الحاجة للدّعاء:
لا يستطيع الإنسان مهما بلغت درجة علمه وصحّته وغناه الماديّ أن يستغني عن النّاس ممّن حوله، ولكن حاجة الإنسان إلى الله -تعالى- أكبر وأهمّ من حاجته للنّاس، فالإنسان يحتاج الله -تعالى- في جميع أموره، ولذلك شرع الله -تعالى- للإنسان الدّعاء واللجوء إلى الله -تعالى- ليبثّ له حاجاته ودعواته دون أيّ مانع أو حاجز، حيث قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)،[١] وأوضح النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأصحابه -رضي الله عنهم- أهميّة الدّعاء ومنزلته عند الله تعالى، فقال: (الدّعاءُ هو العبادةُ).[٢]
الدّعوة المستجابة :
لا بدّ للمسّلم أن يتحرّى الأوقات التي يُستجاب فيها الدّعاء، وأن يتحلّى بالآداب التي تُعين على قبول الدّعاء واستجابته، وفيما يأتي بيان ذلك:[٣] أوقات استجابة الدعاء حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على الإكثار من الدّعاء في أوقات معيّنة دلّت عليها نصوص السّنة النبويّة؛ منها: الدّعاء يوم عرفة؛ حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (خيرُ الدُّعاءِ يومُ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أنا والنَّبيون من قبلي: لا إله إلّا اللهُ وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، و هو على كلِّ شيءٍ قديرٌ).[٤] الدّعاء في شهر رمضان المبارك؛ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ للصائمِ عندَ فِطرِه لَدعوةً ما تُرَدُّ؛ قال: سمِعتُ عبدَ اللهِ يقولُ عندَ فِطرِه: اللهمّ إني أسألُكَ برحمتِكَ التي وسِعَتْ كلَّ شيءٍ أن تغفِرَ لي).[٥]
الدّعاء في آخر ساعة من يوم الجمعة؛ قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (فِي الجمعةِ ساعةٌ، لا يُوافِقُها مسلمٌ قائمٌ يُصلِّي، يَسأَلُ اللهَ خيراً إلّا أعطاهُ)،[٦] واختلف العلماء في السّاعة التي يُجاب فيها الدّعاء؛ فقيل: إنّها من إقامة صلاة الجمعة حتى نهاية الصّلاة، وقيل: إنّها من بداية خطبة الجمعة حتى نهاية الصّلاة، وقيل: إنّها آخر ساعة؛ قُبيل المغرب وهو الرأي الذي رجّحه أهل العلم. الدّعاء بعد الصّلوات المكتوبة وفي جوف الليل؛ حيث ورد عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (أيُّ الدُّعاءِ أسمَعُ؟ قال: جوفُ اللَّيلِ الأخيرِ ودُبُرِ الصَّلواتِ المكتوباتِ).[٧] الدّعاء في السّجود، فقد أوصى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك فقال: (أقرَبُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجِدٌ؛ فأكثِروا الدُّعاء).[٨] الدّعاء عند نزول المطر. الدّعاء بين الأذان والإقامة. الدّعاء عند الاستيقاظ في الليل.
آداب الدّعاء :
لا بدّ من المسّلم الاجتهاد في التحلّي بآداب الدّعاء حتى يُجاب دعاءه من الله تعالى؛ وفيما يأتي بيان بعض الآداب المتعلّقة بالدّعاء:
[٣] استقبال القبلة؛ فيُستحبّ للمسّلم المتوجّه إلى الله -تعالى- بالدّعاء أن يستقبل القبلة. رفع اليدين أثناء الدّعاء؛ حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ حييٌّ كريمٌ يستحيي إذا رفع الرَّجلُ إليه يدَيْه أن يرُدَّهما صِفْراً خائبتَيْن)،[٩] فدلّ الحديث السّابق أنّه يسّتحب للمسّلم رفع يديه عند دعاء الله تعالى. بدء الدّعاء بتعظيم الله -تعالى- وحمده، والصّلاة على الرّسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم. المبادرة بالتّوبة والاستغفار قبل الدّعاء؛ فذلك أرجى بأن يُستجاب الدّعاء. خفض الصوت بالدّعاء والتأدّب مع الله -تعالى- عند سؤاله. الجزم بالدّعاء والمسألة واليقين بالإجابة؛ قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يقولَنَّ أحدُكُم: اللَّهمَّ اغفِر لي إن شِئتَ، اللَّهمَّ ارحمني إن شِئتَ، ليعزِمِ المسأَلةَ، فإنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ).[١٠] الدّعاء لجميع المسلمين. الإلحاح في الدّعاء وعدم استعجال الاستجابة.
موانع استجابة الدعاء:
يرتكب المسّلم بعض الأعمال التي قد تكون مانعاً من إجابة الدّعاء، منها:[١١] غفلة القلب أثناء الدّعاء وعدم حضوره وعدم الخشوع بالدّعاء. كثرة الذّنوب والمعاصي التي تحجب استجابة الدّعاء. الرزق والكسب الحرام، حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفرَ، أشعثَ أغبَرَ، يمدُّ يدَيه إلى السماءِ، يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشربُه حرامٌ، وملبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام؛ فأَنَّى يُستجابُ لذلك).[١٢]
استجاب الله -تعالى- دعاء أنبيائه -عليهم السّلام- ودعاء عباده المؤمنين، وفيما يأتي بيان بعض الأحداث التي استجاب الله -تعالى- فيها الدّعاء:[١٣][١٤] استجاب الله -تعالى- دعاء إبليس عندما طلب من الله -تعالى- أن يمهله إلى يوم القيامة فاستجاب دعاءه، حيث قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).[١٥] استجاب الله -تعالى- دعاء أبي جهل يوم بدر حين سأل الله -تعالى- أن ينصر الفئة التي يحبّها الله -تعالى- ويرضى عنها، وأن يقصم أهل الفساد والفتنة، فنصر الله -تعالى- نبيّه محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- وقصم الكفّار والمشّركين. استجاب الله -تعالى- دعاء يوسف -عليه السّلام- حين راودته امرأة العزيز، فدعا الله -تعالى- أن يصرف عنه كيدها، فاستجاب الله -تعالى-دعاءه وصرف عنه شرّها وكيدها. استجاب الله -تعالى- دعاء نبيّه يعقوب -عليه السّلام- حين حزن حُزناً شديداً على فراق يوسف عليه السّلام، ثمّ فَقْد ابنه الأصغر كذلك، ثمّ فقد بصره من الحُزْن والهمّ الذي أصابه، والله -تعالى- ردّ إليه ولديه وردّ عليه بصره استجابةً لدعائه. استجاب الله -تعالى- دعاء عباده المؤمنين؛ منهم: سعيد بن زيد -رضي الله عنه- حين خاصمته امرأةً بأنّه أخذ من أرضها ما ليس له وأصرّت على ذلك، ولم يكن معه بيّنة فدعا عليها أن يعمي الله -تعالى- بصرها وأن يأخذها في أرضها، فعميت ثمّ تعثّرت في أرضها فوقعت وماتت، وقالت: أصابتني دعوة سعيد.[١٦]