موقفان أحدهما مبك والثاني مضحك
الحياة الدنيا مراحل وسلاسل’ مرحلة ترفعك وأخريات تخفضك.. سلسلة تضمك وتشدك إليها بطمأنينة و حنان ’ وسلاسل تقيدك ’ تصفدك فهي للأغلال أقرب منها إلى الحبال التي فتلت من مسد وردئ الوبر..
سبحان خالق الشمس والقمر,.حليم رحيم كريم بعد ثراء افتقر ولئيم وضيع بخيل بعد جوع بركانا إنفجر.... إنها لمراكب النخاسين تشق عباب البحر ’ الراكدة الكاسدة من السلع تظهر والجيدة الرائجة تُحتكر... قس على هذا ما تراه عيناك’ ما تسمعه أذناك ’ وما لا يمكن على بالك يخطر ’ [ ظهر الفساد في البر والبحر...]
موقفان أحدهما مبك والثاني مضحك’ وكليهما عشت وجاورت ’ لا تسألني ما هما وأنت سيد العارفين وزعيم المحترفين وأمهر الخلآّطين وإمام العرّابين .. أنا لا شأن لي بما يدور في مدنكم يا أهل الحضر ’ دعوني أرتاح هنيهة من زمن ثم ساحتكم أغادر ’ ووجهتي أهل المذر حيث أهلي كل منهم إياي ينتظر..
أنتم في خيلاء بريقها يعمي البصر وأنا وأحبائي نعي جيدا أن القدم تدل على السير وأن البعرة تدل على البعير’ إذا ما جعنا لا نأكل وإذا أكلنا فلا نشبع’ وما كان حَبنا وبُرنا إلا من شعير’ وأناأحب أهل الشعير ’ هم نعم الأهل ونعم العشير’ وكان شرابنا لبنا ومن الماء شيئ يسير’ أما لباسنا فمن صنع أيادي حرائرنا من صوف وشعر هما نِعم اللباس لنا في الحر والقر ’ وأنتم تماما غير ما نحن عليه طعامكم وشرابكم جله إن لم أقل كله من وراء البحر وثيابكم حرير من قش مغشوش وعهن منفوش....... بئس العري الذي ارتديتموه
ألآ اخشوشنوا فإن النعومة لا تدوم لأهلها ...؟
أما الموقف المبكي المحزن المخزي والذي حز في قلبي هو أن تركلوا ’ أن تصدوا’ أن تغمزوا ’ أن تحتقروا يتيما مثلي حين عبس في وجهه الزمن ورحل عنه الحامي ساقي الريحان والزعفران ’ رأيتكم تفعلون به هذا ونظراته لا زلت ترقص أمام العين.. رأيته يصرخ بصمت ..رأيته يبكي بهمة... رأيته يتمزق ببطء.. رأيته يتلوى لا من طوى ولكن من سوء معاملة ’ لا لشيئ إلا لكونه اليتيم الكريم ’ الذي أبت نفسه أن تتنفس أنفاسكم القذرة. ويا ليتني لم أره أنا وحاله كمسكين ذا متربة ويتيما ذا مقربة
أما الموقف الثاني المضحك : هو حين رأيتكم تأكلون ربكم و تصنعون خبزا من عجين رفث روث من مزابل خنازير الغرب وأنتم لها عابدون’ بها متعلقون ..
وتناسيتم أو أن شيطانكم قادكم من نواصيكم فأرداكم الحفر وأنتم سامرون
الزم مكانك لا تقاطعني أيها العتل الزنيم ’ أنا هنا ناصح لا بفاضح’ أنا هنا مبشر ومنذر’ أنا هنا لأمير الأسير الذي بعد ثراء افتقر وبعد عز أهين واحتُقر .. ألآ أدلكم على من فعل بي هذا ..؟ إنه ضباب الغرب ومطر البعد عن القرب’ إنه السراب الذي فاض هباء و جفاء أبكاني من غيض وحرمني رؤية العِرض .
الله المستعان.