:: عضو مبدع ::
تاريخ التسجيل : Oct 2017
الدولة : الجزائر - ع تموشنت
العمر : 25 - 30
الجنس : ذكر
المشاركات : 586
تقييم المستوى : 7
الدعوة السلفية السنِّيَّة وعقباتٌ في طريق النهوض بها
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ دِينَ الإسلامِ الذي رَضِيَ اللهُ لخَلْقِه يُثْبِتُ ـ في باب الاعتقاد ـ دعوةَ التوحيدِ وينفي الكفرَ والشركَ والإلحادَ والنفاق، كما ينفي ـ في باب الاتِّباع ـ الأهواءَ والبِدَعَ والحوادث، ويأمر باتِّباعِ السنَّة والْتزامِ مَضامينِها؛ فذاك مقتضى الشهادتين، والناظرُ في التسلسل التاريخيِّ للأحداث وعوامِلِ ظهور الاتِّجاه السنِّيِّ السلفيِّ يُدْرِكُ أنَّ اللهَ تعالى لمَّا أَكْمَلَ دِينَه ببعثة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم الذي أَرْسَله بالهدى ودِينِ الحقِّ بين يدَيِ الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، تَرَكَ أمَّتَه على مثلِ البيضاء ليلُها كنهارها لا يَزيغُ عنها إلَّا هالكٌ، ثمَّ قامَ بالدِّين ـ بَعْدَه ـ أصحابُه رضي الله عنهم؛ فكانوا يسمعون القرآنَ ويَتْلُونَه ويفهمون معناهُ ويعملون بشرائعه؛ فكانوا ـ حقًّا ـ أَصْدَقَ الأمَّةِ إيمانًا، وأَبَرَّها قلوبًا، وأَعْظَمَها عقولًا، وأَعْمَقَها علمًا، وأَحْسَنَها بيانًا، وأَحَدَّها أذهانًا، وأَكْثَرَها فهومًا، وأَلْطَفَها إدراكًا، وأَقَلَّها تكلُّفًا، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ بعد أَنْ ذَكَرَ قولَ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه: «إنما تُنْقَضُ عُرَى الإسلامِ عُرْوةً عُرْوةً إذا نَشَأَ في الإسلام مَنْ لا يعرف الجاهليةَ»(١): «ولهذا كان الصحابةُ أَعْرَفَ الأمَّةِ بالإسلام وتفاصيلِه وأبوابِه وطُرُقِه، وأَشَدَّ الناسِ رغبةً فيه، ومَحَبَّةً له، وجهادًا لأعدائه، وتكلُّمًا بأعلامه، وتحذيرًا مِنْ خلافه؛ لكمالِ عِلْمِهم بضدِّه؛ فجاءهم الإسلامُ وكُلُّ خصلةٍ منه مُضادَّةٌ لكُلِّ خصلةٍ ممَّا كانوا عليه، فازدادوا له معرفةً وحُبًّا، وفيه جهادًا بمعرفتهم بضِدِّه»(٢)؛ فنَشَرُوا الإسلامَ، وبيَّنوا عقيدتَه وأحكامَه أَحْسَنَ بيـانٍ، وأيَّدوا قواعدَ الإسلامِ وأُسُسَ الإيمانِ بالدليل والبرهان، ومَضَوْا على المَحَجَّةِ البيضاء التي تَرَكَهم عليها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأَلْقَوْا إلى التابعين لهم بإحسانٍ ما تلقَّـوْهُ مِنْ مشكاة النبوَّة مِنْ نصوص القرآن والسنَّة والإيمان، فاقتفى صراطَهم المستقيمَ الرعيلُ الأوَّلُ مِنْ أتباعهم؛ فأقاموا الحقَّ وأشادوا ركائزَه؛ فأضاءُوا نورَه، فسارَتْ به ركائبُه، دون تقديسٍ للرجال، أو تعصُّبٍ للآباء، أو تشبُّهٍ بالأعداء، أو اتِّباعٍ للبِدَعِ والأهواء؛ فشَرْعُ اللهِ أَعْظَمُ وأَحَبُّ إليهم مِنْ أَنْفُسِهم، وأجَلُّ مِنْ أَنْ يُقدَّمَ عليه قولُ كائنٍ مَنْ كان مِنَ البشر، وأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعارِضَه رأيٌ أو قياسٌ أو نظرٌ أو استدلالٌ؛ فهُدُوا ـ بفضل الله ـ إلى الطيِّب مِنَ القول وهُدُوا إلى صراط الحميد.
