المقدمة:
لقد عرف العصر العباسي تطورا كبیرا
و في جمیع المجالات
( العلمیة – الطبیة – الفلكیة – الریاضیات و الفیزیاء )
كما تمیز بمجالات سلبیة كالزندقة الترف اللھو
و المجون الخمر مغیرھا من الآفات كما سھر
رواده وعلمائھ على ترجمة الكتب و اللغات
الھندیة و الفارسیة إلى العربیة وھا نحن
نضع بین أیدیكم ھذا العرض الوجیز الذي
یتضمن الحیاة العلمي في العصر الذھبي
ونأمل أن یكون واضحا و مقروءا .
- تقدمت الحركة العلمیة في العصر العباسي حتى بلغت فروع المعارف العلمیة أكثر من ثلاثمائة فرع ,
فوضعت أصول الطبیعات و ارتقت الفلسفة , وكث رت كتب التاریخ و تقویم البلدان , وكذلك معاجم اللغة و
تخلفت الحیاة العلمیة في بغداد بعد أن سقطت على ید السلاجقة , ولكنها استمرت في مصر على ید
الأیوبیین حیث ألفت الكتب العلمیة , و دوائر المعارف , و معاجم اللغة.
- و من الناحیة الأدبیة و مع وجود الانحلال السیاسي الذي أصاب الدولة العباسیة , وظهور
القومیات فان الحركة الأدبیة ظلت قائمة , ففي النصف الأول من الفترة الثانیة للعصر العباسي سجلت
النهضة الأدبیة تقدما ا رئعا , ولكنها ما لبثت أن تلاشت في النصف الثاني من هذه الفترة وكان من أسباب
ذلك التقدم ما یلي :
- تنافس الدویلات , ورغبة حكامها و أم ا رئها في إظهار استقلالهم عن بغداد عن طریق الإهتمام
بالعلم و الأدب و تشجیعهما .
- كانوا الكثیرون من أم ا رء هذه الدویلات و ساستها على صلة قومیة ب بالعلوم و الآداب
كالحمدانیین بحلب الذین أشتهر أمیرهم﴿ سیف الدولة﴾ , وذاع صیته على لسان المتنبي و غیره , و
كالبویهین بالفارس و بالع ا رق الذین كان منهم شع ا رء , وكانوا لا یقلدون المناصب الرفیعة إلا أهل الآداب
و العلم منهم شع ا رء , و أما الفاطمیون في مصر فقد نافسوا غیرهم بتشیید المعاهد العلمیة كالأزهر ودار
الحكمة وغیرهما .
- ق وي التنافس بین حكام هذه الولایات , وتسابقوا في اجتذاب العلماء والأدباء مما دفع بالنهضة
العلمیة والأدبیة إلى التقدم , وقد تعددت أمام الأدباء م ا ركز الثقافة لیغترفوا منها بحلب و القاهرة وقرطبة .
ولكن تلك النهضة مالبثت أن ضعفت في النصف الثاني من هذه الفترة . كما تمیزت الحركة العلمیة
بتطور في المجالات التالیة : الآداب , الفلسفة ,الطب و الریاضیات
فمثلا في مجال الأدب :
تطور القصیدة العربیة تمثل في :
أ- فیها مقدمة طلالیة كما قال مجنون لیلى :
- أمر على الدیار , دیار لیلى
أقبل ذا الجدار وذا الجبار
- و صاحب الدیار شغفن قلبي
ولكن حبّ من سكن الدیار
ثم یستطرد الشاعر إلى الوصف و الترحال أو ذكر مغامرته في الصید مثلا , و لنا أنضع دلیل على ذلك
شعر المعاقات و أخص قصیدة في هذا المجال هي معلقة امرئ لبقیس التي مطلعها .
- قفا نبك من ذكرى حبیب و منزل
یسقط اللوى بین الدخول و خوامل
ففي هذه المعلقة تتعدد موضوعات الشاعر من غزل ووصف لفرسه ثم یستطرد بذكر مغامرته في الصید
وغلى هذا الأساس تكون القصیدة على تعداد الموضوعات أي أنها أبعد ما تكون عن الوحدة العضویة أو
الموضعیة .
1 / - تطور الغزل في العصر العباسي :
لقد أخذ مجرى الغزل العفیق یضیق ولم یعد یبلغ من التأثیر في النفس و القلب مابلغه في العهد الأموي و
كأنما أفسدت الحضارة هذا الفن فإذا یغلب علیه التكلف و لا یكاد یؤثر في النفس وقد مال الشع ا رء إلى
انتقاء العبا ا رت البینة و اختیار الألفاظ الرقیقة و اعتماد الأو ا زن المجزوءة الصالحة للغناء و في أواخره بدأ
الغزل في السقوط محتوى و شكلا و أضحى تعبی ا ر عن الغ ا رئز و تصوی ا ر للمغام ا رت في لغة ثابتة
2 / - الرخاء في العصر العباسي :
وفیه نشط الشع ا رء في الرخاء إذ لم یمت خلیفة و لا وزیر إلا أبنوه وتمیز قصائد رثاء الخلفاء و الأبطال
بإكتضاضها بالحاسة و القوة و التمجید التي تصوم الحمیة في نفوس الشباب فتتوجه للدفاع عن الحمى
حتى الموت .
