على وقع الضجيج الذي تعالى حول روسيا، نمت ورأسي مثقل بذلك، حلمت تلك الليلة أنني وضبت حقائبي وحان وقت الرحيل إلى روسيا، وصلت المطار أظهرت للمستقبلة تذكرتي، نظرت إليّ وإلى شكلي المُزري، وكأنني فضيحة ستصل بعد ساعات إلى روسيا، حاولت أن أظهر أنني إنسان راقي فتكلمت بعض الكلمات الفرنسية لكنها إستمرت في النظر إلي بإزدراء، وكأنها تريد أن تقول لي: "وفوق كلّ هذا تكذب"...حاولت أن أتماسك فمن يهتم ربما غارت لأنني سأتزوج روسية بعد ساعات.
صعدت الطائرة كان يجلس بجانبي شيخ هرم نظر إلي وهز حاجبيه نحو الأعلى والاسفل قائلا: إذن أنت ذاهب إلى روسيا لتبحث عن فتاة أحلامك، أنا أيضا ذاهب إلى هناك لعلي أجدها، فالحمد لله أنا متفرغ من أي إلتزامات، زوجتي توفيت قبل أسبوعين، وضعت السماعات في أذني متفاجئا أحاول أن أشتت عقلي عن التركيز معه...
وصلت روسيا بعد ساعات ، لكنني تذكرت أنني لا أجيد اللغة الروسية، وأنني لم أحضر معي أي ثياب شتائية تقيني شر برد روسيا، عبرت شرطة الحدود، وصلت الفندق، لم يكن الأمر بتلك الصعوبة فالروس يجيدون اللغة العربية أعلم أنكم قد لا تصدقوني لكنني تحدثت مع عاملة الاستقبال في الفندق باللغة العربية، وأجابتني بها، خرجت من الفندق ودخلت المقهى كان الروس يأكلون مثلنا تماما "الميلفاي، كرواسن، وصدقوا حتى المقروض موجود عندهم ومعسل أيضا" ، جلست على الكرسي وطلبت "قهوة مزيرة"، خرجت بعدها وأنا متيقن أن الأمور ليست صعبة كما توقعت فروسيا بلد عربي...
******
خرجت من المقهى وغصت في مدينة موسكو، كان يوم جمعة ولهذا قررت أن أصليها بالمسجد ليكون الأجر كبيرا، إقتربت من المسجد وما هي إلا لحظات حتى مر من أمامي شاب روسي شعره أصفر، عيناه خضراوان، جسده ممشوق بفعل الرياضة، ويلبس في رجله " آريني"، وما إن وصل أمام باب المسجد حتى رمى حذاءه دون نزعه بيديه فوقعت "فردة" في الطريق أما "الفردة" الثانية فلطمتني على وجهي، كدت أسقط نتيجة رائحتها النتنة.
وصلت أمام الباب فوجدت الأحذية متراكمة أمامه، رغم وجود مكان لوضعها عليه بتنظيم، لكنني قررت لأول مرة في حياتي أن أصبح إنسانا محترما فوضعت حذائي على اللوحة المخصصة للأحذية، دخلت المسجد صليت ركعتين كتحية مسجد، ثم رفعت رأسي باتجاه الإمام، فكانت المفاجأة كبيرة، نظرت بإمعان لعلي أكون مخطئا، نقزت الشخص الذي كان بجانبي على الجزء الأيمن من بطنه فطار إلى السماء ثم سقط على ظهره، قال: ما بك أيها الأحمق، قلت: أعتذر، لكن أليس هذا قدور الباندي، قال: نعم! صرخت داخلي قدور ماذا تفعل في روسيا.
قدور: جاري لم يدخل المدرسة يوما، منذ أعرفه لا يصلي، درس في إحدى الزوايا حوالي شهرين لكنه طرد منها، لأنه بطيء الفهم، كان يجعل المدرس يضيع مجمل وقته في شرح الدروس له، نقزت الرجل بجانبي مرة أخرى لكنه كان متفطنا هذه المرة ، وقال: ماذا هناك؟ دعني أركز مع الدرس، قلت: كيف أصبح قدور إماما؟ قال: تعرف الوضع في روسيا ووزارة الشؤون الدينية خاصة، يعتقد المصلون أن قدور وضّف برشوة، إندهشت من كلامه، هل فعلا روسيا بها وزارة شؤون دينية، وفاسدة أيضا؟ إذن روسيا ليست بلدا عربيا فقط، بل ومسلما أيضا.
حجبت وجهي عن ذلك الشخص الذي بجانبي، ونظرت إلى مكان فارغ في الصف الأول يتجنب المصلون الجلوس فيه، نقزت الشخص الذي بجانبي فطار مرة أخرى، لكن هذه المرة كان يبدو غاضبا جدا ولوح بيده وقال: أقسم بالله إن لمستني مرة أخرى فسأقتلك، قلت: سؤال أخير، لم ذلك المكان فارغ خلف الإمام؟ قال: يبدو أنك لست روسيا، قلت: نعم أعتقد ذلك، قال: أما في الجهة اليمنى من المكان الفارغ، فهو مخصص لرئيس الدائرة وبجانبه رئيس البلدية، هززت رأسي موافقا، ما هي إلا لحظات حتى رن هاتف أحدهم، وتعالت منه نغمة الشابة هليلة، ثارت ثائرة الإمام يحاول أن ينصح الفاعل، نقزت الشخص بجانبي مرة أخرى لكن هذه المرة كان يبدو غاضبا جدا، فلطمني بيده وما إن حاولت الإبتعاد عنه، حتى كانت اللكمات تتوالى على وجهي، أمسكه المصلون وهو لا يزال يصرخ أتركوني ويعض على شفتيه، ربت أحد المصلين على كتفاي وقال: لا تعطي بالا، نحن الروس متعصبون جدا ودمنا ساخن، ولهذا نغضب بسرعة...
******
يتبع...
أتشرف بآرائكم