أهمُّ أسباب الانحراف عن المنهج السُّني السلفيِّ:
هذا، وكان لدخولِ كثيرٍ مِنَ الأعاجم مِنْ أهل الدياناتِ الأخرى الإسلامَ، واختلاطِهم بالمسلمين بعد الفتوحات الإسلامية، واتِّساعِ رقعة العالَمِ الإسلاميِّ الأثرُ السلبيُّ البالغُ في ضعفِ اللغة العربية والجهلِ بمُصْطلَحاتها وأسرارِها بسبب العجمة المُهْلِكة(٣)؛ فنَتَجَ عن سوءِ فهمِ اللسان العربيِّ اضطرابٌ في فهمِ معاني نصوص الكتاب والسنَّة والمسائلِ المتعلِّقة بها مِنْ جهةٍ، وسهَّل ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ انتشارَ ما كانوا عليه قبل إسلامهم مِنْ مُعْتَقَداتٍ وتشريعاتٍ ومَذاهِبَ مُخالِفةٍ ـ في مفاهيمها ومَناهِجِها ـ للإسلام ومَقاصِدِه الشرعية، ثمَّ جَدَّ في المجتمع المسلم الفسيحِ فِتَنٌ عظيمةٌ ومِحَنٌ مَقِيتةٌ وأحداثٌ سياسيةٌ كبرى هزَّتْ كيانَه وصدَّعَتْ صفوفَه، وتَبَلْوَرَ فيها الجدلُ العقديُّ والسياسيُّ العقيم، وانقلب ـ فيما بعدُ ـ إلى تفرُّقٍ عَقَديٍّ وصراعٍ دمويٍّ عكَّرَ صفوَ حياةِ المسلمين ولبَّس عليهم أَمْرَ دِينِهم، كان مِنْ ورائِه خُلُوفٌ ظَهَرَتْ فيهم البِدَعُ والضلالات؛ ﻓ ﴿فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ٣٢﴾ [الروم]، ويأتي في طليعةِ الضلالات التي ظهَرَتِ:
· الغُلُوُّ في الدِّين الذي يُمثِّلُه مذهبُ الخوارج والشيعة والمرجئة.
فالخوارج بفِرَقِهم المتعدِّدة غَلَوْا في فهمِ آيات الوعيد وأَعْرَضوا عن آيات الرجاء والوعدِ بالمغفرة والتوبة، وكان مِنْ نتيجةِ غُلُوِّ الخوارج: اجتماعُهم على تكفيرِ عثمان وعليٍّ رضي الله عنهما، وأصحابِ الجَمَل والحَكَمَين، ومَنْ رَضِيَ بالتحكيم وصوَّبَ الحَكَمين أو أحَدَهما، وظهورُ مبدإ الخروج على السلطان الجائر، وإجماعُهم على أنَّ كُلَّ كبيرةٍ كفرٌ إلَّا النَّجَدَاتِ(٤) فإنها لا تقول بذلك(٥).
وبالمُقابِلِ فقَدْ كان الغُلُوُّ ـ أيضًا ـ أحَدَ الأسبابِ في ظهور الشيعة الروافض، تَجَسَّدَ ـ ابتداءً ـ في حامِلِ لواءِ الغُلُوِّ فيها: عبدِ الله بنِ سَبَإٍ اليهوديِّ، فقَدْ غَالَى في عليٍّ رضي الله عنه وادَّعى له الوصيَّةَ بالخلافة، ثمَّ غَالَى فيه حتَّى رَفَعَه إلى مرتبة الألوهية، ثمَّ تعدَّدَتْ ـ فيما بَعْدُ ـ فِرَقُ الشيعةِ وإِنِ اختلفَتْ مَقالاتُهم المُحْدَثةُ إلَّا أنها وَرِثَتْ مُخلَّفاتِ ابنِ سَبَإٍ في القول بإمامةِ عليٍّ رضي الله عنه وخلافتِه نصًّا ووصيةً، ثمَّ راجَتْ بدعةُ الشيعة ـ بعدها ـ في القول بالوصيَّة والرجعة والغَيْبة، وهكذا بَقِيَ خطُّ التشيُّع مُسْتمِرًّا في الانحراف عن الجادَّة حتَّى بَلَغَ الغُلُوُّ فيهم ذروتَه في رفعِ الأئمَّة إلى درجة النبوَّة، بل إلى مَقام الألوهية(٦).
