القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( 1 ) ألم يجعل كيدهم في تضليل ( 2 ) وأرسل عليهم طيرا أبابيل ( 3 ) ترميهم بحجارة من سجيل ( 4 ) فجعلهم كعصف مأكول ( 5 ) ) .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر يا محمد بعين قلبك ، فترى بها ( كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) الذين قدموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة ورئيسهم أبرهة الحبشي الأشرم ( ألم يجعل كيدهم في تضليل )
يقول : ألم يجعل سعي الحبشة أصحاب الفيل في تخريب الكعبة ( في تضليل ) يعني : في تضليلهم عما أرادوا وحاولوا من تخريبها .
وقوله : ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) يقول تعالى ذكره : وأرسل عليهم ربك طيرا متفرقة ، يتبع بعضها بعضا من نواح شتى ; وهي جماع لا واحد لها ، مثل الشماطيط والعباديد ونحو ذلك . وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى ، أنه لم ير أحدا يجعل لها واحدا . وقال الفراء : لم أسمع من العرب في توحيدها شيئا . قال : وزعم أبو جعفر الرؤاسي ، وكان ثقة ، أنه سمع أن واحدها : إبالة . وكان الكسائي يقول : سمعت النحويين يقولون : إبول ، مثل العجول . قال : وقد سمعت بعض النحويين يقول : واحدها : أبيل .
وبنحو الذي قلنا في الأبابيل : قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا سوار بن عبد الله ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ابن بهدلة ، عن زر ، عن عبد الله ، في قوله : ( طيرا أبابيل ) قال : فرق . [ ص: 606 ]
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا ثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، قال : الفرق .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( طيرا أبابيل ) قال : يتبع بعضها بعضا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) قال : هي التي يتبع بعضها بعضا .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، أنه قال في : ( طيرا أبابيل ) قال : هي الأقاطيع ، كالإبل المؤبلة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ( طيرا أبابيل ) قال : متفرقة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، قال : ثنا الفضل ، عن الحسن ( طيرا أبابيل ) قال : الكثيرة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن ابن سابط ، عن أبي سلمة ، قالا الأبابيل : الزمر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( أبابيل ) قال : هي شتى متتابعة مجتمعة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : الأبابيل : الكثيرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : الأبابيل : الكثيرة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( طيرا أبابيل ) يقول : متتابعة . بعضها على أثر بعض .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ; في قوله : ( طيرا أبابيل ) قال : الأبابيل : المختلفة ، تأتي من هاهنا ، وتأتي من هاهنا ، أتتهم من كل مكان .
وذكر أنها كانت طيرا أخرجت من البحر . وقال بعضهم : جاءت من قبل البحر .
ثم اختلفوا في صفتها ، فقال بعضهم : كانت بيضاء . [ ص: 607 ]
وقال آخرون : كانت سوداء .
وقال آخرون : كانت خضراء ، لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، في قوله : ( طيرا أبابيل ) قال : قال ابن عباس : هي طير ، وكانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب .
حدثني الحسن بن خلف الواسطي ، قال : ثنا وكيع وروح بن عبادة ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن ابن عون ، عن ابن عباس ، نحوه .
حدثنا يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حسين ، عن عكرمة ، في قوله : ( طيرا أبابيل ) قال : كانت طيرا خرجت خضرا ، خرجت من البحر ، لها رءوس كرءوس السباع .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عمير ( طيرا أبابيل ) قال : هي طير سود بحرية ، في مناقرها وأظفارها الحجارة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عمير : ( طيرا أبابيل ) قال : سود بحرية ، في أظافيرها ومناقيرها الحجارة .
قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن عبد الله بن عون ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس قال : لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب .
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( طيرا أبابيل ) قال : طير خضر ، لها مناقير صفر ، تختلف عليهم .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عمير ، قال : طير سود تحمل الحجارة في أظافيرها ومناقيرها .
وقوله : ( ترميهم بحجارة من سجيل )
يقول تعالى ذكره : ترمي هذه الطير الأبابيل التي أرسلها الله على أصحاب الفيل ، بحجارة من سجيل .
وقد بينا معنى سجيل في موضع غير هذا ، غير أنا نذكر بعض ما قيل من ذلك في هذا الموضع ، من أقوال من لم نذكره في ذلك الموضع . [ ص: 608 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( حجارة من سجيل ) قال : طين في حجارة .
حدثني الحسين بن محمد الذارع ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( ترميهم بحجارة من سجيل ) قال : من طين .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( حجارة من سجيل ) قال : سنك وكل .
حدثني الحسين بن محمد الذارع ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، في قوله : ( ترميهم بحجارة من سجيل ) قال : من طين .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن شرقي ، قال : سمعت عكرمة يقول : ( ترميهم بحجارة من سجيل ) قال : سنك وكل .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، قال : كانت ترميهم بحجارة معها ، قال : فإذا أصاب أحدهم خرج به الجدري ، قال : كان أول يوم رؤى فيه الجدري ; قال : لم ير قبل ذلك اليوم ، ولا بعده .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : ذكر أبو الكنود ، قال : دون الحمصة وفوق العدسة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : كانت الحجارة التي رموا بها أكبر من العدسة ; وأصغر من الحمصة .
قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : ثنا إسرائيل ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عمران ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : سجيل بالفارسية : سنك وكل ، حجر وطين .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر بن سابط ، قال : هي بالأعجمية : سنك وكل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كانت مع كل طير ثلاثة أحجار : حجران في رجليه ، وحجر في منقاره ، فجعلت ترميهم بها . [ ص: 609 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( حجارة من سجيل ) قال : هي من طين .