المطلب الثالث:العوامــل المؤثـرة في الاستهـلاك
إن العوامل المؤثرة في الاستهلاك هي العوامل التي تؤثر في العلاقة القائمة بين الدخل والإنفاق الاستهلاكي. ويركز أصحاب كل مدرسة من المدارس النظرية على «العوامل المؤثرة» التي تخدم التركيب البنياني لنظرياتهم. ولاشك في أن كينز كان أول من صنف تلك العوامل وأوضح العلاقة والدور لكل صنف. فهو يقول إنّ ثمة «عوامل ذاتية» Subjective Factors «وعوامل موضوعية» Objective Factors الأولى تنطلق من البنية النفسية للمستهلك ومن عاداته الاجتماعية ومن تأثره بأطر المؤسسات السائدة، والثانية تنطلق من متغيرات اقتصادية متنوعة. إلا أن عدم تبدل هذه العوامل، بصنفيها، في الأمد الآني والقصير يترك علاقة الارتباط المباشر قائمة بين مستوى الدخل ومستوى الإنفاق الاستهلاكي. ويتجلى أثر «العوامل الذاتية» في تجديد حجم الاستهلاك بالنسبة إلى مستوى الدخل المعين، وهو يؤثر في قرار المستهلك المتعلق بكيفية تقسيم دخله بين الإنفاق الاستهلاكي والادخار.
1 مستوى الدخل:
يعتبر الدخل من أهم العناصر التي تؤثر على الاستهلاك، فإذا لم يتوفر للفرد أي دخل فإنه يضطر
لإنفاق مدخراته أو الاستعانة بالآخرين وقد يضطر لبيع جزء من ثروته كالممتلكات العقارية وغيرها
وبالتالي نعتبر العلاقة قوية بين الدخل والاستهلاك فكلما ازداد الدخل يزداد الاستهلاك.
لقد قدم ملتون فريدمان رئيس المدرسة النقدية مدرسة شيكاغو تفسيرًا للعلاقة بين الدخل
والاستهلاك:عندما قال يتحدد الاستهلاك العائلي إلى حد كبير بالدخل المتوقع الحصول عليه خلال فترة طويلة في المستقبل أو الدخل الدائم، فالمواطن ينفق حسب دخله الدائم أو المستمر فإذا انخفض دخله فلن يخفض استهلاكه ويضطر للاستدانة وبالمقابل إذا زاد الدخل لفرد ما خلال الفترة القصيرة فلن يزداد الاستهلاك وإنما يخصص للادخار, أي يتحدد استهلاك الفرد أو العائلة بالدخل الدائم وليس الدخل الحالي وكل ما يحصل في الفترة القصيرة لا يعبر عن العلاقة بين الدخل والاستهلاك.
2 المستوى العام للأسعار:
يؤدي التضخم لارتفاع المستوى العام للأسعار وبالتالي تنخفض القوة الشرائية للدخل وينخفض
الاستهلاك، فالدخل الذي كان يحقق لصاحبه شراء 100 سلعة وخدمة فإنه بعد ارتفاع الأسعار لن
يستطيع شراء نفس الكمية من السلع والخدمات لذلك سوف يضحي بالادخار وإذا كان الارتفاع
شديدًا سوف ينخفض استهلاك الفرد أو قد يلجأ لبيع جزء من ممتلكاته العقارية لمواجهة هذه الظروف, فالأسعار تؤثر على الاستهلاك وعادة ما تحدد الدول والحكومات مستويات الأجور عند مستويات الأسعار وبالتالي فإن ارتفاع السعر سوف يدفع الحكومات لرفع مستوى الدخول ﺑﻬدف الحفاظ على مستوى مستقر من الاستهلاك للأفراد.
3 سعر الفائدة:
إن المتغير الاقتصادي الذي يوفق ويربط بين المقرضين والمقترضين في علاقات تمويلية هو سعر الفائدة، فهو يعتبر السعر الذي يدفعه المقترض لقاء استخدامه الأموال المقترضة لفترة زمنية معينة يتفق عليها أي سعر الائتمان، فمن وجهة نظر المقترض يعتبر سعر الفائدة عائدًا للأموال المستثمرة ومن وجهة نظر المقترض هو تكلفة لها وإذا ما احتفظ الأفراد بالأموال فإن سعر الفائدة هو تكلفة الفرصة البديلة أي مقدار التضحية.
