الملاحظات
طاسيلي الإسلامي :: خاص بالدين و الشريعة الإسلامية على منهج اهل السنة و الجماعة
2020-03-26, 12:58
#1
محمد 1993
:: عضو مبدع ::
تاريخ التسجيل : Oct 2017
الدولة : الجزائر - ع تموشنت
العمر : 25 - 30
الجنس : ذكر
المشاركات : 586
تقييم المستوى : 7
محمد 1993 غير متواجد حالياً
افتراضي فتاوى العقيدة : في الاعتراض على تلازُمِ الظَّاهر والباطن في الحكم بالكفر
السؤال:

ما يُفهَمُ مِنْ رسالتكم في ضوابط التَّكفير الموسومةِ ﺑ «منهج أهل السُّنَّة والجماعة في الحكم بالتَّكفير بين الإفراط والتَّفريط»: أنَّ مَنْ تحقَّقَتْ فيه الشُّروطُ وانتفَتْ فيه الموانعُ: فإنَّه يُحكَمُ عليه بالكفر، ولم تُبيِّنُوا فيها أنَّ الحكم بالكفر إنما هو على الظَّاهر مِنْ فعل المكلَّف، مِنْ غيرِ الْتِفاتٍ إلى القُصود والنِّيَّات، كما لا اعتبارَ لقرائن الأحوال، فمثلُه مثلُ لفظةِ «الطَّلاق» فإنَّه يُحكَمُ على الفاعل ـ إذا ما تحقَّقَتِ الشُّروطُ وانتفَتِ الموانعُ ـ أنه طلَّق، ويَقَعُ طلاقُه بمُجرَّدِ تلفُّظِه به، بِغَضِّ النَّظر عن قصدِه ونِيَّتِه؛ لأنَّ لفظَ «الطَّلاق» صريحٌ في انتهاء العلاقة الزَّوجيَّة، فهل مِنْ جوابٍ يُرتاحُ إليه؟ وشكرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالكفر نقيضُ الإيمان، وقد اختلف الفقهاءُ في حقيقة الكفر تبعًا لاختلافهم في حقيقة الإيمان؛ ولمَّا كان الإيمانُ ـ عند أهل السُّنَّة والجماعة ـ: اعتقادًا بالقلب، وقولًا باللِّسان، وعملًا بالجوارح؛ كان كذلك الكفرُ بالاعتقاد أو القولِ أو العمل، سواءٌ بها مُجتمِعةً أو مُتفرِّقةً.

والمرادُ ﺑ «مُتفرِّقة»: أنَّ الحكم بالكفر ـ عند أهل السُّنَّة ـ يقع بالقول بمُجرَّدِه كما يقع بالعمل بمُفرَده، أي: أنَّ كُلًّا مِنَ القول والعمل المُكفِّر له أثرٌ في التَّكفير بمُجرَّدِه وُجودًا وعدمًا، مِنْ غيرِ أَنْ يتوقَّف تأثيرُه على اشتراطِ اقترانه بالتَّكذيب أو اقترانِه بعدم الانقياد.

وهذا على خلافِ جمهور الأشاعرة الذين يعتقدون بأَنْ لا وقوعَ للكفر بمُجرَّدِ القول أو العملِ إلَّا إذا كان دليلًا على التكذيب أو عدمِ الانقياد، بمعنَى: أنَّه لا تأثيرَ للقول ولا للعمل المُكفِّر إلَّا إذا صاحَبَه اعتقادٌ مُكفِّرٌ.

وهذا القولُ لا شَكَّ في بطلانه؛ لأنَّه فرعٌ مبنيٌّ على القول بأنَّ الإيمانَ مُجرَّدُ التَّصديق، وأنَّ القولَ باللِّسان وعمَلَ الجوارحِ خارجان عن مُسمَّاه؛ وهذا البناءُ مُخالِفٌ لإجماع سَلَفِ الأمَّة وأئمَّتِها الذين يعتقدون أنَّ الإيمانَ اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ.

وتأسيسًا على مُعتقَدِ أهل السُّنَّة والجماعة في الإيمان فإنَّه يتفرَّع منه ـ بالمُقابِل ـ شمولُ الحكم بالتَّكفير للظَّاهر والباطن لوجود التَّلازم بينهما.

غير أنَّه ينبغي التَّفصيلُ في الاعتقادات والأقوالِ والأعمال الكُفريَّة بين قسمَيْن:

أحَدُهما: ما لا يحتمل إلَّا الكُفرَ فقط، فإنَّه لا اعتبارَ ـ في هذا القسم ـ للقُصود والنِّيَّات، ولا نظرَ إلى قرائنِ أحواله، وإنَّما الحكمُ بالكفر على ظاهرِ الفعلِ المُكفِّر، بِغَضِّ النَّظر عن قصدِه ونِيَّتِه وقرائنِ حالِه؛ غيرَ أنَّ الحكم بالكفر على الفعل لا يَلْزَمُ منه تكفيرُ الفاعل؛ لأنَّ تكفيره يتوقَّف على تحقُّق الشروطِ وانتفاء الموانع(١).

