال أتعجبين من أمر الله " .
و لكن إذا اكتشف الزوج بعد مدة من زواجه و بعد إنجاب الزوجة أكثر من مولود بأنه غير مؤهل للإنجاب بيقين علمي غير قابل للشك فبإمكان الزوج حسب نص المادة 41 ق أ نفي النسب بالطرق المشروعة ، لأن التأكد من عدم الإنجاب هي مسألة باستطاعة الطب الحديث إثباتها علميا ، و هي وسيلة مشروعة و صالحة لنفي النسب و ذلك حسب ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 40 من ق أ السالفة الذكر .
الفرع الثاني : نفي النسب لعدم تجاوز أو مرور مدة الحمل
لقد حدد نص المادة 42 ق أ أقل مدة الحمل و هي 06 أشهر و أقصاها و هي 10 أشهر فإذا وضعت المرأة الحمل قبل 06 أشهر من تاريخ الدخول لأن العبرة بتاريخ الدخول فلا يثبت نسب المولود منه ، و لا يثبت النسب أيضا في حالة مرور 10 أشهر من تاريخ الإنفصال أو الوفاة ، و النص القانوني لم يبين المقصود بالإنفصال فكثيرا ما تذهب المرأة إلى بيت أهلها مدة طويلة و قد يكون عدم الرجوع هو الذي أدى إلى الطلاق فحساب المدة لمن يكون من تاريخ الخروج من بيت الزوجية ، فإذا تبين أنها خرجت لمدة 06 أشهر و لم تعد لبيت الزوجية و حدث بعدها الطلاق ثم وضعت حملها بعد 08 أشهر و المجموع هو 14 شهرا و هي المدة الكافية للزوج أن ينفي النسب شريطة أن يثبت عدم إيصاله بالزوجة لمدة كافية و في حالة التلفظ بالطلاق بالإرادة المنفردة و نحن نعلم
أن الطلاق لا يثبت إلا بحكم فكان لا بد للزوج أن يلجأ إلى القضاء لاستصدار حكم بالطلاق . و قد تكون المدة الفاصلة بين الطلاق بالإرادة المنفردة و تاريخ الحكم بالطلاق ، ثم وضعت الزوجة الحمل بعد 09 أشهر من الحكم فهنا يثبت النسب بحسب النص . و أيضا في حالة غياب الزوج مدة كافية لا تسمح بثبوت النسب فلو تزوج الرجل بامرأة ثم سافر إلى الخارج للعمل و عاد بعد مضي سنة و تبين بأنها حامل في شهرها الثالث مثلا فهنا لا يثبت النسب لأنه إن كان تركها و هي حامل عند سفره فمدة السفر وحدها كافية لوضع الحمل و هي سنة كاملة .
الفرع الثالث : نفي النسب عن طريق اللعان .
إن اللعان يؤدي إلى التف4قة بين الزوجين من طرف القاضي و يمكن ان يتعدى إلى نفي النسب لان سببه الأساسي هو اتهام الزوجة ، فإذا تبين له أنها حامل بعد اللعان اجاز له نفي النسب ، حيث انه بالنفي لا يثبت النسب و لا يطالب الزوج بتقديم الدليل ، فالإتهام كاف وحده لنفي النسب و المسألة خاصة بالزوجين فقط .
وإن لم ينص المشرع في قانون الأسرة الجزائري على اللعان كسبب للطلاق إلا انه يعتبر كسبب من أسباب الطلاق ، حيث في عدم وجود النص تحيلنا المادة 222 ق أ إلى أحكام الشريعة الإسلامية و بالتالي يكون طريقا مشروعا نفي النسب .
أما قضاء فغن القضاء الجزائري فقد استقر على اعتماد اللعان كطريق مشروع لنفي النسب ، و رفع دعوى اللعان حددت مدتها في الشريعة الإسلامية و الإجتهاد بثمانية أيام من يوم العلم بالحمل أو رؤية الزنا .
فإذا اتهمت الزوجة بالخيانة و نفت هذه التهمة يمتنع التحقيق كما يمتنع العقاب حتى و لو كانت التهمة باطلة يعلمها الزوج ، أو كانت الزوجة هي الكاذبة و مع ذلك لا يثبت النسب للزوج في حالة قيامه بنفيه ، و هذا حسب ما قرره الشرع الإسلامي و الفقه .
فخطورة اللعان كبيرة على حق الولد في النسب لأبيه لاحتمال كذب الزوج في اتهامه ، بالإضافة إلى أن هذه التهمة تصيب الزوجة في شرفها و تؤثر على حقوق ولدها المادية و المعنوية و لهذا لها الحق في إثبات هذا النسب بكافة الطرق المشروعة ، و يكون اللجوء إلى الطرق العلمية أمر لا بد منه لحسم موضوع النسب . و إجبار الزوج على التحاليل لإثبات النسب يكون في مصلحة الولد أساسا بغض النظر عن التهمة بين الزوجين و نتائجها .
الفرع الرابع : حالة التبني و اللقيط .