ثمَّ تَلَا ذلك غُلُوُّ المُرْجِئةِ في الظهور كرَدِّ فعلٍ مُقابِلٍ لغُلُوِّ الخوارج في تكفيرِ مُرْتَكِبِ الكبيرة؛ ففَصَلُوا بين الإيمان والعمل، وأخَّروا العملَ عن الإيمان، وقالوا: لا تضرُّ مع الإيمان معصيةٌ ولا ينفع مع الكفر طاعةٌ؛ فكان غُلُوُّهم في فهمِ آيات الوعد والرجاء والبشارة والعمل بها، والإعراضِ عن آيات الوعيد والإنذار بالتأويل والردِّ.
ومِنْ أسباب ظهورِ الضلالات ـ أيضًا ـ وما انجرَّ عنها مِنَ الفتن:
· تعريبُ كُتُبِ الفلسفة اليونانية والهندية والفارسية مِنْ كُتُبِ العقائد الوثنية وغيرِها؛ فاشتغلَتْ بها طائفةٌ مِنْ عُقَلاءِ المسلمين قراءةً وتحليلًا ومُناقَشةً؛ فانخدعوا بمَناهِجِها ومُقرَّراتِها في البحث، ووَلِعُوا بالعلوم الكلامية والمنطقية اليونانية، وأُشْرِبَتْ قلوبُهم حُبَّها؛ فانعكسَتْ آثارُها السَّلبيةُ في إقحام الفلسفة في الحياة الفكرية للعالَمِ الإسلاميِّ، والاشتغالِ بها عن التبصُّر في نصوص الوحيين وما عليه السلفُ الصالح، واتِّخاذِها ميزانًا للحقائق الشرعية؛ الأمرُ الذي أدَّى إلى إضعافِ أثرِ العقيدة الإسلامية في النفوس إلى حَدٍّ كبيرٍ، وانحرافٍ ظاهرٍ في مسائل الاعتقاد بما لاقَتِ الآياتُ القرآنية المُعارِضةُ للكُتُبِ المُتَرْجَمةِ مِنْ شحنةٍ عارمةٍ مِنَ التبديل والتأويل والتحريف، كما تعرَّضَتِ السنَّةُ النبويةُ ـ هي الأخرى ـ لأنواعِ الانتحال والوضع والردِّ والإبطال؛ حتَّى يتمَّ لهم التوافقُ بينها وبين المقرَّرات الفلسفية والقواعدِ المنطقية المُسْتَحْدَثة.
فأَفْرَطوا في تحكيمِ العقل في قضايَا العقيدة، وبنَوْا إثباتَ المَطالِبِ الإلهية على الأقيسة وإعمالِ البراهين المنطقية، وقدَّموا العقلَ على الشرع، وأوَّلوا النصوصَ الشرعية بأنواع المَجازات، وما أعقب ذلك مِنَ المُؤثِّرات الأخرى؛ فكان أَنْ تَمَيَّزَ الخلفُ بهذه القـواعد الكبرى التي تَنَكَّروا فيها لسَلَفِهم الصالح، ودنَّسُوا عقائدَهم بأدرانِ عِلْمِ الكلام اليونانيِّ وتُرَّهاتِ الفلاسفة التائهين، وانحرفوا بها عن سواء السبيل، سواءٌ مِنْ أنصار العقل كالجهمية والمعتزلة والأشعرية والرافضة والخوارج، أو مِنْ أرباب العاطفة ونحوِهم ممَّنْ دلَّتْ نصوصُ الوحيين وإجماعُ سَلَفِ الأمَّةِ على ذَمِّ طرائِقِهم ومسالِكِهم العَقَدية والسلوكية، وقد جاءَ التحذيرُ القرآنيُّ مِنْ مُخالَفةِ سبيلِ الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ في قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥﴾ [النساء].
ظهور قواعد المنهج السلفيِّ ومميِّزاته:
هذا، وأمامَ تفرُّقِ الأمَّةِ الإسلامية، وتعدُّدِ الاتِّجاهات العَقَدية والفكرية فيها، وخاصَّةً بعد فتنة القول بخَلْقِ القرآن، بَدَأَ الشعورُ بالخطر على دِينِ الله الحقِّ يَقْوَى تُجاهَ المَذاهب الضالَّة، وظهرَتِ الحاجةُ مُلِحَّةً إلى استعادةِ المسلك الذي كان عليه السلفُ الصالح وما كانَتْ عليه عقائدُهم، والانتسابِ إليهم، والعودةِ بالإسلام إلى صَفائِهِ الأوَّل؛ الأمرُ الذي دَعَا علماءَ السنَّةِ الأثباتَ وأساطينَها الأعلامَ لنصرة الحقِّ ورَفْعِ رايتِه وتحذيرِ الأمَّةِ مِنْ ضلالاتِ أرباب الأهواء والابتداعِ وانحرافاتهم في مقالاتهم العَقَدية على اختلافِ مَراتِبِ حُكْمِها. ولقَطْعِ باب الحوادث والضلال على كُلِّ مَنِ ابتدع بدعةً يَتوصَّلُ بها إلى القَدْح في سلامة المَفاهيم العَقَدية، فقَدْ شمَّر لذلك أئمَّةُ الإسلامِ العدولُ عن ساعِدِ الجِدِّ لتلخيصِ الأصول العُظْمى وترتيبِ القـواعد الكبرى للمذهب السنِّيِّ السلفيِّ؛ حيث تَمَيَّزَ منهجُهم في تقرير الأمور الاعتقادية بمنهجِ عَرْضِ العقيدة الصحيحة مِنَ الكتاب والسنَّة وأقوالِ الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ مِنْ جهةٍ، وبمنهج الردِّ على المُنْحَرِفين عنها ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ صيانةً للدِّين وحفظًا للسنَّة؛ وذلك بعَرْضِ شُبَهِ الخصوم وبيانِ الحقِّ فيها مُدعَّمًا بالأدلَّةِ النقلية مِنَ الوحيين وأقوال الصحابة والتابعين؛ فاجتهدوا في إنقاذِ عقائِدِ الإسلام مِنَ الديانات الضالَّةِ ذاتِ الأصول الوثنية، وانبرَوْا لنَقْدِ كُلِّ جوانِبِ التيَّاراتِ الفلسفية ومُعْتقَداتِ الصوفية المُتَفَلْسِفَةِ، والتيَّاراتِ الباطنية مِنْ أرباب الفِرَقِ الغالية، والديانات المُحرَّفة، ومُعْتقَداتِ المُتكلِّمين مِنَ الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرِهم، كما عَمِلوا على تصفيةِ عقائِدِ الإسلام مِنْ مَظاهِرِ التعقيد العَقَديِّ، ومِنْ كُلِّ دخيلٍ فيها يُؤدِّي ـ بطريقٍ أو بآخَرَ ـ إلى زعزعةِ عقائدِ المسلمين.
وامتازَ المذهبُ السلفيُّ ـ في تقرير العقيدة عَرْضًا ورَدًّا على الخصوم ـ بقواعِدَ سليمةٍ وخواصَّ شريفةٍ؛ فمِنْ قواعِدِه الكبرى المُميِّزةِ له:
·أوَّلًا: الاستدلال بالآيـات القرآنية والأحاديث النبـوية، والاسترشادُ بفهم السلف الصالح مِنَ الصحابة والتابعين وتابِعِيهم ومَنِ الْتزَمَ بنهجهم واقتفى آثارَهم، ويظهر ذلك في العناية بالكتاب والسنَّة حفظًا وتدوينًا ودراسةً وتفسيرًا وتجويدًا واستنباطًا لأحكام الشرع منهما، والردِّ عند التنازع إليهما، ومُراعاةِ ألفاظهما عند بيانِ العقيدة، وتركِ الألفاظ المُجْمَلة والمُصْطلَحات المُوهِمةِ غيرِ الشرعية.
·ثانيًا: اتِّخاذُ الكتاب والسنَّةِ ميزانًا للقَبول والردِّ، وأخذُ مَطالِبِ الدِّين مِنْ قِبَلِهما؛ لأنَّ بهما يتجلَّى الهدى مِنَ الضلال، والحقُّ مِنَ الباطل، والصوابُ مِنَ الخطإ، وما سِواهُمَا مِنْ أقوالِ الرجال وأعمالِهِم وآرائهم واجتهاداتهم ومُعْتقَداتهم تُعْرَضُ عليهما؛ فما وافَقَ الكتابَ والسنَّةَ قُبِلَ وعُمِلَ به، وما خالَفَهما رُدَّ على أصحابه مهما كانَتْ منزلتُهم، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «جِماعُ الفرقانِ بين الحقِّ والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغيِّ، وطريقِ السعادة والنجاة وطريق الشقاوة والهلاك: أَنْ يُجْعَلَ ما بَعَثَ اللهُ به رُسُلَه وأَنْزَلَ به كُتُبَه هو الحقَّ الذي يجب اتِّباعُه، وبه يحصل الفرقانُ والهدى والعلمُ والإيمان؛ فيُصَدَّقُ بأنه حقٌّ وصِدْقٌ، وما سِواهُ مِنْ كلامِ سائرِ الناس يُعْرَضُ عليه؛ فإِنْ وافَقَهُ فهو حقٌّ، وإِنْ خالَفَهُ فهو باطلٌ»(٧).
