الملاحظات
قـسم القصـص و الروايات :: خاص بالادب و القصة الصغيـرة و كتابات القصصية حصرية للاعضاء و الرواية
2014-12-26, 14:49
#1
nihallahmer
:: عضو مجتهد ::
تاريخ التسجيل : Sep 2014
العمر : 15 - 20
الجنس : انثى
المشاركات : 266
تقييم المستوى : 10
nihallahmer غير متواجد حالياً
افتراضي قصة النبي يوسف عليه السلام -3-
وعندما دَخَلوا على عزيزِ مصرَ لشراءِ القمحِ دخلوا أيضاً اثنَينِ اثنين؛ وأخيراً دخلَ بنيامين على العزيز. كانت لحظاتٍ مثيرة.. فبعدَ عشرينَ سنةً وقَعَت عَيْنا يوسفَ على شقيقهِ بنيامين... كانَ قد تَرَكَهُ طفلاً وها هو الآنَ قد أصبَحَ شابّاً... ولكنْ ما بالُه حزيناً.. تَساءلَ يوسفُ في نفسِه... قالَ يوسفُ لبنيامين:
ـ ما هذا الحُزنُ الذي أراهُ على وجهِك ؟! هل وَقَع لكَ مكروه؟
قال بنيامين:
ـ كلاّ أيُّها العزيز، ولكنْ تَذكَّرتُ أخي يوسف.. لو كانَ حيّاً لَجاءَ معي ولم أبقَ وحيداً...
سأل يوسف:
ـ وماذا حَصَلَ ليوسف ؟
ـ ذَهَبَ مع إخوتي إلى الصحراء ولم يَرجِع.. كانَ ذلك قبل عشرينَ سنة.. قالوا: إنّ الذئبَ أكلَ يوسف... ومنذ ذلك اليومِ لم أرَ سوى قميصهِ المُدمّى...
أبي لم يُصدّقْهم.. ما يزالُ حتى اليوم يبكي على يوسف. آه يا يوسف... ما أطيبَه وأطهَرَه!
قالَ يوسف:
ـ لا تَحْزَنْ يا بنيامين، أنا أخوكَ.. تعالَ لنتناولَ الغداء...
جَلَس يوسفُ على سريرِ المُلك، وأجلَسَ بنيامينَ إلى جانبِه وراحَ يتَحدّثُ معه ليطيّبَ خاطِرَه.
الحقيقة
أحَبَّ بنيامينُ عزيزَ مصر.. ولكن لا يدري سبباً لهذا الحبّ.. رآه يَتَدفّق طيبةً ورحمةً وإحساناً..
قالَ يوسفُ لبنيامين:
ـ لو رأيتَ أخاكَ اليومَ فهل ستَعرفه.
ـ ربّما.. إنّ ملامحَهُ لا تَغيبُ عن بالي.
أرادَ يوسفُ أن يُدخِلَ في قلبِ أخيه الفرح، فقال:
ـ اسمَع يا بنيامين جيّداً. إن إخوتَك هؤلاء حَسَدوا أخاك فأخَذَوه إلى الصحراء وألقَوهُ في البئر.. إنّ يوسف ما يزالُ حيّاً... صَبَر وتحمّلَ واللهُ لا يُضِيعُ أجرَ الصابرين.. إنّي أنا أخوك حقّاً.. لقد مَنَّ الله عليَّ وجَعَلني عزيزاً في مصر..
لم يتَحمَّلْ بنيامين فَرَكَ عَينَيه، كان مثلَ النائمِ فانتَبَه وألقى نفسَه على صدرِ أخيه يَشمُّه ويبكي.. وبكى يوسف..
قال لأخيه:
ـ لا تُخبِرْ إخوتَك.. سوف أعملُ على بقائك في مصر.. سأصنَعُ شيئاً، فلا تَحزنْ بسببِ ذلك.
الخطة
جاء الإخوةُ يسألون عن بنيامين.. قالوا للعزيز: إنّ أبانا أوصانا بالحفاظِ عليه وأخَذَ علينا المِيثاق.
أمرَ يوسفُ فِتيانَهُ أن يُجهِّزوا القافلةَ ويملأوا أوعيتَها بالقمح..
وجاء يوسفُ ليشرفَ على سَيرِ العمل.. كان العمّالُ مشغولينَ وكان الإخوة يَتفقّدونَ جِمالَهُم...
اقتَرَب يوسفُ من بعيرِ أخيه بنيامين ووضَعَ كأساً فِضيّاً ثمنياً في رَحْلِه... وأهالَ عليه القمح..
كانَ ما صنَعَه يوسف خطّةً من أجلِ أن يَحتفظَ بأخيهِ بنيامين في مصر..
تَحَرّكت القافلةُ لِتُغادرَ مصرَ عائدةً إلى أرض فلسطين..
