الملاحظات
طاسيلي الإسلامي :: خاص بالدين و الشريعة الإسلامية على منهج اهل السنة و الجماعة
انواع عرض الموضوع
أدوات الموضوع
2018-09-07, 21:43
#1
محمد 1993
:: عضو مبدع ::
تاريخ التسجيل : Oct 2017
الدولة : الجزائر - ع تموشنت
العمر : 25 - 30
الجنس : ذكر
المشاركات : 586
تقييم المستوى : 7
محمد 1993 غير متواجد حالياً
افتراضي باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
وقول الله تعالى : قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره الآية [الزمر : 38]
عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال : " ما هذه ؟ " قال : من الواهنة ، فقال : " انزعها ، فإنها لا تزيدك إلا وهنا ، فإنك لو مت ، وهي عليك ، ما أفلحت أبدا رواه أحمد بسند لا بأس به وله عن عقبة بن عامر مرفوعا : من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له وفي رواية : من تعلق تميمة فقد أشرك ولابن أبي حاتم عن حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون .
فيه مسائل :

الأولى : التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك .
- ص 89 - الثانية : أن الصحابي لو مات وهي عليه ؛ ما أفلح . فيه شاهد لكلام الصحابة : أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر .
الثالثة : أنه لم يعذر بالجهالة .
الرابعة : أنها لا تنفع في العاجلة ؛ بل وتضر لقوله لا تزيدك إلا وهنا .
الخامسة الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك .
السادسة : التصريح بأن من تعلق شيئا وكل إليه .
السابعة : التصريح بأن من تعلق تميمة فقد أشرك .
الثامنة : أن تعليق الخيط من الحمى من ذلك .
التاسعة : تلاوة حذيفة الآية دليل على أن الصحابة يستدلون بالآيات التي في الشرك الأكبر على الأصغر ، كما ذكر ابن عباس في آية البقرة .
العاشرة : أن تعليق الودع عن العين من ذلك .
الحادية عشرة : الدعاء على من تعلق تميمة أن الله لا يتم له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ؛ أي : ترك الله له .
الشرح :

هذا باب شرع به الشيخ - رحمه الله - في تفصيل ما سبق ، وهو بيان التوحيد ببيان ضده . ومن المعلوم أن الشيء يعرف ويتميز بشيئين : بحقيقته ، وبمعرفة ضده .
والتوحيد يتميز بمعرفته في نفسه أي : بمعرفة معناه وأفراده ، وبمعرفة ضده أيضا وقد قال الشاعر :
. . . . . . . . . . . . . . . .

وبضدها تتميز الأشياء


- ص 90 - وهذا صحيح : فإن التوحيد يعرف حسنه بمعرفة قبح الشرك . وقد بدأ الإمام - رحمه الله - في ذكر ما هو مضاد للتوحيد .
وما يضاد التوحيد منه : ما يضاد أصله ، وهو الشرك الأكبر الذي إذا أتى به المكلف فإنه ينقض توحيده ، ويكون مشركا شركا أكبر مخرجا من الملة ، فمثل هذا يقال فيه : أنه قد أتى بما ينافي التوحيد ، أو ينافي أصل التوحيد .
والثاني : ما ينافي كمال التوحيد الواجب ، وهو : ما كان حاصلا من جهة الشرك الأصغر ، فإنه ينافي كماله الواجب ، فإذا أتى بشيء منه ، فقد نافى بذلك كمال التوحيد ؛ لأن كمال التوحيد إنما يكون بالتخلص من أنواع الشرك جميعا ، وكذلك الرياء فإنه من أفراد الشرك الأصغر أعني : يسير الرياء ، وهو ينافي كمال التوحيد . ومنها أشياء يقول العلماء عنها : إنها نوع شرك ، فيعبرون عن بعض المسائل من الشركيات بأنها نوع شرك أو نوع تشريك فصارت ألفاظهم - عندنا - في هذا الباب أربعة :
الأول : الشرك الأكبر .
الثاني : الشرك الأصغر .
الثالث : الشرك الخفي .
الرابع : قولهم في بعض المسائل : فيها نوع شرك ، أو نوع تشريك ، وذلك مثل ما سيأتي في قوله - جل وعلا - : يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها [النحل : 83] ، وفي نحو قوله أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون [الأعراف : 191] وهذا يدخل في باب الطاعة ، كما سيأتي بيانه مفصلا - إن شاء الله - .