·ثالثًا: تقديم الشرع على العقل مع أنَّ العقل الصحيح لا يُنافي النصَّ الصحيح ولا يُعارِضُه، بل هو مُوافِقٌ له، قال الشاطبيُّ ـ رحمه الله ـ: «لا ينبغي للعقل أَنْ يتقدَّمَ بين يدَيِ الشرع؛ فإنه مِنَ التقدُّم بين يدَيِ اللهِ ورسوله، بل يكون مُلبِّيًا مِنْ وراءَ وراءَ، ثمَّ نقول: إنَّ هذا هو المذهبُ للصحابةِ رضي الله عنهم وعليه دَأَبُوا، وإيَّاهُ اتَّخذوا طريقًا إلى الجنَّة فوَصَلوا»(٨)، وقال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «قد ثَبَتَ أنَّ الله ـ سبحانه ـ قد أَنْزَلَ الكتابَ والميزان؛ فكلاهما في الإنزال أخَوانِ، وفي معرفة الأحكام شقيقان، وكما لا يَتناقَضُ الكتابُ في نَفْسِه فالميزانُ الصحيحُ لا يَتناقضُ في نَفْسِه، ولا يَتناقضُ الكتابُ والميزانُ؛ فلا تَتناقضُ دلالةُ النصوصِ الصحيحة، ولا دلالةُ الأقيسة الصحيحة، ولا دلالةُ النصِّ الصريحِ والقياسِ الصحيح، بل كُلُّها مُتصادِقةٌ مُتعاضِدةٌ مُتناصِرةٌ يُصدِّقُ بعضُها بعضًا، ويشهد بعضُها لبعضٍ؛ فلا يُناقِضُ القياسُ الصحيحُ النصَّ الصحيحَ أبدًا»(٩).
·رابعًا: ويدخل في مَعْنَى هذه القاعدةِ والتي قبلها: الاعتمادُ على الكتاب والسنَّة، وعدمُ مُعارَضتِهما بما دونهما مِنْ رأيٍ أو ذَوْقٍ أو عقلٍ أو وَجْدٍ أو قياسٍ، ورَفْضُ الأوهام والخُرافات ونَبْذُ البِدَعِ والشركيات، كما تقتضيه الفِطَرُ القويمةُ والعقول السليمة؛ تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ١﴾ [الحُجُرات]؛ فأهلُ السنَّةِ لم يُهْمِلوا ـ بمَنْهَجِهم ـ العقلَ ولم يُعطِّلوا وظيفتَه، بل أَعْمَلوه في مَجالِه فاستخدموا الأدلَّةَ العقلية والأقيسة الشرعيةَ مُسْتنبَطةً مِنْ نصوصِ الكتاب والسنَّة، كما أَعْمَلوا التفكُّرَ والتدبُّرَ في دلائلِ الهداية وبواعِثِ الإيمان، والتدبُّرَ والنظرَ في الآيات الكونية والمسموعة، هذا مِنْ جهةٍ، ولانتفاءِ التعارُضِ بين النصوصِ الشرعيةِ مِنْ جهةٍ ثانيةٍ؛ لأنَّ الشارع حكيمٌ، والتناقض يُنافي الحكمة، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا حديثان صحيحان صريحان مُتناقِضان مِنْ كُلِّ وجهٍ، ليس أحَدُهما ناسخًا للآخَر؛ فهذا لا يُوجَدُ أصلًا، ومَعاذَ اللهِ أَنْ يُوجَدَ في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج مِنْ بين شفتَيْهِ إلَّا الحقُّ، والآفةُ مِنَ التقصير في معرفة المنقول والتمييزِ بين صحيحه ومعلوله، أو مِنَ القصور في فهمِ مُراده صلَّى الله عليه وسلَّم، وحملِ كلامِه على غيرِ ما عَناهُ به، أو منهما معًا»(١٠)، وقال الشاطبيُّ ـ رحمه الله ـ: «بعد أَنْ نُقدِّمَ مُقدِّمةً لا بُدَّ مِنْ ذِكْرِها، وهي: أنَّ كُلَّ مَنْ تَحقَّقَ بأصول الشريعةِ فأَدِلَّتُها عنده لا تكاد تَتعارَضُ، كما أنَّ كُلَّ مَنْ حقَّقَ مَناطَ المسائل فلا يكاد يَقِفُ في مُتشابِهٍ؛ لأنَّ الشريعة لا تَعارُضَ فيها ألبتَّةَ؛ فالمتحقِّقُ بها متحقِّقٌ بما في نَفْسِ الأمر؛ فيَلْزَمُ أَنْ لا يكون عنده تعارُضٌ؛ ولذلك لا تجد ألبتَّةَ دليلين أَجْمَعَ المسلمون على تَعارُضِهما بحيث وَجَبَ عليهم الوقوفُ؛ لكِنْ لمَّا كان أفرادُ المجتهدين غيرَ معصومين مِنَ الخطإ أَمْكَنَ التعارضُ بين الأدلَّة عندهم»(١١).
