مقالة بطريقة استقصائية: هل تعتقد أن قوانين المنطق معايير يجب أن يلتزم بها كل تفكير ؟
السؤال الثاني (1) : هل تعتقد أن قوانين المنطق معايير يجب أن يلتزم بها كل تفكير ؟
إن المنطق هو علم القواعد التي تجنب الإنسان الخطأ في التفكير وترشده إلى الصواب ، فموضوعه أفعال العقل من حيث الصحة والفساد . وتشير الدراسات الحديثة أن هناك شعوبا عرفت المنطلق في كثير من تفاصيله كالصينيين والهنود ... قبل أرسطو الذي كان مهتما به للرد على السوفسطائيين ، ولتنظيم الفكر الإنساني ، ومن هنا كانت قواعد المنطلق عند أرسطو مقدمة للعلوم أو آلة لها ، فكان يسمى الأورغانون أي الآلة ، وأصبح يعرف عند الفلاسفة " بأنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن من الخطأ في الفكر . " فإذا كان المنطق في نظر أرسطو هو قانون للفكر ومنظم لعملياته وضابط لصحيحه من فاسده ، وهو وحده الذي يصلح آلة للفلسفة والعلوم . فهل عد المنطق كذلك عند من جاء بعده ؟ المنطق قانون الفكر الإنساني
لقد اعتنى أرسطو بالمنطق إذ كان هو أول من نضمه كعلم له موضوع معين يتميز به عن سائر العلوم ، وكان كذلك أول من بوب أبوابه ووضح أجزاءه ، لذا سمي أرسطو بالمعلم الأول ، إلا أنه سماه بالتحليل لا المنطلق ، وأول من أطلق اسم المنطق على هذا العلم شرح أرسطو ، ثم اهتم به فلاسفة الإسلام ، فكان له تأثير كبير في العالم الإسلامي حيث سماه العرب بعلم المنطق تارة وبعلم الميزان تارة أخرى ، وقد اعتبره الفارابي رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها أو بقوله عنه : " فصناعة المنطق تعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تقوّم العقل وتسدد الإنسان نحو الطريق الصواب ونحو الحق ."... وقد ذهب الكثير من المفكرين الأصوليين إلى أن تعلم المنطق فرض كفاية على المسلمين وهذا على درب أبو حامد الغزالي الذي قال : " إن من لا يحيط بالمنطق فلا ثقة بعلومه أصلا " . ومن علماء العصر الحديث هانزريشنباخ الذي يرى أن في جمع قواعد المنطق على شكل نظرية وتطبيقها بوعي في المجال العلمي هو بحث يعود فيه الفضل إلى أرسطو، إذ يقول : " بفضل دراسة أرسطو للصورة المنطقية اتخذ المنطق الخطوة الأولى التي أدت إلى قيام علم المنطق ." فعلا يعتبر المنطق من العلوم العقلية القديمة التي استحوذت على اهتمام الفلاسفة و المناطقة قديما وحديثا ، إلا أن هذه الحركة المنطقية لم تحظ بالترحيب الكلي من طرف الجميع ، فقد وقف البعض منها موقف العداء الشديد خاصة من بعض فلاسفة وفقهاء الإسلام . المنطق قانون الفكر اليوناني وحده . إذا كان أرسطو و المشاؤون القدماء يرون أن العلم بحقائق الأشياء إنما يحصل بأداة هي المنطق ، فان أهمية المنطق
و ضروريته بدأت تطرح مع فلاسفة الإسلام فمثلما أثرت مباحث المنطق على المسلمين ووصلت في أبحاثهم اللغوية والأصولية إلى درجة أن بعض علماء الكلام وعلماء أصول الدين أخذوا يخرجون حججهم في صورة القياس المنطقي ، فان أثر هذه الحركة في العالم الإسلامي لم يدم . وكان من طائفة الفقهاء من لم يوافق على هذه الحركة المنطقية ووقف منها موقف العداء الشديد ، فهوجم الغزالي هجوما شديدا من علماء الإسلام ومنهم ابن الصلاح الذي كتب يقول : " فأبو بكر وعمر وفلان وفلان وصلوا إلى الغاية من اليقين ولم يكن أحد منهم يعرف المنطق ". وكان يقول أيضا : " المنطق مدخل الفلسفة ومدخل الشر . " وقد كان أثر بن الصلاح عميقا في علماء المسلمين بعده ، بحيث أصبح شائعا القول : " من تمنطق تزندق " ولكن ما لبث نقد المنطق أن توجه وجهة أخرى على يد مفكري السلف المتأخر تقي الدين ابن تيمية فلم يعد نقد المنطق في صورة فتاوى بل بدأ يتخذ شكل النقد المنهجي بمعنى أن ابن تيمية لم يكتف بالقول أن المنطق يخالف صحيح المنقول بل اعتبره مخالفا للصحيح المعقول ، فيقول فيما جاء به المناطقة : " كل هذه الدعاوى كذب في النفي والإثبات ، فلا ما نفوه من طرق غيرهم كلها باطلة ، ولا ما أثبتوه من طرقهم كلها حق على الوجه الذي أدعو فيه ". وهكذا كان من يصبو إلى تعلم المنطق يتهم بالتبدع أو فساد العقيدة . ولم يحدث هذا في المشرق وحسب بل وفي المغرب أيضا . حقيقة لا يمكن اتخاذ المنطق أداة وحيدة وفريدة لمعرفة الواقع وحقيقة الموجودات مثلما كان شائعا في عصر أرسطو والمشائين بعده إلا أنه لا يمكن تجاهل قيمة المنطق فمعرفة المنطق إيجابية في بلوغ الحق . إن الشريعة الإسلامية بعلومها قد تمت ، وقد خاض علماؤها في بحر حقائقها بكلياتها وتفصيلها دون أن يكون لهم منطق ولا مناطقة ، ودون أن يتعرفوا على منطق أرسطو ولكن إذا كان الجهل بالمنطق لا يعطل مسائل الفكر فان الاطلاع على المنطق يجعل صاحبه ذا قدرة على البرهنة والاستدلال بشكل أفضل ، ولعل هذا ما جعل أرسطو يعتبر المنطق قانون الفكر الإنساني وهو أيضا ما دفع ببعض فلاسفة الإسلام إلى تعلم المنطق ولو خفية زمن عداء الفقهاء له ، واعتباره أداة بها يحصل العلم بحقائق الأمور ، وعليه فان حاجة الإنسان إلى المنطق تبقي قائمة خاصة في المسائل التي لا تدرك إلا بالفكر وتأمل واستدلال على حد تعبير الفارابي : " ففي هذه دون تلك يضطر الإنسان إلى قوانين المنطق " . إن العقل الإنساني يملك القدرة على الانتقال من المعلوم إلى المجهول والناس من محادثاتهم اليومية وفي مناقشاتهم يسيرون على مقتضى المنطق ، غير أن العقل الإنساني لا يكتمل بدون هذا الترتيب الذي يعمل على فحص وتنظيم وتصحيح الفكر ألا وهو المنطق ، فهو الأسلوب الذي يساعدنا على تصحيح تفكيرنا وهو أداة التفكير الصحيح ، التي تم اختصارها وتحويلها إلى قوانين يمكن تدريسها لكل عقل عادي فتقدم له الضبط اللاشعوري للتفكير . ولذا ينبغي لكل تفكير الالتزام بقوانين المنطق .