من بعيدٍ سَمِعَ الإخوةُ نِداءً يَهتِفُ بهم:
ـ تَوقَّفوا إنّكم سارِقون!
فوجئ الإخوةُ جميعاً، باستثناءِ بنيامينَ الذي كانَ يَعرِفُ ما يَجري؛ جاء الإخوة إلى الحارسِ المِصريّ، قالوا له:
ـ ماذا تَفْقِدون ؟
قالَ الحارس:
ـ نفقد صُواع المَلِكِ الذي يَشرَبُ به.. ولِمَن جاءَ بهِ حِمْلُ بَعير.
أقسمَ الإخوة أنّهم لم يَسْرِقوا شيئاً، وقالوا:
ـ تاللهِ لَقَد عَلِمْتُم ما جِئْنا لِنُفْسِدَ في الأرضِ، لقد جِئنا نَشتري القمحَ لأهلِنا.
ـ قالَ الحارس:
ـ سَنُفتّشُ أمتِعَتَكُم، وإذا ظهرَ كذبُكم فما هي عُقوبةُ السارقِ عندكم ؟
قال الإخوة:
ـ عقوبتُه أن يُصبِحَ عبداً لِمَن سَرقَ منه..
ـ حَسَناً، سنفتّشُ أوعيتَكُم جميعاً.
جاء يوسفُ، وراح يفتّشُ بنفسِه أوعيةَ القافلة.. بَدَأ بأوعِيتِهم ثمّ جاء إلى وِعاء بنيامين.. ووضَعَ يده في وعاء القمحِ واستخرجَ الصُّواعَ منه.
دُهِش الإخوةُ جميعاً. أمّا بنيامينُ فقد وقَفَ يَنظرُ بحزنٍ وصَمت.
قالَ يوسف:
ـ والآن ما هو رأيُكُم ؟!
قال الإخوة وهم يَنظرون بغيطٍ إلى بنيامين:
ـ إنْ سَرَقَ فقد سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبلُ!
شَعرَ يوسفُ بالحزن: إنّ إخوَتَهُ ما يزالونَ يَحسدونَهُ ويَحسدونَ أخاه ويَكرهونَهُما، ولكنّه خاطَبَهم قائلاً:
ـ أنتُم شَرٌّ مكاناً، واللهُ أعلَمُ بما تَصِفُون.
جاء الأخُ الأكبرُ وتوسّلَ إلى العزيز قائلاً:
ـ إنّ له أباً وهو شيخٌ كبير، وقد أخَذَ علينا المِيثاقَ أن نُعيدَه إليه سالماً... فخُذْ أحدَنا مكانَهُ ليكونَ عبداً.
قال يوسف:
ـ معاذَ اللهِ أنْ نأخُذَ إلاّ مَن وَجَدْنا مَتاعَنا عِندَه.. إنّا اذاً لَظالِمون.
عندما شَعَروا باليأسِ اجتَمَع الإخوةُ فيما بينهم وراحوا يَتَشاورون... ماذا يفعلون ؟ وكيف يَعودونَ إلى أبيهم ؟
ـ ماذا نفعلُ الآن ؟
ـ إن أبانا قد أخَذَ علينا الميثاق.
ـ وماذا نَفعل ؟ نقولُ له الحقيقة..
ـ نَعَم، نقولُ له إن بنيامين قد سَرَق، وقد استَعبَدوه عُقوبةً له على سرقتهَ صُواعَ المَلك.
قال الأخُ الاكبر:
ـ كيف نَعودُ إلى أبينا دونَ بنيامين ؟ والميثاقُ الذي أخَذَهُ علينا أن نُعيدَه سالماً.. هل نَسِيتُم ما فَعَلتُم بيوسفَ من قَبل. لم نَرحَمْ شَيخوخَةَ أبينا.. لا.. لا لن أعودَ إلى أبي؛ سأبقى في مصرَ حتى يأذَنَ لي أبي.. أمّا أنتُم فعودوا.. قولوا لأبيكم: يا أبانا إنّ ابنَكَ سَرَق.. إننا لا نَعَلمُ الغَيب.. لا نعلمُ أن بنيامينَ سيَسرِق!
سكتَ الإخوة.. كانوا أحَدَ عَشَر أخاً.. بنيامينُ أخَذَهُ العزيز.. والأخُ الأكبرُ ظلَّ في مصر.. لا يريدُ أن يُقابِلَ أباه مرّةً أخرى وقد أخَلَّ بالميثاق..
الإخوةُ التسعةُ عادوا إلى فلسطين.. عادوا ليُخبروا أباهم بما حَصَل.. كان سيّدُنا يعقوبُ يخافُ عليهم من الحَسَد. لهذا أمرَهُم أن يَدخُلوا مصرَ من أبوابٍ متفرّقة.. كان يُريد لهم أن يدخلوا مُتفرّقينَ ليعودوا بأجمعِهم.. لقد عادَ تسعةٌ منهم ومعهم نبأ آخرُ حزين.