·خامسًا: قَبولُ أخبارِ الآحاد التي رواها عدلٌ ضابطٌ ـ واحدًا كان أو أَكْثَرَ ما لم يبلغ حَدَّ التواتر ـ عن مِثْلِه بسندٍ مُتَّصِلٍ إلى منتهاهُ وسَلِمَ مِنَ الشذوذ والعِلَّةِ القادحة، ووجوبُ العمل بها، قال ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ: «وأَجْمَعَ أهلُ العلم مِنْ أهل الفقه والأثر في جميعِ الأمصار ـ فيما عَلِمْتُ ـ على قَبولِ خبرِ الواحد العدل وإيجابِ العمل به إذا ثَبَتَ ولم ينسخه غيرُه مِنْ أثرٍ أو إجماعٍ، على هذا جميعُ الفُقَهاءِ في كُلِّ عصرٍ مِنْ لَدُنِ الصحابةِ إلى يومِنا هذا إلَّا الخوارجَ وطوائفَ مِنْ أهل البِدَع»(١٢)، كما يُحْتَجُّ بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة وغيرِها مِنْ مسائلِ الدِّين، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «ولم يَزَلِ الصحابةُ والتابعون وتابِعُوهم وأهلُ الحديثِ والسنَّة يحتجُّون بهذه الأخبارِ في مسائل الصفات والقَدَرِ والأسماء والأحكام، لم يُنْقَلْ عن أحَدٍ منهم ألبتَّةَ أنه جوَّزَ الاحتجاجَ بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله وأسمائه وصفاته»(١٣).
·سادسًا: رَفْضُ التأويل الكلاميِّ المذموم، وهو تأويلُ المتكلِّمين للنصوص الشرعية بما يقتضي التحريفَ والتغيير، حيث يُؤوِّلُ أهلُ الباطلِ نصوصَ الكتابِ والسنَّةِ على غيرِ تأويلها، ويدَّعُونَ صَرْفَ اللفظِ عن مدلوله إلى غيرِ مدلوله بغيرِ دليلٍ يُوجِبُ ذلك؛ لأنَّ الحقَّ ـ عندهم ـ ما عَرَفوهُ بعقولهم ووصلوا إليه بأقيستهم، فإذا ما حَصَلَ تعارُضٌ بين النصوص الشرعية ومُقرَّراتِهم العقلية صَرَفُوا النصوصَ عن ظاهِرِها على وجه الباطل لتُسايِرَ أهواءَهم وتُوافِقَ عقولَهُم، وسَمَّوُا التحريفَ تأويلًا تزيينًا له وزخرفةً، وقد ذَمَّ اللهُ تعالى الذين زخرفوا الباطلَ في قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ﴾ [الأنعام: ١١٢].
