الضوابط الشرعية للغناء والموسيقى ونحو ذلك

من وسائل الترويح القديمة والمعاصرة المتجددة الغناء وسماع الموسيقى ، ويستخدم فى ذلك الوسائل والأدوات العديدة القديمة منها والمعاصرة ، ولقد اختلف الفقهاء بشأنها بين التحريم والإباحة والكراهة ولقد عُقد لذلك العديد من الندوات والمؤتمرات منها على سبيل المثال : ندوة إقرأ الفقهية الإعلامية الأولى بعنوان: التأصيل الفقهى لقضايا الفن، محور أحكام الغناء والموسيقى فى الفقه الإسلامى، جدة، رمضان 1419هـ / ديسمبر 1998م، وخلصت إلى مجموعة من الأحكام والفتاوى الفقهية الهامة والتى سوف نتناولها فى هذا الفصل مع بيان الحكم الشرعى لفرق الأفراح الإسلامية المعاصرة والتى انتشرت وثار حولها العديد من التساؤلات والشبهات.
 بيان للقارئ
ليست الغاية الأٍساسية من هذا البحث تناول الآراء الفقهية المختلفة لقضية الغناء والموسيقى فى الفقه الإسلامى وتناول آراء الفقهاء المختلفة لأن هذا يحتاج إلى مجلدات ولقد تناوله الدكتور القرضاوى وغيره فى مؤلفات ، ولكن غاية الغايات هو عرض ما خلصوا إليه وبيان الضوابط الشرعية حسب الرأى الأرجح الوسط الذى نميل إليه.
 الضوابط الشرعية للغناء المباح .
يرى جمهور الفقهاء أنه يجوز الترويح عن النفس بالغناء الطيب الحسن الذى لا يشتمل كلامه على فُحْش أو فسق أو تحريض على معصية أو يلهي عن فريضة أو عن واجب ولا يصل إلى درجة الإدمان.
ومن الحالات والأوقات التى يجوز فيها مثل هذا الغناء المباح شرعاً ما يلى:
1 ـ الغناء يوم العيد وعند قدوم الغائب فرحة وبهجة بقدومه .
2 ـ الغناء مع الدف وقت النكاح .
3 ـ الغناء وقت العمل مما يساعد على النشاط والحيوية.
4 ـ الغناء وقت الجهاد للحث على الثبات ورباطة الجأش .
5 ـ غناء الأم لولدها وغناء الزوجة لزوجها .
ولقد وضع فقهاء المسلمين الضوابط الشرعية التى إذا لم يتم الالتزام بها يكون الغناء محرماً ، وفى هذا المقام يقول الدكتور يوسف القرضاوى : (( اتفق الفقهاء على تحريم كل غناء يشمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية ، إذ ليس الغناء إلاّ كلاماً ، فحسنه حسن وقبيحه قبيح ، وكل قول يشتمل على حرام فهو حرام ))( ).
ويقول القرضاوى: (( اتفق الفقهاء على إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطرى الخالى من الآلات والإثارة، وذلك فى مواطن السرور المشروعة كالعرس وقدوم الغائب وأيام العيد ونحوها بشرط ألاّ يكون المغنى امرأة فى حضور أجانب عنه)).
 نماذج من الغناء المباح .
هناك نماذج مباحة من الغناء فى حالات الجهاد والأفراح وقدوم حبيب نذكر منها على سبيل المثال ما يلى :
1 ـ غناء المجاهدين عند حفر الخندق .
كان المسلمون من الرعيل الأول يرددون وهم يحفرون الخندق حول المدينة النشيد التالى :
ـ اللهم إن العيش عيش الآخرة  فارحم الأنصار والمهاجرة
وكانوا يقولون كذلك :
ـ والله لولا أنت ما اهتدينا  ولا تصدقنا ولا صلينا
ـ فأنزل سكينة علينا  وثبت الأقدام إن لاقينا

(2) ـ غناء النساء فى الأفراح
يروى عن رسول الله  أنه كان نسوة من الأنصار فى زفاف عروس فأمر السيدة عائشة رضى الله عنها أن ترسل معهن من يردد هذا النشيد :
ـ أتيناكم أتيناكم  فحيونـا نحيكــم
ـ ¬ولولا الذهب الأسمر  ما حلت بواديكـم
ـ ولولا الحبة السمراء  ما سمنت عذاريكم