- ص 91 - ابتدأ الشيخ - رحمه الله - في هذا الباب : بتفصيل وبيان صور من الشرك الأصغر ، التي يكثر وقوعها ، وقدم الأصغر على الأكبر : انتقالا من الأدنى إلى الأعلى ؛ لأن الشبهة في الأدنى ضعيفة بخلاف الشبهة في الأعلى ، فإنها أقوى ، لأن شبهة المتعلق بالخيط ، وبالتمائم أضعف من شبهة المتعلق بالأولياء والصالحين ، فإذا علم المتعلق بالخيط ، والتمائم ، ونحوها خطأه وبطلان تعلقه ، سهل - بعد ذلك - إقناعه ببطلان التعلق بغير الله من الأولياء والصالحين ، وبأنه أقبح من الأول - كما هو الحال في الشرك الأكبر - ، أما إذا جاء إلى من هو متلبس بالشرك الأكبر ، كالذي يتعلق بالأولياء ، ويدعوهم ، ويسألهم ، ويذبح لهم ، فلا يحسن فيمن هذه حاله أن ينتقل في إقناعه ببطلان ما هو عليه من الأعلى إلى الأدنى ؛ لقوة الشبهة عنده تجاه من أشرك بهم ، وهي - بزعمه - أن أولئك لهم مقامات عند الله - جل وعلا - فهذه حقيقة حال الذين يتوجهون إلى أولئك المدعوين ، ويشركون بهم الشرك الأكبر المخرج من الملة - والعياذ بالله - فإنهم يقولون : إنما أردنا الوسيلة ، وهؤلاء الذين ندعوهم لهم مقامات عند الله ، وإنما أردنا الوسيلة . فحال هؤلاء كحال المشركين الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذين قال الله - جل وعلا - فيهم : والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [ الزمر : 3 ] والمقصود : أن الشيخ - رحمه الله - بدأ أولا بتفصيل الشرك الأصغر انتقالا من الأدنى إلى الأعلى حتى يكون ذلك أقوى في الحجة ، وأمكن في النفوس ، من جهة : ضرورة التعلق بالله ، وإبطال التعلق بغيره .
- ص 92 - قوله - رحمه الله - : (باب من الشرك) : (من) هنا تبعيضية ؛ يعني : أن هذه الصورة التي في الباب هي بعض الشرك ، لكن هل هي بعض أفراده أو بعض أنواعه ؟ الجواب : أنها شاملة للأمرين ؛ لأن ما ذكر - وهو لبس الحلقة أو الخيط - هو أحد أنواع الشرك ، وهو : الشرك الأصغر ، وهو أيضا أحد أفراد الشرك بعمومه ؛ لأنها صورة من صور الإشراك .
قوله : ( باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما ) : المقصود بقوله : (ونحوهما) ما يكون نحو الحلقة والخيط مثل : الخرز ، والتمائم ، والحديد ، ونحو ذلك مما قد يلبس ، ومثله أيضا ما يعلق في البيوت ، أو في السيارات ، أو يعلق على الصغار ، ونحو ذلك ، مما فيه لبس ، أو تعليق ، فكل ذلك يدخل في هذا الباب ، وأنه من الشرك .
والحلقة : إما أن تكون من صفر يعني : من نحاس ، وإما أن تكون من حديد ، أو تكون من أي معدن . والخيط : معروف ، والمراد عقده في اليد على وجه الاعتقاد ، وليس المراد خيطا بعينه .
وكان للعرب اعتقاد في الحلقة والخيط ، ونحوهما : كالتمائم ، وغيرها ، إذ كانوا يعتقدون أن من تعلق شيئا من ذلك : أثر فيه ونفع ، إما من جهة دفع البلاء قبل وقوعه ، وإما من جهة رفع البلاء أو المرض بعد وقوعه ؛ ولهذا قال الشيخ - رحمه الله - : (لرفع البلاء أو دفعه) ؛ لأن الحالتين موجودتان ، فمنهم من يعلق الحلق ، والخيوط ، ونحوهما قبل وقوع البلاء لدفعه ، ولا شك أن هذا أعظم إثما وذنبا من الذي يعلق هذه الأشياء لرفع البلاء بعد حصوله ؛ لأنه يعتقد أن هذه الأشياء الخسيسة الوضعية تدفع قدر الله - جل وعلا - ، - ص 93 - فالصنف الأول ، هم من ذكرنا ، والصنف الثاني : هم الذين يلبسون تلك الأشياء ، ويعلقونها لرفع البلاء بعد حصوله ، كمن مرض فلبس خيطا ، ليرفع ذلك المرض ، أو أصابته عين فلبس الخيط ليرفع تلك العين ، وهكذا : في أصناف شتى ، من أحوال الناس في ذلك .