ولا يخفى خطورةُ التأويلِ المذمومِ وما يُخلِّفُه مِنْ عظيمِ الآفاتِ والفِتَنِ والجنايات على الإسلام وأهلِه؛ فهو أصلُ كُلِّ فسادٍ ومَضَرَّةٍ، وقد أَفْصَحَ ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ عن الآثار السيِّئة الناجمة عن التأويل الفاسد بما نصُّه: «إذا تَأمَّلَ المُتأمِّلُ فسادَ العالَمِ وما وَقَعَ فيه مِنَ التفرُّق والاختلاف وما دفع إليه أهل الإسلام وَجَدَهُ ناشئًا مِنْ جهةِ التأويلات المُخْتلِفةِ المُسْتعمَلةِ في آيات القرآن وأخبارِ الرسول التي تَعلَّقَ بها المُخْتلِفون على اختلافِ أصنافهم في أصول الدِّين وفروعه؛ فإنها أَوْجَبَتْ ما أَوْجَبَتْ مِنَ التباين والتحارُبِ، وتفرُّقِ الكلمة، وتشتُّتِ الأهواء، وتصدُّع الشمل، وانقطاعِ الحبل، وفسادِ ذاتِ البَيْنِ؛ حتَّى صارَ يُكفِّرُ ويلعن بعضُهم بعضًا، وترى طوائفَ منهم تسفك دماءَ الآخَرِين وتَسْتحِلُّ منهم أَنْفُسَهم وحُرَمَهم وأموالَهُم ما هو أَعْظَمُ ممَّا يرصدهم به أهلُ دار الحرب مِنَ المُنابِذين لهم؛ فالآفاتُ التي جَنَتْها ويَجْنِيها ـ كُلَّ وقتٍ ـ أصحابُها على المِلَّةِ والأمَّةِ مِنَ التأويلات الفاسدة أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى أو يبلغها وصفُ واصفٍ أو يُحيطَ بها ذِكْرُ ذاكرٍ، ولكنَّها في جملةِ القول أصلُ كُلِّ فسادٍ وفتنةٍ، وأساسُ كُلِّ ضلالٍ وبدعةٍ»(١٤)، ثمَّ يزيد ـ رحمه الله ـ القولَ وضوحًا عند ذِكْرِ بعضِ وجوه الفِتَنِ والمِحَنِ التي لَحِقَتْ دارَ الإسلامِ مِنْ وراءِ التأويل الفاسد بقوله: «ومِنْ جناياتِ التأويلِ ما وَقَعَ في الإسلام مِنَ الحوادث بعد موت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإلى يومِنا هذا، بل في حياته صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه؛ فإنَّ خالد بنَ الوليد قَتَلَ بني جَذيمةَ بالتأويل، ولهذا تَبرَّأَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ صُنْعِه وقـال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ»(١٥)، ومَنَعَ الزكاةَ مَنْ مَنَعَها مِنَ العرب بعد موت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالتأويل وقالوا: «إنما قال اللهُ لرسوله: ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ﴾ [التوبة: ١٠٣]، وهذا لا يكون لغيره»؛ فجَرَى بسببِ هذا التأويلِ الباطلِ على الإسلام وأهلِه ما جَرَى، ثمَّ جَرَتِ الفتنةُ التي جَرَّتْ قَتْلَ عثمانَ بالتأويل، ولم يَزَلِ التأويلُ يأخذ مَأْخَذَهُ حتَّى قُتِلَ به عثمانُ؛ فأخَذَ بالزيادة والتولُّدِ حتَّى قَتَلَ به بين عليٍّ ومُعاويةَ بصِفِّينَ سبعين ألفًا أو أَكْثَرَ مِنَ المسلمين، وقُتِلَ أهلُ الحَرَّةِ بالتأويل، وقُتِلَ يومَ الجملِ بالتأويل مَنْ قُتِلَ، ثمَّ كان قَتْلُ ابنِ الزبير ونَصْبُ المنجنيق على البيت بالتأويل، ثمَّ كانَتْ فتنةُ ابنِ الأشعث وقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنَ المسلمين بدِيرِ الجماجم بالتأويل، ثمَّ كانَتْ فتنةُ الخوارجِ وما لَقِيَ المسلمون مِنْ حروبهم وأذاهم بالتأويل، ثمَّ خروجُ أبي مسلمٍ وقَتْلُه بني أُمَيَّةَ وتلك الحروبُ العِظامُ بالتأويل، ثمَّ خروج العلويِّين وقَتْلُهم وحَبْسُهم ونفيُهم بالتأويل، إلى أضعافِ أضعافِ ما ذَكَرْنا مِنْ حوادثِ الإسلام التي جرَّها التأويلُ، وما ضُرِبَ مالكٌ بالسياط وطِيفَ به إلَّا بالتأويل، ولا ضُرِبَ الإمامُ أحمدُ بالسياط وطُلِبَ قَتْلُه إلَّا بالتأويل، ولا قُتِلَ أحمد بنُ نصرٍ الخُزَاعيُّ إلَّا بالتأويل، ولا جَرَى على نُعَيْمِ بنِ حمَّادٍ الخُزاعيِّ ما جَرَى وتَوجَّعَ أهلُ الإسلام لمُصابِه إلَّا بالتأويل، ولا جَرَى على محمَّد بنِ إسماعيل البخاريِّ ما جَرَى ونُفِيَ وأُخْرِجَ مِنْ بلدِه إلَّا بالتأويل، ولا قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ خُلَفاءِ الإسلام وملوكه إلَّا بالتأويل، ولا جَرَى على شيخ الإسلام عبد الله أبي إسماعيل الأنصاريِّ ما جَرَى وطُلِبَ قَتْلُه بضعةً وعشرين مرَّةً إلَّا بالتأويل، ولا جَرَى على أئمَّةِ السنَّةِ والحديثِ ما جَرَى حين حُبِسوا وشُرِّدُوا وأُخْرِجُوا مِنْ ديارهم إلَّا بالتأويل، ولا جَرَى على شيخ الإسلام ابنِ تيمية ما جَرَى مِنْ خصومه بالسَّجْنِ وطَلَبِ قَتْلِه أَكْثَرَ مِنْ عشرين مرَّةً إلَّا بالتأويل؛ فقاتَلَ اللهُ التأويلَ الباطلَ وأهلَه، وأخَذَ حَقَّ دِينِه وكتابِه ورسولِه وأنصارِه منهم»(١٦).
هكذا أقامَ السلفُ دِينَ اللهِ بالحفظ والتعظيم والعمل دون تحريفٍ أو تأويلٍ، وكان فَضْلُهم على الخلف كبيرًا، وضِمْنَ هذا المنظورِ قال الشيخ محمَّد البشير الإبراهيميُّ(١٧) ـ رحمه الله ـ: «أقامَ سَلَفُنا الصالحُ دِينَ اللهِ كما يجب أَنْ يُقامَ، واستقاموا على طريقته أَتَمَّ استقامةٍ، وكانوا يَقِفُون عند نصوصه مِنَ الكتاب والسنَّة، لا يتعدَّوْنَها ولا يتناولونها بالتأويل، وكانَتْ أدواتُهم لفَهْمِ القرآن: روحَ القرآن، وبيانَ السنَّة، ودلالةَ اللغة، والاعتباراتِ الدينيةَ العامَّة، ومِنْ وراءِ ذلك فطرةٌ سليمةٌ، وذوقٌ متمكِّنٌ، ونظرٌ سديدٌ، وإخلاصٌ غيرُ مدخولٍ، واستبراءٌ للدِّينِ قد بَلَغَ مِنْ نفوسهم غايتَه، وعزوفٌ عن فتنة الرأي وفتنةِ التأويل، أدَّبهم قولُه تعالى: ﴿أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ﴾ [الشورى: ١٣]، وقولُه تعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ ﴾ [النساء: ٥٩]؛ فكانوا أَحْرَصَ الناسِ على وفاقٍ، وكانوا كُلَّما طافَ بهم طائفُ الخلافِ في مسألةٍ دينيةٍ بادَرُوهُ بالردِّ إلى كتاب الله وإلى سنَّةِ رسوله؛ فانحسم الداءُ وانجابَتِ الحيرةُ»(١٨).
تلك هي بعضُ نماذِجِ قواعدِ المنهج السلفيِّ القائم على خاصِّيةِ الشمول، وفَتْحِ باب الاجتهاد، وذَمِّ الهوى، ونبذِ الجمود الفكريِّ والتعصُّبِ للمذاهب وآراءِ الرجال، وذَمِّ التشبُّه بالكُفَّار.
· والمنهج السلفيُّ مُؤسَّسٌ ـ أيضًا ـ على التوسُّط والاعتدال بين المَناهج الأخرى في الاعتقاد والقول والعمل؛ لذلك كان الانتسابُ إلى السلف رمزًا للافتخار؛ لأنَّ منهجهم يُمثِّلُ الإسلامَ في ذاته الذي كان عليه الرعيلُ الأوَّلُ، مِنْ غيرِ تحريفٍ أو تبديلٍ، وعلامةً على العدالة في الاعتقاد؛ لأنَّ منهجهم يعكس ـ بوضوحٍ ـ الإشعاعَ العلميَّ قديمًا وحديثًا، ويُجسِّدُ أصالةَ الفكر الإسلاميِّ وعقيدةِ الإسلام.