3 / - رثاء المدن حین تنزل بها كوارث النهب و الحرق:
فقد بكى شع ا رء بغداد لمّا تعرضت لقصف بالمنجنیق قبل مقتل الأمین (ابن هارون الرشید) كما بكو أهل
البصرة لما تعرضت للتدبیر إثر ثروة الرنوج فیها عام 257 ه
في المجال العلمي :
٭امتزاج الثقافات في العصر العباسي :
- التقت الثقافات المتعددة من فارسیة و هندیة , و یونانیة و عربیة , ومن یهودیة و نص ا رنیة و
إسلام التقاء واسعا في الع ا رق في العصر العباسي الأول , ولكن كل ثقافة في أول أمرها كانت تشق
لنفسها جدولا خاصا بها یمتاز بلونه و طعمه , ثم لم تلبث إلا قلیلا حتى تلاقت و كونت نه ا ر عظیما
تصب فیه جداول مختلفة الألوان و العناصر .
و العلماء – على اختلاف أنواعهم – لم یكونوا كلهم یستسیغ ون ماء النهر العظیم, ویتذوقون طعمه,
فكان منهم من یخرج إلى بادیة الع ا رق یرد الجدول العربي صافي قبل أن تكدره الحضارة,یستقي ما شاء
منه أن یستقي , و یعود إلى الحضر و قد تزود مما استساغه من ماء یعیش علیه ولا یشرب إلا منه, ﴿ و
إذا استقى فلا یستقي إلا منھ ﴾
أولئك أمثال الأصمعي الذي حفظ – كما یقول - ﴿ اثني عشر أرجوزة من أراجیز العرب ﴾
و حفظ الكثیر من قصائدهم و نوادرهم و لغتهم , و تخصص لذلك یؤلف فیه و یعلّم في المسجد و
یحاضر الخلفاء و الولاة و أمثالهم , وكأبي زید الأنصاري الذي أجاد نوادر اللغة و غریبها , و كحماد
ال ا رویة و خلف الأحمر و المفصل الضبي و أبي عمرو الشیباني و محمد بن سلام الجمحي , فهؤلاء
كانوا لا یعجبهم إلا الجدول العربي , یرحلون إلیه و یأخذون منه , و یتنقلون في قبائله , و یروون شعره و
لغته و أدبه , و یقصون نوادره مهما تفهت , و یحبةن كل شيء له , ثم یذهبون إلى الع ا رق یعلنون عن
مائة , و یبشرون بعذوبته و صفائه , فإن عرض لهم من جدول آخر عافوه و استكرهوه و محبته نفوسهم
.
ومنهم من كان لا یحب إلا الجدول الیوناني, ویتعلم كتبه ولغته, و یستلم مؤلفاته, ولا یرى العقل إلا فیه,
ولا الحكمة إلا صادرة عنه و مقتبسه منه, كأطباء السریان في ذلك العصر, وهك
من رواد الحركة العلمیة في العصر العباسي نذكر :
أبو العتاھیة
ھو إسماعیل بن القاسم بن السوید بن كیسان یكنى آبا العتاھیة ولد في الكوفة سنة 130 ھ من أسرة فقیرة
وكان أجداده نصارى وبعد الفتح الإسلامي على ید خالد بن الولید دخلوا الإسلام وقد نشأ یقول الشعر
وتأصلت لدیھ ھذه الموھبة الشعریة حتى كان یقول عن نفسھ قولا :
﴿ لو شئت أن أجعل كلامي كله شع ا ر لفعلت ﴾ ثم سعى إلى بغداد بعد شھرتھ وبنوغھ فاتصل بأربعة
خلفاء تباعا وھم "المھدي و الھادي و الرشید و المأمون" نال لدیھم حضوة , توفي ببغداد على الأرجح
سنة 210 ھ أو 211 ھ أو 213 ھ
أثاره :
لقد أثرى أبو العتاھیة التراث الشعري العربي بدیوان یغلب علیھ شعر الزھد , ولقد تصرف فیھ جامعوه
ولا سیما عبر العصور لأسباب قد تكون شخصیة ولكن الدكتور شكري فیصل قد إبتوى یجمع ھذا الدیوان
و یؤصلھ تأصیلا علمیا ,فعد أحسن دیوان أبي العتاھیة أمام أترابھ و یتناول أبو العتاھیة في شعره الزھدي
قضایا أخلاقیة وتربویة و دینیة و نفسیة .