سنتطرق إلى أحكام اللقيط و التبني باعتبارهما من المسائل المرتبطة بالنسب .
أولا - أحكام التبني : إن التبني هو أن يتخذ الإنسان إبن غيره إبنا له و سواء كان معلوم النسب او مجهول النسب ، و قد كان نظام التبني موجود في الجاهلية وامتد مدة من الزمن في صدر الإسلام حتى أبطله و حرمه الله تعالى بقوله في سورة الأحزاب : " و ما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ، فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين و مواليكم و ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به و لكن ما تعمدت قلوبكم و كان الله غفورا رحيما " .
و تطبيقا لهذا المعنى نصت المادة 46 ق أ على : " يمنع التبني شرعا و قانونا " و منه فالتبني لا يثبت به نسب المتبنى و لا يترتب عليه اي حق من الحقوق الثابتة بين الآباء و الأبناء و لا يثبت النسب بالتبني و لو كان الولد المتبنى مجهول النسب ، و هذا بخلاف اللقيط الذي يثبت له النسب لمن ادعاه .
و قد جاء النص القانوني مانعا لنظام لتبني اقتداءا بالشرع الإسلامي بان الشريعة الإسلامية ما حرمت التبني إلا لمنع اختلاط الأنساب و تداخل الحقوق ن لأن التبني يعطي كل الحقوق التي هي ثابتة للابن الحقيقي من نسب و علاقة حرمة و نفقة واجبة و ميراث ، لكن المشرع الجزائري يمنع نظام التبني لكنه يقر بنظام الكفالة و الذي نص عليه في قانون الأسرة في المواد من 116 إلى 125 ، و الكفالة هي التزام على وجه التبرع بالعناية بولد قاصر من نفقة و تربية و رعاية ، حيث تتم بعقد شرعي أمام المحكمة آو امام الموثق ، و يستوي أن يكون الولد المكفول مجهول النسب أو معلوم .
ثانيا – أحكام اللقيط : اللقيط هو مولود حي حديث العهد بالولادة لا يعرف له أب و لا أم ، طرحه أهله خوفا من الفقر أو لأي سبب آخر من الأسباب ، و حكم التقاطه أنه فرض عين على من وجده و هو أحق الناس بإمساكه إلا إذا كان غير أهل لرعايته ، و قد قرر الفقهاء عدة احكام تسري عليه واهتمت الشريعة الإسلامية بوضعه و جاءت هذه الأحكام حماية لهذا المولود و من بين هذه الأحكام نجد :
- وجوب التقاط طفل وجد في مكان يغلب عليه الهلاك لو ترك فيه .
- الملتقط يكون أحق باللقيط من غيره إذا رغب في رعايته و لا ينزع منه إلا لضرورة معقولة .
- وجوب الإنفاق على اللقيط من المال إذا وجد معه من طرف الملتقط .
- يثبت النسب للقيط إذا اقر له به الملتقط لأن الإقرار يثبت به النسب متى صدقه العقل و جرت به العادة .
- إذا لم يوجد من ينفق على اللقيط و لم يوجد لديه مال و جب على الدولة أن تنفق عليه .
أما قانونا فإن قانون الأسرة لم يتعرض إلى احكام اللقيط مجهول النسب ، إلا من باب الإشارة فقط في باب النسب و نجد موضوع الكفالة في المادتين 64 و 67 و كذلك في قانون العقوبات حيث اوجب مساعدة طفل غير قادر على الحركة و اعتبر الإمتناع عن المساعدة جريمة معاقب عليها .
و حسب نص المادة 44 ق أ التي تنص على : " يثبت النسب بالإقرار بالبنوة او الأبوة أو الأمومة لمجهول النسب و لو في مرض الموت متى صدقه العقل أو العادة " و كذلك المادة 119 من ق أ نجدها تنص على : " الولد المكفول إما يكون مجهول النسب أو معلوم النسب " .
أما المادة 120 نفس القانون فتنص على : " يجب أن يحتفظ الولد المكفول بنسبه الاصلي إن كان معلوم النسب و إن كان مجهول النسب تطبق عليه المادة 64 ق الحالة المدنية " .
و حسب نص المادة 64 / 04 ق الحالة المدنية فإنه على ضابط الحالة المدنية أن يعطي الأسماء إلى الأطفال اللقطاء و الأطفال المولودين من أبوين مجهولين و الذين لم ينسب لهم المصرح أية أسماء ، يعين الطفل بمجموعة من الأسماء يتخذ آخرها كلقب عائلي .
و بما أن اللقيط مجهول النسب ن فمن مصلحته إثبات نسبه ، فمن ادعى نسب اللقيط ثبت نسبه منه دون حاجة إلى بينة سواءا أكان المدعي أم غيره ، و إن ادعت امرأة أنها أم اللقيط فإنه يثبت نسبه منها بالدعوى إن كانت غير ذات الزوج و لا معتدة أما إذا كانت ذات زوج أو معتدة فيشترط ثبوت نسبه منها تصديق الزوج أو إقامة البينة.
.