ثم لم كان لبس الحلقة أو الخيط من الشرك الأصغر ؟ الجواب : لأنه تعلق قلبه بها ، وجعلها سببا لرفع البلاء ، أو سببا لدفعه ، والقاعدة في هذا الباب : أن إثبات الأسباب المؤثرة وكون الشيء سببا : لا يجوز إلا من جهة الشرع فلا يجوز إثبات سبب إلا أن يكون سببا شرعيا ، أو أن يكون سببا قد ثبت بالتجربة الواقعة أنه يؤثر أثرا ظاهرا لا خفيا فمن لبس حلقة أو خيطا أو نحوهما لرفع البلاء أو دفعه فإنه يكون بذلك قد اتخذ سببا ليس مأذونا به شرعا ، وكذلك من جهة التجربة : لا يحصل له ذلك على وجه الظهور وإنما هو مجرد اعتقاد من الملابس لذلك الشيء فيه ، فقد يوافق القدر ، فيشفى من حين لبس أو بعد لبسه ، أو يدفع عنه أشياء يعتقد أنها ستأتيه فيبقى قلبه معلقا بذلك الملبوس ، ويظن بل يعتقد أنه سبب من الأسباب ، وهذا باطل .
أما وجه كون لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه شركا أصغر : فإن من لبسها فقد تعلق قلبه بها ، وجعلها تدفع وتنفع ، أو جعلها تؤثر في رفع الضرر عنه ، أو في جلب المنافع له . وهذا إنما يستقل به الله - جل وعلا - وحده ؛ إذ هو وحده النافع الضار ، وهو - سبحانه وتعالى - الذي يفيض بالرحمة ، ويفيض بالخير أو يمسك ذلك . وأما الأسباب التي تكون سببا لمسبباتها فهذه لا بد أن يكون مأذونا بها في الشرع ؛ ولهذا يعبر بعض العلماء - ص 94 - عما ذكرت بقوله : من أثبت سببا - يعني : ادعى أنه يحدث المسبب ، أو يحدث النتيجة - لم يجعله الله سببا ، لا شرعا ، ولا قدرا : فقد أشرك ، يعني الشرك الأصغر .
هذه القاعدة صحيحة - في الجملة - لكن قد يشكل دخول بعض الأمثلة فيها ، لكن المقصود من هذا الباب : إثبات أن الأسباب لا بد أن تكون إما من جهة الشرع ، وإما من جهة التجربة الظاهرة ، مثل : دواء الطبيب بالنار ، ومثل : الانتفاع ببعض الأسباب التي فيها الانتفاع ظاهر ، كأن تتدفأ بالنار أو تتبرد بالماء أو نحو ذلك ، فهذه أسباب ظاهرة بينة الأثر ، فتحصل من هذا : أن تعلق القلب بشيء لرفع البلاء ، أو دفعه لم يجعله الشارع سببا ، ولم يأذن به ، يكون نوع شرك ، وهذا مراد الشيخ بهذا الباب ؛ فإن لبس الخيط والحلقة من الشرك الأصغر .
وهنا تنبيه : وهو أن كل أصناف الشرك الأصغر قد تكون شركا أكبر بحسب حال من فعلها : فالأصل : أن لبس الحلقة أو الخيط . وتعليق التمائم ، والحلف بغير الله ، وقول : ما شاء الله وشئت ، ونحو ذلك من الأعمال ، أو الاعتقادات ، أو الأقوال الأصل فيها : أنها من الشرك الأصغر ، لكن قد تكون شركا أكبر بحسب حال صاحبها ، يعني : إن اعتقد في الحلقة والخيط مثلا أنها تؤثر بنفسها : فهذا شرك أكبر ، وإذا اعتقد أنها ليست سببا لكن تؤثر بنفسها وتدفع الضرر بنفسها ، فتدفع المرض بنفسها ، وتدفع العين بنفسها ، أو ترفع المرض بنفسها ، أو ترفع العين بنفسها . فإذا اعتقد أنها ليست أسبابا بل هي مؤثرة بنفسها : فقد وقع في الشرك الأكبر ؛ لأنه جعل التصرف في - ص 95 - هذا الكون لأشياء مع الله - جل وعلا - ، ومعلوم أن هذا من أفراد الربوبية ، فيكون ذلك شركا في الربوبية فعماد هذا الباب على تعلق القلب بهذه الأشياء : كالحلقة ، والخيط ، ونحوهما ؛ لدفع ما يسوؤه ، أو لرفع ما حل به من مصائب .