(3) ـ غناء استقبال الرسول فى المدينة .
لقد استقبل الأنصار رسول الله  يوم دخوله بالنشيد التالى :
ـ طلع البدر علينا  من ثنيـات الـوداع
ـ وجب الشكر علينا  ما دعـــا لله داع
ـ أيها المبعوث فينا  جئت بالأمر المطاع
ـ جئت شرفت المدينة  مرحباً يا خيـر داع
(4) ـ الغناء يوم العيد .
فى حديث السيدة عائشة رضى الله عنها : أن أبا بكر  دخل عليها وعندها جاريتان فى أيام مِنَى "عيد الأضحى " تغنيان وتضربان الدف والنبى  متغش بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف النبى  عن وجهه وقال :  دعهما يا أبا بكر فإنها أيام العيد  ( ) .
ذلك هو موقف الإسلام من الترويح عن النفس بالغناء ، موقف الاعتدال والقصد من غير قضاء عليه ولا مصادرة له ، ولكنه يوجهها إلى الاستقامة ويهذبها ويقف بها عند حد الاعتدال ، فيأخذ الإنسان فى حدود الانضباط بالشرع وأحكامه التى حددت هذا المجال( ).
 قيود وضوابط للغناء لابد من مراعاتها .
لقد أعد فضيلة الدكتور القرضاوى العديد من البحوث الفقهية والمؤلفات حول الغناء والموسيقى فى ضوء الكتاب والسنة ، وناقش أدلة المانعين ، وأدلة المحرمين من القرآن والسنة بشىء من التفصيل وخلص إلى وضع مجموعة من القيود والضوابط الشرعية لمسألة الغناء والموسيقى لابد من مراعاتها حتى يأخذ حكم الحل ، نلخصها فى الآتى:
[1] ـ سلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية ، فليس كل غناء مباحاً ، فلابد أن يكون موضوعه متفقاً مع الإسلام وتعاليمه .
[2] ـ سلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء والإثارة وإيقاظ الغرائز الهاجعة وإغراء القلوب المريضة ، فهو بذلك ينقل المضمون المباح إلى دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة، فقد نهى الله  النساء بعدم الخضوع بالقول كما فى قوله تبارك وتعالى :  فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً [سورة الأحزاب: 32] .
[3] ـ عدم اقتران الغناء بأمر محرم مثل شرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء بلا قيود ولا حدود .
[4] ـ تجنب الإسراف فى السماع ، فالغناء ككل المباحات يجب أن يقيد بعدم الإسراف فيه ، أي عدم مجاوزة الحد المشروع، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:  يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍوَكُلُوا وَاشْرَبُواوَلاَتُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ [سورة الأعراف: 31].
[5] ـ استفتاء القلب ، بمعنى أن يكون كل مستمع إليها فقيه نفسه ومفتيها ، فهو أعرف بها من غيره ، وأدرى باتجاهاتها وخلجاتها من كل فقيه.. كما يجب أن يسد الباب الذى تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه حتى يستريح، وفى مثل هذا الحديث النبوى الشريف: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس أفتوك" .
ويبرر الدكتور القرضاوى رأى المتشددين فى أمر الغناء من الفقهاء المعاصرين لأسباب عديدة منها :
ـ الأخذ بالأحوط لا الأيسر .
ـ كثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة فى إباحة الغناء .
ـ ضغط الواقع الغنائى بما يلامسه من إنحراف وتجاوز مثل غناء المجون والخلاعة وغناء الصوفية الذى قد يكون فى بعضه خروجاً عن العقيدة الصحيحة .
 تعليق .
من واقع الغناء المعاصر يتبين أن غاية الغايات من معظمه هى الإثارة وإيقاظ الغرائز وإغراء القلوب المريضة والصخب والفتنة وإيقاظ وتيسير طريق الفساد، كما أنه وسيلة من وسائل التجارة المربحة، ولذلك فإننى أدعو إلى الأخذ بالعزيمة أكثر من الرخصة، وكان صحابة رسول الله  يتركوا تسعة مسائل من الحلال خشية أن يقعوا فى مسألة من الحرام .
 الضوابط الشرعية لسماع الموسيقى واستخدام المعازف.
لقد اختلف الفقهاء فى جواز سماع الموسيقى للترويح عن النفس والمعازف المرتبطة بها ، فمنهم من حرمها تحريماً قطعياً ، ومنهم من أجازها مدعيا أنها من طيبات الحياة وأن الأصل فى الأشياء الإباحة ولا يوجد نص شرعى بتحريمها ، ومنهم المتردد بين هؤلاء وهؤلاء .
والرأى الأرجح بين هؤلاء وهؤلاء والذى نميل إليه هو عدم جواز سماع الموسيقى الخليعة المثيرة وذلك للأسباب الآتية :
1 ـ سماع الموسيقى الدائم يجعل النفس البشرية فى حالة ارتخاء فتغزى بها نوازع الهوى والإخلاد إلى الراحة، وكراهية التكاليف والمشقات، وهذا خطر من الأصل على وجود الأمة الإسلامية وشعورها بواجبها، واستعدادا للتضحية، وهذه أول عقوبة فطرية تترتب على هذا الانحراف.
2ـ الموسيقى ذروة اللهو ، واللهو ذروة الحياة الدنيا، فاستغراق الإنسان فى الموسيقى والأنغام وإقباله عليها يجعله فى موضوع عمله ينصرف عن الآخرة ومشاعره مخدرة وكل همه الدنيا( ).
3 ـ يستخدم فى الموسيقى الخليعة المثيرة فى معظم الأحيان معازف منهى عنها شرعاً وفقاً لرأى جمهور الفقهاء منها على سبيل المثال: المزامير والأوتار وطبل الكوبة ، وذكر الإمام أبو حامد الغزالى علة ذلك على النحو التالى( ) :
أ ـ أنها تدعو إلى شرب الخمر ، فإن اللذات الحاصلة بها إنما تتم بالخمر .
ب ـ أنها تذكر بمجالس الأنس بالشرب .
جـ ـ الاجتماع عليها من عادة أهل الفسق فيمنع من التشبه بهم .
 خلاص القول :
وخلاص القول أنه يجوز الترويح عن النفس بالغناء الطيب وباستخدام الأساليب المشروعة وفق الضوابط الشرعية التي وضعها الفقهاء ومنها التي لا تحرض على معصية ولا تلهي عن الفرائض والواجبات، ولا تصل إلى درجة الإدمان .

جزاك الله خيرا

جزاكم الله خيرا