ومِنْ تطبيقاتِ هذا القسم: سبُّ اللهِ تعالى أو سبُّ رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم وهو كفرٌ قوليٌّ، أو إهانةُ المصحف أو نحوُ ذلك وهو كفرٌ عمليٌّ؛ فهاتان الصورتان لا تحتملان إلَّا الكفرَ؛ لذلك لا ننظر فيهما إلى قصد الفاعل ونِيَّتِه وقرائنِ أحواله، لعدمِ وجودِ احتمالٍ آخَرَ مُشارِكٍ له في اللفظ؛ لذلك كان الحكمُ بالكفر فيه يتناول الظَّاهرَ والباطنَ(٢)؛ وضِمْنَ هذا المعنى قال ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «إنَّ سَبَّ اللهِ أو سَبَّ رسولِه كفرٌ ظاهرًا وباطنًا، وسواءٌ كان السَّابُّ يعتقد أنَّ ذلك مُحرَّمٌ أو كان مُستحِلًّا له أو كان ذاهلًا عن اعتقاده؛ هذا مذهبُ الفقهاء وسائرِ أهلِ السُّنَّة القائلين بأنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ»(٣)، وقال ـ أيضًا ـ: «لو أخَذَ يُلقي المُصحَفَ في الحُشِّ ويقول: «أشهد أنَّ ما فيه كلامُ الله»، أو جَعَل يقتل نبيًّا مِنَ الأنبياء ويقول: «أشهد أنَّه رسولُ الله» ونحو ذلك مِنَ الأفعال التي تُنافي إيمانَ القلب؛ فإذا قال: «أنا مؤمنٌ بقلبي مع هذه الحالِ» كان كاذبًا فيما أَظهرَه مِنَ القول»(٤).

ومِثلُ هذا في باب الفقه الذي لا يحتمل إلَّا معنًى واحدًا: التَّلفُّظُ بالطَّلاق الذي معناهُ: المُفارَقةُ الزَّوجيَّة؛ فإنَّ الحكم بالطَّلاقِ واقعٌ بقوله وهو طلاقُه الصَّريح، بِغَضِّ النَّظر عن الفاعل؛ أمَّا إثباتُ العلاقة الزَّوجيَّة أو نفيُها فهو مُتوقِّفٌ على وجود الشُّروطِ وانتفاءِ الموانع.

ثانيهما: ما يحتمل الكفرَ وعدَمَه، وليس الاعتبارُ في الحكم بالكفر ـ في هذا القسم ـ على ظاهر الفعل، وإنما المُعتبَرُ فيها: القُصودُ والنيَّاتُ وقرائنُ الأحوال.

ومِنْ تطبيقاته: السُّجودُ لغير الله تعالى؛ فإنَّه يدور حُكمُه بحسَبِ قصده ونِيَّتِه وقرائنِ حاله؛ فقَدْ يكون قصدُه للسُّجود لغير الله تعالى: التَّعبُّدَ للمسجودِ له والتَّقرُّبَ إليه، فهو ـ في هذه الحال ـ كفرٌ، كما قد يكون قصدُه للفعل: التَّحيَّةَ والتَّقديرَ أو التَّمثيلَ والحكاية، فهو ـ بهذا الوجه ـ معصيةٌ.

ويدلُّ عليه استفصالُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ مُعاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه عن سجوده له على القول بصحَّةِ الحديث، ولم يحكم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على فعلِ مُعاذٍ رضي الله عنه بالكفر بمُجرَّدِ سجوده؛ فدلَّ ذلك على أنَّ المُعتبَر في ذلك إنَّما هو المقصودُ مِنْ عملِه؛ لذلك اكتفى بنهيه عن الفعل دون استتابَتِه مِنَ الكفر(٥).

ومِنْ تطبيقاتِ هذا القسمِ ـ أيضًا ـ: إفشاءُ سِرِّ المسلمين إلى أعدائهم؛ فهو دائرٌ بين مَقاصِدَ مُختلِفةٍ: إمَّا أَنْ يقصد مُوالاةَ الكُفَّارِ وإعانَتَهم على المسلمين، وهو ـ بهذا المعنى ـ كفرٌ وخيانةٌ عُظْمَى، وإمَّا أَنْ يَقصِدَ ـ بعمله هذا ـ إلى تحقيقِ غرضٍ مادِّيٍّ أو مصلحةٍ دُنْيويَّةٍ.

ومِنْ أجلِ هذا الاحتمالِ استفصل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قصَّةِ حاطبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ رضي الله عنه ولم يحكم على فعله بالكفر بمُجرَّدِ مُراسَلتِه لقُرَيْشٍ ومُكاتَبَتِه إيَّاهم بأمرِ مَسيرِ الرسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمين إليهم لفتحِ مكَّةَ(٦)؛ والقصَّةُ مشهورةٌ أَخرجَها البخاريُّ ومسلمٌ(٧).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٢ صفر ١٤٤١ﻫ
الموافق ﻟ: ٢١ أكتوبر ٢٠١٩م


بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».

http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1225

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حكام مباريات دور الثمن النهائي من كاس الجمهورية Tassilialgerie كرة القدم الجزائرية 3 2023-07-04 10:07
شرح قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ♡~ أم البرآء ~♡ كليـة العلـوم القانونيـة و الاداريـة 15 2022-03-04 01:23
♥◘•♠أهمية العقيدة الاسلامية♠•◘♥ الزهرة المخملية طاسيلي الإسلامي 4 2018-08-16 22:24
طرق الطعن العادية والغير عادية في التشريع الجزائي الجزائري ♡~ أم البرآء ~♡ كليـة العلـوم القانونيـة و الاداريـة 1 2016-08-26 21:28

الساعة معتمدة بتوقيت الجزائر . الساعة الآن : 12:27
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي شبكة طاسيلي ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)