ثم ساق الشيخ - رحمه الله - بعد ذلك قول الله - جل وعلا - : قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره [ الزمر : 38 ] . قوله - جل وعلا - في هذه الآية من سورة الزمر : قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله قال بعض أهل العلم : إن (الفاء) إذا جاءت بعد همزة الاستفهام ، فإنها تكون عاطفة على جملة محذوفة يدل عليها السياق ، وهذه الآية أولها ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم يعني : قل : أتقرون بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده ، ومع ذلك تدعون غيره ؛ وتتوجهون لغيره ؟! أتقرون بذلك ، وتفعلون هذه الأشياء؟ أو يكون التقدير : أتقرون بأن الله هو الواحد في ربوبيته ، وأنه هو الذي خلق السماوات والأرض وحده؟؟ إذا أقررتم هذه الأشياء التي تتوجهون لها من دون الله ، هل هي قادرة على دفع المضار عنكم؟ أو هل تجلب لكم رحمة من دون الله ؟؟!! فعلى هذا : تكون (الفاء) هنا ترتيبية ؛ رتبت ما بعدها على ما قبلها ، وهذا هو المقصود هنا من هذا الاحتجاج ؛ لأن - ص 96 - طريقة القرآن أنه يحتج على المشركين بما أقروا به من توحيد الربوبية على ما أنكروه من توحيد الإلهية ، وهم أقروا بالربوبية ، فرتب على إقرارهم بهذا : أنه يلزمهم أن يبطلوا عبادة غير الله - جل وعلا - ومعنى قوله : تدعون أي : تعبدون ، وقد تكون العبادة بدعاء المسألة ، وقد تكون بأنواع العبادة الأخرى ، وقوله : تدعون يشمل دعاء المسألة ، ودعاء العبادة ؛ لأنهما حالتان من أحوال أهل الإشراك بالله .
و(ما) في قوله : ما تدعون عامة ؛ لأنها اسم موصول بمعنى الذي ؛ أي : أفرأيتم الذي تدعونه من دون الله . والذي يدعونه من دون الله - الذي شملته هذه الآية - أنواع ، كل ما دعي من دون الله مما جاء بيانه في القرآن ، وقد جاء في القرآن بيان الأصناف التي أشرك بها من دون الله - جل وعلا - وتوجه لها بالعبادة ، وهي أنواع :
الأول : بعض الأنبياء والرسل والصالحين ، كما قال - جل وعلا - في آخر سورة المائدة : وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك [ المائدة : 116 ] الآيات ، فهذا فيه بيان هذا النوع من المعبودين .
الثاني : الملائكة ، كما جاء بيان ذلك في آخر سورة سبأ في قوله تعالى : ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون [ سبأ : 40 - 41 ] . - ص 97 - ونوع آخر من المشركين : يتوجهون للكواكب بالعبادة ، مثل من يعبد الشمس والقمر ، وغيرهما من الكواكب .
ونوع آخر كانوا يتوجهون للأشجار ، والأحجار .
ونوع كانوا يتوجهون للأصنام والأوثان ، فقوله : أفرأيتم ما تدعون من دون الله يدخل فيه كل من توجه إليه بشيء من أنواع العبادة ، وذلك يفيدنا في معرفة وجه الاستدلال من هذه الآية ، كما سيأتي .
قوله : إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته فيه إبطال أن يكون لتلك الآلهة - بأنواعها - إضرار أو نفع ، ومعنى قوله : إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أي : لا يستطيعون ذلك ، كما أنه إن أرادني الله - جل وعلا - برحمة ، فهل تستطيع هذه الآلهة أن تدفع رحمة الله ؟! الجواب : أنها لا تستطيع أيضا . فبطل إذا أن يكون ثم تعلق بتلك الآلهة العظيمة التي يظن أن لها مقامات عند الله - جل وعلا - موجبة لشفاعتها .
