دموع الربيع وأنين الرضيع
...
الجبل من ذرات والبحر من قطرات وما كانت رمال البيداء إلا من حبات
و كل منهم لي معه حكايات ’ لا تُسمع ولا تقرأ ولا تروى ولكن هي لعقول واعية
فكرت فقدرت... أقبلت وأدبرت...وذات عشية اخترت والدرب السير عليه واصلت..مشيت بقدمين حافيتين عاريتين من أي سوء ’ لب آبق وبصر زائغ وفم فاغر وحين أدركت تبخر الحلم وتناثرت حروف الأماني فكانت سرابا.....وفوق ربوة يتيمة بين التلال غابت الشمس وبان الهلال. أرسلت هناك بصري أي إرسال فرجع إلي البصر خاسئا وهو حسير.. نزلت من على قمة الجبل لألملم ما تبقى من حبات الأمل التي كنت قد خبأتها داخل خلية النحل ’ خوفا عليها من الراكب والراجل’ فلما تذوقتها بعد شدة عطش أنكرتها فهي أقرب لطعم البصل
أرأيت كيف يتغير العسل فيتحول إلى بصل...؟
وسألتْ نفسي نفسي : غريب ألشهد بطعم الحنظل ’ ما سمعنا بهذا لدى الأوائل؟
كظمت غيظي واضمرت ما سولت لي به نفسي ثم لجأت لضفاف واد فاتكأت على صخرة ملساء من ذاك السهل
طاب لي المقام فآمنت فنمت وما أيقظني إلا وخز عصا راعي الإبل ’ وهو يصرخ في وجهي بأغلظ وأخشن القول: قم وانظر حال فراشتك فقد غمرتها دموع الربيع وأضناها أنين الرضيع ’ إنها حبيسة الهواجس كثيرة الوساوس تخشى جحافل الشتاء وغلمان الصقيع
لم أجبه لأنني لم أع ما يرمي إليه هذا الراعي ’ ولكنني قمت خوفا منه وخشية سطوته وحُق لي وتوجب علي أن أفعل ’ طمعا في أن يأذن لي بركوب ظهر الجمل فهو لي أفضل
ذرعت ما بيني ومضارب القوم فوجدتها أقرب ولعمرك تعلو العين الحاجب
وكزت بقبضتي صدري أحسسه بأن يحفظ سري ولا يبدي إشارة من أمري لأي أحد من البشر ’ حتى أُدخل قبري ’ إني بالأمس حفرت رمسي وما أخال نفسي إلا مطمئنة ’ لأنني قد كتبت على جدار فؤادي وصيتي لمن بعدي من الإنس : أعلم أنني عن الدنيا اليوم أو غدا لراحل وأنني للعهد شقيق السمؤل وأنني مهد الوعد لتلكم الأصيلة ابنة الأصل . فما أطيب لم الشمل وتثبيت عتبة الباب بوتد وحبل لمن ابتغى الفضيلة وخير الأهل. هذا ما تركت لكم فلا نقاش بعد ولا جدل.