وبطبيعة الحال فإن سعر الفائدة المرتفع سوف يشجع على الادخار ويكون الاستهلاك هو الضحية
حيث يخفض المستهلك كميات الشراء ﺑﻬدف الادخار والحصول على العائد المرتفع أي كما يقول
الكلاسيكيون, الفائدة هي تأجيل استهلاك اليوم لاستهلاك أكبر في المستقبل فكلما ازداد معدل سعر الفائدة تزداد المدخرات لدرجة أنه وصل سعر الفائدة إلى 15 % في كوريا ووصلت المدخرات إلى 33 % من الناتج المحلي الإجمالي, وبالمقابل عند انخفاض سعر الفائدة يزداد الاستهلاك لأن الأفراد يشعرون بأن الاحتفاظ بالأموال لن يجر لهم نفعًا في المستقبل لذلك يفضلون الاستهلاك الحالي لذلك عندما تحدد الدولة سعر الفائدة تأخذ الاستهلاك بعين الاعتبار لأن انخفاض حجم الاستهلاك سوف يؤثر على الإنتاج نفسه الذي تشجعه الدولة.
4 تشكيلة السلع والخدمات:
يتصرف المستهلك بدخله استنادًا لما يشاهده من سلع وخدمات، فإذا ازداد الدخل ولم يجد
المستهلك عرضًا وفيرًا من السلع والخدمات بأنه يضطر للادخار لذلك يتأثر الاستهلاك بالعرض،
والعرض يتأثر بدوره بالاستثمار ورأس المال وقوة العمل وتوفر المواد الأولية وغيرها وبشكل عام فإن القدرة الإنتاجية أو الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الوطني تؤثر على الطلب الكلي وعلى الاستهلاك فكلما ازداد الاستثمار وتوفرت تشكيلة واسعة من السلع والخدمات يصبح اﻟﻤﺠال واسعًا لاستهلاك جديد
فالمقارنة بين عام 2007 وعام 1985 توضح لنا بأن مجالات توسع الاستهلاك وزيادته الآن هي أفضل بكثير من ذلك العام عندما كانت السلع غير متوفرة.
5العادات والتقاليد الاجتماعية:
هي مجموعة من العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الفئات الاجتماعية وداخل هذه الفئات
والجماعات في مجرى النشاط المشترك وتنقسم العلاقات الإجتماعية إلى مادية تتشكل بصورة مستقلة عن حياة وعي الأفراد وإدراكهم وإلى أيديولوجية تظهر على أرضية الأفكار الإجتماعية التي تعكس مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية وتظهر على شكل أفكار سياسة وقانونية وأخلاقية ودينية
إن العلاقات الاجتماعية في جانبها الروحي من أفكار وقيم وأخلاق عادات وتقاليد تؤثر بشكل مباشر على الاستهلاك والادخار معًا
6الدين والاستهلاك الإجتماعي:
لقد نظم الدين الإسلامي الإنفاق الإستهلاكي بشكل واضح فمنع الإسراف ودعا للتوسط في
الإنفاق قال تعالى: ﴿ وآت ذا القربى حقه والمساكين وابن السبيل ولاتبذر تبذيرًا إن المبذرين كانوا إخوان [ الشياطين﴾ [الإسراء : 26
إن المتوسط في الاستهلاك على النفس وعلى منافع اﻟﻤﺠتمع مع تحريم الإسراف والتبذير والربا
والاكتناز وتقديم الزكاة يؤدي إلى توفير المدخرات اللازمة للعملية الاستثمارية في اﻟﻤﺠتمع الأمر الذي يؤدي إلى تطوير وتحسين ظروف العمل وظروف اﻟﻤﺠتمع بشكل عام
ولقد ربط الإسلام الاستهلاك بظروف اﻟﻤﺠتمع وحدد طرقه وأهدافه:
1يجب على الفرد إشباع الحاجات الفردية (طعام ومسكن ولباس . . . . )
2 إشباع الحاجات شبه الفردية.