إذا تبين ذلك فقد قال بعض أهل العلم : إن هذه الآية واردة في الشرك الأكبر ، فلم جعلها الشيخ - رحمه الله - في سرد بيان أصناف من الشرك الأصغر؟؟ والجواب عن ذلك من وجهين :
الوجه الأول : أن الآيات الواردة في الشرك الأكبر ، دلت من جهة المعنى على وجوب التعلق بالله ، وبطلان التعلق بغيره ، وهذا المعنى متحقق في - ص 98 - الشرك الأصغر - أيضا - ، ولذا فإن من السلف من نزل الآيات الواردة في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر بجامع أن في كلا الشركين تعلقا بغير الله - جل وعلا - فإذا بطل التعلق في الأعظم بطل التعلق فيما هو دونه من باب أولى .
الوجه الثاني : أن هذه الآية واردة في الشرك الأكبر ، ولكن المعنى الذي دارت عليه هو تقرير أن كل من يدعى من دون الله لا يستطيع من الأمر شيئا ، فلا يقدر أن يرفع ضرا ولا بلاء ، ولا أن يمنع رحمة وفضلا عمن أراده الله بذلك وهذا المعنى الذي هو التعلق بما يعتقد أنه يضر أو ينفع هو المعنى الذي من أجله تعلق المشرك -الشرك الأصغر- بالحلقة وبالخيط ؛ لأنه ما علق الخيط ، ولا علق الحلقة ، وغيرهما إلا لأنه يعتقد أن لهما تأثيرا من جهة رفع البلاء أو دفع الضر ، وأنهما يجلبان النفع أو يدفعان الضر ، مع أن هذه الأشياء مهينة وأمور وضيعة ، فإذا نفي عن الأشياء العظيمة : كالأنبياء ، والمرسلين ، والملائكة ، والصالحين ، أو الأوثان التي لها روحانيات كما يقولون فإن انتفاء النفع والضر عما سواها - مما هو أدنى - لا شك أنه أظهر في البرهان ، وأبين .
وقوله : بضر الوارد في سياق قوله تعالى : إن أرادني الله بضر نكرة في سياق الشرط ، فهو يعم جميع أنواع الضرر ، يعني : أن غير الله - جل وعلا - لا يستطيع أن يرفع ضرا - أي ضر - أنزله الله - جل وعلا - إلا بإذنه سبحانه .
ثم ساق - رحمه الله - في الباب عدة أحاديث ؛ فقال : عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقه من صفر ، فقال : - ص 99 - " ما هذه ؟ " قال : من الواهنة ، فقال : انزعها ، فإنها لا تزيدك إلا وهنا ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا .
مناسبة الحديث للباب ظاهرة ، وهي : أنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلا في يده حلقة من صفر وكان أهل الجاهلية يعلقونها رجاء النفع أو دفع الضر فقال عليه الصلاة والسلام : " ما هذه؟ " ، فإن قيل : فما نوع الاستفهام في هذا الحديث ؟ الجواب أن من أهل العلم من قال : إنه استفهام إنكار . ولكن المسؤول لم يفهم أنه إنكار ، بل فهم أنه استفصال ، فلذلك أجاب ؛ فقال : من الواهنة .
وقال آخرون من أهل العلم : إنه يحتمل أن يكون استفهام استفصال ، أو استفهام إنكار ؛ ولهذا أجاب المسؤول بقوله : من الواهنة . والأظهر : الأول ، يعني : أنه يفيد الإنكار الشديد ، وإنما كان هو الأظهر من حيث دلالة السياق عليه ؛ وليس في السياق ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد بسؤاله الاستفصال عن السبب الذي من أجله لبس الرجل حلقه الصفر ، كأن يكون قد لبسها للتحلي ، أو لأي أمر آخر .
والمقصود أن الاستفهام في قوله : ما هذه؟ لا يحتمل أن يكون استفصالا عن وجه اللبس ، هل هو : للاعتقاد ، أو يكون قد لبس لغير ذلك ، بل هو استفهام للإنكار . وإذا احتمل أن يكون الاستفهام للاستفصال ، فإن في قول المسؤول : من الواهنة ما يعين سبب اللبس ، فعلى كلا القولين : يكون قد لبسها لأجل تعلقه بها ، لرفع المرض ، أو لدفعه . والواهنة : نوع مرض من الأمراض يهن الجسم ، ويطرحه ، ويضعف قواه .
- ص 100 - وقوله عليه الصلاة والسلام : انزعها : هذا أمر ، وفيه : أن تغيير المنكر يكون باللسان ، إذا كان المأمور يطيع الآمر ؛ ويكتفى بذلك عن تغييره باليد ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام له حق الولاية ، وبإمكانه تغيير هذا المنكر بيده ، لكن لما علم من حال ذلك المأمور أنه يمتثل الأمر قال له : انزعها . فلا تعارض بين هذا وبين ما سيأتي من أن حذيفة رضي الله عنه قطع خيطا من يد رجل ؛ فإن ذلك مبني على حال أخرى .
قوله : فإنها لا تزيدك إلا وهنا : يعني : أن ضررها أقرب من نفعها ، وهذا شامل لجميع أنواع الشرك ، فإن ما أشرك به ضرره أعظم من نفعه ، لو فرض أن فيه نفعا ، وقد قال العلماء في قوله هنا : " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا يعني : لو كان فيها أثر فإن أثرها الإضرار بدنيا ، وروحيا ، ونفسيا ؛ لأنها تضعف الروح والنفس عن مقابلة الوهن والمرض ، فيكون تعلقه بذلك الحلقة أو الخيط سببا في حصول الضعف .
قوله : فإنها لا تزيدك إلا وهنا : وهذا حال كل من أشرك فإن شركه يجره من ضرر إلى ضرر أكثر منه ، وإن ظن أنه في انتفاع .
قوله صلى الله عليه وسلم : فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا : لأن حال المعلق يختلف ، فقد يكون علقها لاعتقاده أنها تؤثر استقلالا ، وقد يكون علقها من جهة التسبب ، فإذا كان الذي رئيت في يده صحابيا ، تعين أن تعليقه لها من جهة التسبب ، لا من جهة اعتقاده تأثيرها استقلالا ، ولكن الفائدة من قوله : ما أفلحت أبدا حصول العبرة له ، ولغيره ، وبيان عاقبة ذلك .
والفلاح المنفي - في هذا الحديث - يختلف معناه ، باختلاف حال المعلق ؛ فيكون المراد : إما نفي الفلاح المطلق ، بمعنى : الحرمان من دخول الجنة ، - ص 101 - والخلود في النار . وهذا في حق من اعتقد أن تعليق الحلقة أو الخيط ينفع استقلالا ، فهذا : شرك أكبر ، وإما نفي مطلق الفلاح ، أو نفي نوع منه ، أو درجة من درجاته ، فيكون واقعا في الشرك الأصغر ، وهذا : إن اعتقد أن تعليق الحلقة أو الخيط سبب لحصول النفع ، فهذا : قد اتخذ من الأسباب ما لم يجعله الله - عز وجل - سببا ، لا شرعا ، ولا قدرا ، ومطلق الشيء ، والشيء المطلق : مصطلحان يكثر وردوهما في كتب أهل العلم ، وفي كتاب التوحيد خاصة ، فتجدهم يقولون - مثلا - : التوحيد المطلق ومطلق التوحيد ، والإسلام المطلق ومطلق اللإسلام والإيمان المطلق ومطلق الإيمان ، والشرك المطلق ومطلق الشرك ، والفلاح المطلق ومطلق الفلاح ، والدخول المطلق ومطلق الدخول ، والتحريم المطلق - يعني تحريم دخول الجنة أو تحريم دخول النار - ومطلق التحريم .
ومن المهم أن تعلم أن الشيء المطلق هو : الكامل ، فالإيمان المطلق هو الإيمان الكامل ، والإسلام المطلق هو الإسلام الكامل ، والتوحيد المطلق هو التوحيد الكامل ، والفلاح المطلق هو الفلاح الكامل .
وأما مطلق الشيء فهو : أقل درجاته ، أو درجة من درجاته ، فمطلق الإيمان هو أقل درجاته ؛ فنقول مثلا : هذا ينافي الإيمان المطلق ، يعني : ينافي الإيمان ، أو نقول : هذا ينافي مطلق الإيمان ، يعني ينافي أقل درجات الإيمان .
وإذا تقرر هذا : فإنا نقول : الفلاح المنفي يحتمل أن يكون : الفلاح المطلق ، وقد تقدم أن هذا يعتبر بحسب حال المعلق ، فإن كان معتقدا فيها ، أنها تنفع استقلالا فهو من أهل النار ، وإن كان يعتقد أنها سبب ، فهو من أهل النار ، لكنه لا يخلد فيها ، كعصاة الموحدين .