الحلاج
ھو الحسین بن منصور الحلاج : لم یختلف النقاد و المؤرخون و الصوفیة أنفسھم حول الصوفي قدر
اختلافھم حول شخصیة ھذا الرجل , فقد اختلفوا أول ما اختلفوا
حول تاریخ وفاة میلاده , فكثر التقدیم و التأخیر , ومھما یكن الأمر فلا یخرج ھذا الرجل مولدا وفاة من
حیز العصر العباسي .
- وقد كثرة الاختلافات حولھ في عقیدتھ و سلوكھ فحامت حولھ الشبھات فھو عند أقوام المنصوف
, الورع , وھو ند أقوام آخرین نقیض ذلك تماما فھو الملحد , الزندیق و ما كان مرادفا
لھا بتن الصفتین , ولسبب ھذا الاختلافات راجع إلى البیئة السیاسیة و الثقافیة التي كانت سائدة وقت ذاك
عبر المسیرة التاریخیة لتراثنا الفكري و الأدبي تداخلت عوامل و تقاطعت أسباب جعلت ھذه النصوص
تتداخل مع بعض النصوص الأخرى المنحلة المدسوسة و إلا كیف تفسر ھذا التناقض الصارخ في تفسیر
مواقف الأدباء و الشعر و غیرھم .
بشار بن برد
ملامح حياته:
بشار بن برد ھو أحد ممھدي السبیل الأدبي و الشعري إلى العصر العباسي فھو توطئتھ لأنھ مخصوم
العصرین : الأموي و العباسي وقد تباینت حقائق المؤرخین حول مولده فمن قائل أنھ ولد سنة 70 ھ ومنھ
من یقول 91 ھ أو 92 ھ ومن یقول في 106 ھ و لكن یكاد یجمع
المؤرخون على أن مولده في تاریخ الخامس و التسعین ( 95 ) للھجرة وكانت وفاتھ سنة 167 ھ و منھم
من یقول 166 ھ أو 168 ھ
یؤثر بشار بن برد قال 1300 قصیدة كل قصیدة ب 7 أبیات فأكثر , فھو شاعر مكثر .
- فمن ملامح شخصیتھ أن شاعر ھجاء بل نشأ على الھجاء یقول في ھذا المعنى (العمي) :
- عمیت جنبنا و الذكاء من العمى فجئت الظن بالعلم موئلا
- وغاض ضیاء العین للقلب رائدا بخفض إذا ما ضیع الناس حصلا
- وشعر كزھور الروض لا أمن بیھ نقي إذا ما أحزن الشعر أسھل
أبو العلاء المعري
مولده:
ھو أبو العلاء أحمد بن عبد لله بن سلیمان بن محمد المعري (نسبة إلى المعرة سوریا حالیا) ولد یوم
الجمعة في النصف الأول من ربیع الأول سنة 449 ھ الموافق ل أضار 1759 م
أبو الطیب المتنبي
نسبته:
ھو أبو الطیب أحمد بن الحسین بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي بن سعد العشیرة من الیمن (عرب
الجنوب ) ولد سنة 303 ھ ( 915 م - 916 م) في حي بني كندة في الكوفة ... اصطحبھ سیف الدولة إلى
حلب سنة 337 ھ بعد إعجابھ بأدبھ و شعره و لكن المتنبي إشترط على سیف الدولة : 1/- أن لا یشثده
إلا جالسا
2/- أن لا یقبل الأرض بین یدیھ
3/- أن یضمن لھ ثالثة آلاف دینار في العام على ثلاث قصائد
ومن الموافق الكبرى في حیاتھ ذھابھ إلى كافور الإخدیشي ولكنھ مالبث أن ضربت علیھ مراقبة صارمة
بعد أن أخلف عھد كافور وعده في إعطاء الإمارة للمتنبي وفي لیلة عید الأضحى من سنة 350 ھ ولى
ھاربا إلى حلب .
قتل یوم 28 رمضان سنة 354 ھ قتلھ فاتك الأسدي أحد رؤساء الأعراب انتقاما منھ و طمعا في مالھ .
الجاحظ
ھو أبو عثمان بن بحر الجاحظ وھذا القبة وھذه كنیتیھ كانتا أحب التسمیات إلى نفسھ لكن الغالب على
الجاحظ ما وسم بھ في جانبھ الجسمي أي جحوظ عینیھ (بروزھما) وھذا الغالب و الأشھر في ھذه
الشخصیة الفذة تراثا العربي الأدبي و اللغوي , تضاربت الآراء في تاریخ میلاده حتى تعددت ولكنھ
الأرجح في ھذه الأقوال ھو ما ثبت بین 155 ھ و 159 ھ وتوفي على الأرجح و الصواب سنة 255 ھ