3 استهلاك الطيبات لمن كان دخله مرتفعًا
[ قال تعالى:﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾[ الأعراف: 32
رواه الترمذي) ) « إن الله يحب إن يرى أثر نعمته على عبده » : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الإسلام ﺑﻬذه الحالة يربط الاستهلاك بالدخل فكلما ارتفع الدخل يزداد استهلاك الفرد من السلع
الكمالية ولا يجوز التقشف أو البخل لمن لديه الامكانيات والظروف المناسبة
وكانت السمة الأساسية للاستهلاك هي التوسط في الإنفاق.
7الثقافة الإجتماعية:
هي مجمل ألوان النشاط التحويري للإنسان واﻟﻤﺠتمع وكذلك نتاج هذا النشاط وتقسم الثقافة إلى قسمين:
الثقافة المادية: وتتضمن أساليب إنتاج الخيرات المادية.
الثقافة الروحية: وتتضمن كافة أشكال الوعي الإجتماعي ( الفلسفة الأخلاق العلم
الحق الفن الدين)
إن عناصر الثقافة المادية والروحية وثيقة الارتباط ببعضها البعض وتضرب جذورها في التاريخ وهي
حصيلة المعارف التي طورها الإنسان، فالإنسان يسعى لتغيير الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه باتجاه الأفضل ومع هذا التغيير تتطور العادات والتقاليد وأنماط الاستهلاك.
إن فروع الإنتاج المادي المسؤولة عن إنتاج السلع تقدم لنا تشكيلة واسعة من السلع والخدمات والجانب الروحي للثقافة يدفعنا لاستهلاك وزيادة النزعة الاستهلاكية وإلا كيف يعرف الإنسان المنتجات الجديدة وما هي مزاياها وكيف يستعملها وكيف يقوم بالصيانة.
المطلب الرابع:العوامـل المؤثرة في درجة حساسيــة المستهـــلك
يؤكد الاقتصاديون وأخصائيو التسعير على وجود عوامل مهمة تؤثر في درجة حساسية المستهلك للسعر، ومثل هذه العوامل تعد مؤشرات هامة لابد أن يسترشد بها رجل التسويق المختص بالأسعار عند تحديده لهيكل السعر، وتتمثل أهم هذه العوامل فيما يلي:
١- تأثير القيمة الفريدة
عندما يكون المنتج الذي يرغب المستهلك بشرائه من المنتجات الفريدة، فإن المستهلك يكون أقل حساسية للسعر عند الشراء، والعكس صحيح إذا كان المنتج لا يختلف كثيراً من وجهة نظر المستهلك عن غيره من المنتجات المتاحة في السوق، فإن المستهلك يكون أكثر حساسية للسعر عند الشراء، لذلك فإن السعر سيلعب دوراً هاماً وكبيراً في التأثير على قرار المستهلك بالشراء.
2_تأثير جودة المنتج
عادة ما يكون المستهلك أقل حساسية لأسعار تلك المنتجات التي يرى أنها ذات جودة عالية وتمتاز
بخصائص مميزة لا تتوفر في المنتجات الأخرى، والعكس صحيح، أي أن المستهلك يكون أكثر حساسية لأسعار المنتجات التي يرى أنها تمتاز بمستوى منخفض من الجودة.
٣- تأثير درجة المنفعة
إن اختيار المستهلك للسلعة التي يرغب بشرائها يتوقف على مقدار وأهمية المنفعة التي يتوقع أن تحققها له هذه السلعة، إذ يكون المستهلك أقل حساسية لأسعار المنتجات التي يرى أنه يحصل منها على منفعة كبيرة، والعكس صحيح أي أن المستهلك يكون أكثر حساسية لأسعار المنتجات التي يرى أنه يحصل منها على منفعة أقل.