- ص 102 - قال - رحمه الله - : ( وله عن عقبة بن عامر مرفوعا : من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ) المقصود من هذا الحديث ذكر لفظ (التعلق) . وتعلق يعني : أنه علق وتعلق قلبه بما علق ، ولفظ (تعلق) يشمل التعليق ، وتعلق قلبه بما علق ، فهو نوع لبس . والمعنى : أنه تعلق قلبه بما لبس ، سواء كان المعلق في صدره ، أو يده ، أو في أي موضع آخر ، فالمقصود : أن يكون قلبه معلقا بما تعلقه .
والتميمة لها معنى سيأتي شرحه لاحقا - إن شاء الله تعالى - لكن هي : نوع خرزات ، وأشياء توضع على صدور الصغار غالبا ، وقد يضعها الكبار ؛ لأجل دفع العين ، أو دفع الضرر ، أو الحسد ، أو أثر الشياطين ، ونحو ذلك . وقوله : فلا أتم الله له : دعاء منه صلى الله عليه وسلم على معلقها بألا يتم الله له مراده ؛ لأن التميمة أخذت من تمام الأمر ، وسميت تميمة لاعتقاده فيها أنه بها يتم له الأمر الذي أراد فدعا عليه الرسول عليه الصلاة والسلام بأن لا يتم الله - جل وعلا - له ما أراد .
قوله : ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له : الودعة : نوع من الصدف ، أو الخرز يوضع على صدور الناس ، أو يعلق على العضد ، ونحو ذلك ؛ لأجل دفع أو رفع العين ونحوها من الآفات .
ومعنى قوله : فلا ودع الله له دعاء عليه أيضا ومعناه : فلا تركه ذلك ، ولا جعله في دعة ، وسكون وراحة ، وإنما دعا عليه الصلاة والسلام عليه بذلك ، لأن ذاك المعلق أشرك بالله - جل وعلا - .
- ص 103 - قال : وفي رواية : من تعلق تميمة فقد أشرك لأن تعليق التمائم والتعلق بها شرك أصغر ، وقد يكون أكبر بحسب حال المعلق ، كما سيأتي تفصيل الكلام عليه إن شاء الله تعالى .
قال : " ولابن أبي حاتم عن حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ يوسف : 106 ] مناسبة هذا الأثر للباب ظاهرة ، وهي أن حذيفة الصحابي رضي الله عنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه ، واستدل بالآية على أن ذلك من الشرك . و(من) هنا تعليلية ، يعني : أنه علق الخيط لأجل رفع الحمى ، أو لرفعها .
و(من) لها معان كثيرة ، فتكون تبعيضية وتعليلية ، وغير ذلك ، وقد جمعها ابن أم قاسم في نظمه لبعض حروف المعاني بقوله :
أتتنـــا (مـــن) لتبييـــن وبعـــ وتعليـــــل وبـــــدء وانتهــــــ
وزائـــــدة وإبـــــدال وفصــــــ ومعنى على وعن وفي وبـ


فـ (من) في هذا الأثر : تفيد التعليل ، ومعنى قوله : من الحمى أي لأجل دفع الحمى ، أو لرفعها ، فـ (من) تعليل لوضع الخيط في اليد .
قوله : . . فقطعه : يدل على أن هذا منكر عظيم ، يجب إنكاره ، ويجب قطعه .
- ص 104 - قوله : . وتلا قوله تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ يوسف : 106 ] : قال السلف في معنى هذه الآية وما يؤمن أكثرهم بالله أي : أنهم مع إقرارهم بأن الله هو الرب ، وهو الرزاق ، وهو المحيي ، وهو المميت ، وتوحيدهم إياه في الربوبية إلا وهم مشركون به - جل وعلا - في العبادة . فليس توحيد الربوبية بمنج ، بل لا بد من أن يضم إليه توحيد العبادة ومع أن هذه الآية واردة في الشرك الأكبر إلا أنه يصح الاستدلال به على الشرك الأصغر ، وإلى هذا أشار المصنف - رحمه الله - بقوله : فيه أن الصحابة يستدلون بما نزل في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر .

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
باب الخوف من الشرك محمد 1993 طاسيلي الإسلامي 13 2022-12-20 10:49

الساعة معتمدة بتوقيت الجزائر . الساعة الآن : 00:03
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي شبكة طاسيلي ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)