دمــوع تـائــــــــــــبة...
عقد قراني – وأنا لم أبلغ عتبة الباب - مع طيف بشري ...طيف سلبني زهرة الحياة وأراق عليّ أنهارا من الذل , حتى أمسيت ظله تماما ....
كان نادرا ما يعود للبيت مبكرا..كان قليلا ما يثبت قدميه على الأرض وهو يمشي مترنحا .... كان لسانه لا ينطق إلا ما تعوّد عليه مع رفقاء السوء ومحترفي الرذيلة ... قلما يشرب ماء وأكثر ما يملأ جوفه حراما .. كان... كان... كان..
كان ويا ليته لم يكن , كان ينتفض سخطا وشتما إذا سمع المؤذن يرفع الأذان ..كان ..كان...كان وكنتُ أنا كل إشرقة شمس يوم جديد أتطبّع طباعه....
وجاء الطفل الأول فالثاني فالثالث والحال على ما هو , اتسع عليّ الخرق إتساعا. راح ابنائي يرِدون مورد ما وجدوا أباهم عليه وكذاك شيئ مني , مضى الزمن وراحت سنواته تطحن أعوامه...وشهوره أيامه ...
دحرجتني الأيام, جندلتني الليالي , كنت قد أضحيت كخرقة بالية مهلهلة وسخة نتنة منبوذة مدحورة , بين نفسي ومن عاشرت ,غدوت أتنقل سباحة بين بِرك آسنة مياهها , ومستنقعات متعفنة ... زائغة البصر , آبقة الفكر, قبيحة المنظر, ضيقة الصدر , قدما أقدم ورجلا أؤخر..
كدت أيأس وكنت قد تصورت مقعدي يوم الحشر...ودون سابقة أُرسلت دموعي أنهارا
وكان الله بي أرحم الراحمين أدركتني رحمته .. , سريعا إلى الغسل , توضأت والقبلة لها وجهي وجهت, على ركبتي تراني جاثية , باكية وكفاي إلى أعلى مرفوعة ’ وكان بصري مخترقا سقف الحجرة , وكان البدر قد اكتمل فسطع نوره أرنو إلى الأفق و العَبرات جادت بها عيناي فجرت جريان السيول , ازدادت نبضات قلبي , حشرجة بين شهيق وزفير , وكأن ذاك النور قد ولج ساحة فؤادي فشعرت براحة لم أشعر بها منذ سنين , وكانت من لساني تُنثر عِبارات : رب اغفر.. رب اهدني... رب افرج ما بي.. رب عليك قدمت وأمام باب رحمتك وقفت, وبين يديك تذللت فخذ بيدي وانتشلني مما أنا فيه وقعت...؟