٤- تأثير المعرفة بالبديل
عندما يكون المستهلك على علم ومعرفة ببعض البدائل المتاحة في السوق، فإنه سوف يكون أكثر حساسية للسعر والعكس صحيح، إذ أن المستهلك الذي يجهل الأنماط المشابهة للمنتجات في السوق فإنه سيكون أقل حساسية للسعر.
٥- تأثير صعوبة المقارنة
إذا كان المستهلك يواجه صعوبة في المقارنات السعرية بين البدائل المختلفة المتاحة أمامه فإنه يكون أقل حساسية للسعر والعكس صحيح، أي أن المستهلك يكون أكثر حساسية للسعر عندما تسهل عليه المقارنة السعرية بين المنتجات البديلة في السوق.
٦- تأثير النفقات الكلية
عندما تُمثِّل النفقات الكلية للمستهلك نسبة قليلة من دخله فعندئذ درجة حساسيته للسعر تقل والعكس صحيح، بمعنى أنه عندما تُشِّكل المنتجات المراد شراؤها نسبة عالية من دخل المستهلك، فإن إنفاقه سيكون كبيراً لذا فإن درجة حساسية المستهلك للسعر ستكون أكبر.
٧- تأثير المنفعة النهائية
عندما يشتري المستهلك منتجاًُ وقد دفع فيه مبلغاً كبيراً من المال، فإن حساسيته لأسعار المنتجات المرافقة التي تستخدم معه تكون أقل كلما كانت النفقة الخاصة بالمنتج المرافق تمّثل جزءاً محدوداً من التكلفة الكلية للمنَتج الأساسي لأن التركيز الرئيسي قد وجه نحوه، فكلما كانت النفقة الخاصة بالمنتج المرافق تمّثل جزءاً أكبر من التكلفة الكلية للمنتج الأساسي زادت حساسية المستهلك لسعر هذا المنتج المرافق.
٨- تأثير التكلفة المشتركة
عندما يتم مشاركة التكلفة مع طرف آخر فعندئذٍ يكون المستهلك أقل حساسية للسعر مقارنة لتحمله التكلفة وحده والعكس صحيح، أي أن درجة حساسية المستهلك للسعر تزيد عندما يتحمل المستهلك عبء التكلفة منفرداً.
٩- تأثير المخزون
عندما لا يستطيع المستهلك القيام بتخزين المنتج لديه فإنه يكون أقل حساسية للسعر، والعكس صحيح فعندما يستطيع المستهلك القيام بتخزين المنتج لديه فإنه يكون أكثر حساسية للسعر.
مما سبق نجد أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر في درجة حساسية المستهلك تجاه سعر المنتج، الأمر الذي يتطلب من إدارة التسويق وتحديداً القسم الخاص بوضع الأسعار، التعامل بجدية معها إضافة إلى ضرورة دراسة إدراك السعر واستجابة المستهلك له، ودراسة العلاقة بين حساسية المستهلك للسعر وسياسة التسعير المتبعة في المنظمة الاقتصادية، لأن السعر موجه في النهاية إلى المستهلك وهو الذي سيقرر فيما إذا كان سيشري السلعة بهذا السعر المعروض أم لا، و الا فإن ذلك من شأنه أن يتسبب بخسارة المنظمة الاقتصادية وفشلها
المبحث الثاني: العلاقة بين الاستهلاك والدخل والنشاط الاقتصادي
المطلب الأول:العلاقة بين الاستهـلاك والدخـل:
يطلق على الانفاق العائلي الجاري على السلع والخدمات تعبير الاستهلاك، أما الجزء الذي لا
يستخدم فيطلق عليه الادخار.
فالادخار: هو الفرق بين الدخل الجاري الممكن التصرف به والجزء المخصص للسلع
الاستهلاكية وقد يكون الإنفاق أكبر من الدخل نفسه وحينئذ نكون أمام ادخار سلبي أي ننفق من المدخرات السابقة أو الممتلكات.
الدخل الممكن التصرف به = الاستهلاك + الادخار
د = س + خ
ولكن مالذي يحدد القدر من الدخل الذي ينفق للاستهلاك؟
لقد أكدت نظرية كينز في الاستهلاك هذا الأمر حين وضحت القانون النفسي الأساسي الذي يقرر
أن الأفراد يميلون كقاعدة وفي المتوسط، إلى زيادة استهلاكهم بزيادة دخلهم، ولكن ليس بنفس مقدار الزيادة في الدخل
أ الميل المتوسط للاستهلاك: هو النسبة بين الإنفاق الاستهلاكي الجاري والدخل الممكن
التصرف به.
الميل المتوسط للاستهلاك = الاستهلاك الجاري من الدخل الممكن التصرف به
ب الميل الحدي للاستهلاك:
هو الجزء من الدخل الإضافي الممكن التصرف به الذي ينفق على الاستهلاك
الميل الحدي للإستهلاك = الاستهلاك الإضافي من الدخل الممكن التصرف به الإضافي
ج المضاعف : هو الآثار المكررة التي تنتج عن الزيادة في الإنفاق بالنسبة للدخل، أو هو المعامل
العددي الذي يشير إلى الزيادة في الدخل القومي التي تتولد عن الزيادة الأصلية في الإنفاق عن طريق ما تزاد له هذه االزيادة الأخيرة من تأثير على الإنفاق القومي على الاستهلاك
كما ويمكن القول : بأن المضاعف هو العدد الذي يتضاعف به الاستثمار الأولي ليحقق زيادة كلية في الدخل .
المطلب الثاني: نظريـات الدخـل والاستهـلاك:
1 نظرية الدخل النسبي لدوسنبيري
تفترض هذه النظرية أن الاستهلاك يتأثر بعوامل نفسية خلال الدخل المادي. لذا فإن الاستهلاك لا
يعتمد على الدخل الحالي فقط وإنما على دخول الآخرين في البيئة نفسها. وكذلك على معدلات ونمط الاستهلاك في الفترات السابقة، بمعنى أن استهلاك الفرد يتوقف على أعلى دخل يحصل عليه في الفترة السابقة.
وتفترض النظرية أنه من السهل زيادة المستهلك لمعدلات استهلاكه عند زيادة دخله، ولكن من الصعب العودة على مستويات الاستهلاك السابقة عند انخفاض دخله. وعليه فإن معدلات الاستهلاك في المدى القصير في تزايد مستمر بسبب التقليد والمحاكاة.
2 نظرية الدخل الدائم لفريدمان
تفترض هذه النظرية كما صاغها فريدمان أن كلا من الدخل والاستهلاك يتكون من دخل دائم وعابر.وحسب ذلك التقسيم فإن العلاقة بين الدخل والاستهلاك هي بين الدخل الدائم والاستهلاك الدائم. حيث أن الاستهلاك لا يتأثر بالمتغيرات المفاجئة في الدخل وهو ما أسماه فريدمان بالدخل العابر أو الانتقالي
وافترض فريدمان أن الاستهلاك الدائم هو نسبة من الدخل الدائم، أي العلاقة بينهما علاقة تناسبية أي بدون ثابت.
3 نظرية دورة الحياة لمودغلياني وآندو
تفترض هذه النظرية أن الاستهلاك يتأثر بعوامل نفسية خلافًا لعامل الدخل، فالمستهلك يتخ ذ
قراراته الاستهلاكية حسب توقعات دخله المستقبلي بحيث يحاول المحافظة على نمط استهلاكي أو مستوى معيشة مستقر خلال سنوات حياته. لذا فإن الميل المتوسط للاستهلاك يكون منخفضًا خلال المراحل الأولى لتكوين سلة ادخار تساعده على التمتع والعيش برخاء حتى آخر مراحل الحياة.
ومن أبرز نتائج نظرية دورة الحياة العلاقة بين الاستهلاك وتغيرات أسعار سوق الأوراق المالية .
فقيمة ما يحتفظ به الأفراد من أوراق مالية إنما هي جزء من ثروﺗﻬم، فمث ً لا عند الرواج فإن ارتفاع أسعار الأوراق المالية يؤدي إلى تعظيم الثروة مما يدفع إلى زيادة الاستهلاك. وهذا ما حدث في الولايات المتحدة في ﻧﻬاية تسعينيات القرن العشرين. حيث أدت فقاعة أسواق المال في الولايات المتحدة والارتفاعات الهائلة في أسعار أسهم شركات الاتصلات والمعلوماتية إلى ارتفاع كبير في حجم الاستهلاك بسبب الشعور بالثروة وتمكن مالكي الأسهم من الاقتراض من المؤسسات المصرفية لتمويل إنفاقهم الاستهلاكي.
المطلب الثالث:دور الاستهـــلاك في النشـاط الاقتصـادي:
الفرع الأول: ماهية النشاط الاقتصادي
النشاط الاقتصادي Economic Activity وهو المجهود الذي يبذله الفرد لأشباع حاجاته أو الحصول على الأموال والخدمات. ويتميز النشاط اقتصادي بصفتين أحدهما اجتماعية والأخرى فردية، وتتمثل الصفة الإجتماعية بالتبعية المتبادلة بين الشخص وأفراد الهيئة الإجتماعية مع بعضهم بصفتهم منتجين. كما تقوم رابطة التبعية بين أفراد الهيئة الإجتماعية بصفتهم مستهلكين. أما الصفة الفردية في النشاط الأقتصادي فمصدرها إن قيمة الفرد كعنصر أقتصادي تعتمد إلى درجة كبيرة على صفاته الشخصية كالذكاء وحب النظام والرغبة في العمل وخدمة المجتمع وغيرها من الصفات والعوامل الخاصة.
يتألف أي اقتصاد حديث من شبكة معقدة من العلاقات المتبادلة والمتشابكة. ومن وجهة النظر الاقتصادية هنالك طرفان لأي علاقة منها: الأول هو القطاع المنزلي household sector والثاني هو قطاع الأعمال business sector، والنشاط الاقتصادي economic activity هو نتاج عملية التفاعل والمبادلة بين هذين القطاعين.
يصف الاقتصادي الأمريكي برادفورد ديلونغ Bradford W. Delong النشاط الاقتصادي بأنه «في أي وقت أنت تعمل فيه لدى شخص آخر ومقابل أجر، يُعد ذلك نشاطاً اقتصادياً، وفي أي وقت عندما يشتري المرء شيئاً ما من متجر، فإن ذلك يُعد نشاطاً اقتصادياً، وفي أي وقت تقوم الدولة بفرض ضريبة عليه وتقوم هي بإنفاق ما حصلت عليه من إيراد ضريبي لبناء جسر على سبيل المثال، فإن ذلك يعدّ نشاطاً اقتصادياً». وعموماً يمكن القول: إنه متى تم تضمين تدفق نقدي في صفقة (مبادلة) transaction، فإن الاقتصاديين يعدّون ذلك نشاطاً اقتصادياً.
يمثل النشاط الاقتصادي عادة في شكل بياني اصطلح على تسميته بالتدفق الدائري circular flow. والتدفق الدائري للنشاط الاقتصادي، الذي يسري شريان النشاط الاقتصادي، يحتوي على وجهي هذا النشاط، هما التدفق الحقيقي actual flow والتدفق النقدي cash flow.
يُمثل التدفق الحقيقي في جانب منه تدفق خدمات الأفراد، كعوامل إنتاج، وهي تتدفق من القطاع العائلي باتجاه قطاع الأعمال، في حين أن جانبه الثاني يمثل تدفق السلع والخدمات، ويكون مساره من قطاع الأعمال نحو القطاع المنزلي (العائلي).
الشكل (1)
يبين الشكل (1) نوعي التدفق المذكورين، حيث يضم التدفق العلوي دفق خدمات عوامل الإنتاج التي يمتلكها الأفراد، بصيغة إقراض أو إيجار، مقابل الحصول على عوائد على النحو الذي يشبع حاجاتهم في الحاضر وفي المستقبل. يقابل ذلك دفق نقدي يتمثل في أجور ورواتب مدفوعة للعمال وللإدارة، وأرباح يحصل عليها المستثمرون الذين يحولون الاستثمارات في الآلات والعُدد ومهمات رأسمالية أخرى إلى سلع وخدمات.
وتمثل هذه الأجور والرواتب وصيغ الدفع الأخرى التي يتسلّمها العمال والمستثمرون دخولاً لهم يستخدمونها لشراء السلع والخدمات. وهكذا فإن أفراد المجتمع الواحد يؤدون دوراً مزدوجاً في عملية الإنتاج، من ناحية كعوامل إنتاج تتسلّم دخلاً من مشروعات الإنتاج. ومن ناحية أخرى كمستهلكين ينفقون دخولهم في شراء السلع والخدمات التي تنتجها المشروعات.
ويقوم قطاع الأعمال بتوظيف ما يحصل عليه من القطاع المنزلي من خدمات عوامل الإنتاج في إنتاج سلع وخدمات. ثم يعرض ما أنتج من هذه السلع والخدمات على القطاع المنزلي ليحصل مقابل ذلك على إيرادات تتمثل بما ينفق القطاع المنزلي على مشترياته من السلع والخدمات وهو التدفق الخارجي الظاهر في الجزء الأسفل من الشكل.
يتفق الاقتصاديون على أن هناك ستة متغيرات أساسية يمكن من خلال متابعتها تكوين فكرة كافية حول مستوى النشاط الاقتصادي لاقتصاد ما. وهي تصوّر حالة الاقتصاد الكلي. وإذا ما أريد معرفة حالة الاقتصاد، وهل هو في وضع جيد أم لا، فإن ذلك يتوجب معرفة المتغيرات الستة الآتية وتحليلها:
ـ الناتج المحلي الحقيقي, نسبة البطالة,نسبة التضخم, معدل الفائدة, مستوى سوق الأسهم, سعر التبادل.
ويعدّ المؤشران الأول والثاني الأكثر أهمية بين جميع المؤشرات الأخرى لأنهما يرتبطان مباشرة بمستوى رفاهية الفرد.
إن جزءاً كبيراً من النشاط الاقتصادي يُفترض أن يُوجّه نحو المستقبل، فالدول عندما تستثمر في بناء مصنع جديد أو تستثمر في البنى التحتية، أو تحسين مستوى التعليم أو الإنفاق في مجال البحث والتطوير، فإنها في ذلك تدفع باتجاه تحفيز الإنتاجية على مستوى الاقتصاد الوطني. وعلى أساس هذه النظرية يمكن احتساب أن تطور مستوى المعيشة standard of living هو نتيجة لاستثمارات سابقة.
سبق التطرق إلى أطراف أي نشاط اقتصادي في اقتصاد السوق ، وظهر أنه يتكون من جانبين هما القطاع المنزلي (أو الأفراد)، وقطاع الأعمال، ولكن في الاقتصادات الحديثة تدخل الدولة لتكون عاملاً مهماً في اتخاذ القرارات، ولها أهمية كبيرة سواء من حيث كونها مهتمة بالنشاط الإنتاجي أم النشاط الاستهلاكي.
ويُصنّف النشاط الاقتصادي في نشاط إنتاجي أو خدمي، أو نشاط في قطاعات التوزيع. وقد يُصنف النشاط الاقتصادي في أكثر مما تقدم لتكون قطاعاته كالآتي:
ـ الزراعة والغابات والصيد, الصناعة الاستراتيجية, الصناعة التحويلية, الإنشاءات, الماء والكهرباء, الخدمات, التوزيع.
أما تصنيف النشاطات الاقتصادية في المنظور الاشتراكي فيقسم وفقاً لمجال الإنتاج المادي، وهو يغطي النشاطات التي تخلق سلعاً مادية أو نشاطاً في العمليات الإنتاجية ومجال النشاطات غير الإنتاجية التي تؤلف مجال الخدمات
الفرع الثاني: دور الاستهلاك في النشاط الاقتصادي
ويمكن النظر إلى الاستهلاك على أنه الهدف أو الغاية الأساسية لكل النشاطات الاقتصادية. ووللاستهلاك دور أساسي في تركيب البنيان الاقتصادي وفي تحريك العجلة الاقتصادية، إذ إن الاستثمارات وفرص العمل هما أمران متعلقان بحجم الطلب الكلي على السلع والخدمات [3].