جاء الإخوةُ التسعةُ إلى سيّدِنا يعقوبَ وقالوا له:
ـ يا أبانا إنّ ابنَك سَرَقَ.. وما شَهِدْنا إلاّ بما عَلِمْنا.
سكتَ سيّدُنا يعقوب... شَعَر الإخوة أن أباهم لم يُصدِّقْهُم، فقالوا:
ـ إذا لم تُصدِّقْنا فاسأل القوافلَ والناسَ الذين كانوا معنا في مصر.. وإنّنا لَصادقون.
أمسَكَ سيدُنا يعقوبُ بعصاهُ ونهضَ قائلاً:
ـ بل سَوَّلت لَكُم أنفسُكُم أمراً فصَبرٌ جميلٌ... سأصبِرُ مرّةً أخرى، ربّما يُعيدُهم الله إليّ جميعاً...
لكن سيّدنا يعقوب تألّمَ بسببِ ما حَصَل... تذكّرَ يوسفَ الذي اختفى منذ عشرينَ سنة.
لقد أدركَ بأنّ ما حَدَث مُرتبطٌ بما حَصَل ليوسف، لهذا قال:
ـ يا أسَفى على يوسف.
قال الإخوةُ التسعة:
ـ إنّكَ لا تَتركُ ذِكرَ يوسف.. لَسَوف تَموتُ من كَثرةِ حُزنِك وبكائك على يوسف!
قال سيّدُنا يعقوب:
ـ إنّني أشكو حُزني إلى الله.. وأعلَمُ مِن اللهِ ما لا تَعلمون.
سكتَ قليلاً وقالَ لأبنائه:
ـ أذهَبوا يا أولادي.. أذهَبوا وأبحَثوا عن يوسفَ وأخيه، لا تَشعُروا باليأس.. لأنّ الكفارَ هم وحدَهُم الذينَ يَشعُرونَ باليأسِ والقُنوط.
أنا يوسف
نَفَدَ القَمحُ، وشاعَ الحزنُ في بيتِ سيّدنا يعقوب، لقد فَقَد أولادَه الثلاثةَ: يوسفَ وبنيامينَ وأخاهُم الأكبر.
مِن أجل هذا أمَرَ سيّدُنا يعقوبُ أولادَه أن يَذهَبوا لِيَمتاروا الطعامَ ويَبحثوا عن يوسفَ وأخيه.
وشَدَّ الإخوةُ الرِّحالَ إلى مصرَ للمرّةِ الثالثة... لم يَكن مَعَِهم من الفضّةِ إلاّ القليل، ولكنّهم ذَهَبوا ليجيئوا بأخيهم بنيامين.
عندما وصلوا مصرَ لم يُكرِمْهُم أحدٌ بسببِ ما حَدَث في الرِّحلةِ السابقة.. لهذا ذَهبوا إلى عزيزِ مصرَ الذي أخذَ بنيامين... ذهبوا إليه ليتَحدّثوا معه بِرِقّة فلَعلّه يَبيعُ لهم بهذه الفضةِ قَمحاً، ولعلّ هذا العزيزَ الطيّبَ يُطلِقَ سَراحَ بنيامين؛
دخلَ الإخوةُ على عزيزِ مصر، وقالوا له:
ـ يا أيُّها العزيزُ مَسَّنا وأهْلَنا الضُّرُّ وجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأوْفِ لَنا الكَيْلَ وتَصَدَّقْ عَلَينا إنّ اللهَ يَجْزي المُتَصَدّقين.
شيءٌ عجيبٌ لَفَت نظرَ الإخوة! إنّ بنيامينَ يَجلِسُ مع العزيزِ ويَرتدي حُلّةً من الكَتّانِ فاخِرة...
وفي تلك اللحظاتِ المُثيرة.. قالَ يوسفُ وهو يَفيضُ رحمةً لهم:
ـ هَل عَلِمْتُم ما فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وأخيهِ إذ أنتمُ جاهِلون ؟!
لقد نَسِيَ يوسفُ كلَّ الآلام التي سَبّبها إخوتُه له ولأبيه.. نَسِيَ كلَّ تلكَ المعاناةِ الطويلة. أراد أن يقول لهم فقط إن جَهلكم قد أوصَلَني إلى هذه المكانةِ؛ لأن الله قد اختارَني ومَنَّ علَيّ وكافأني على صبري وإيماني.
وفي تلك اللحظة.. استيقَظَ الإخوةُ على حقيقةٍ كبرى.. إنّ هذا العزيزَ الذي يَلتَفّ حولَه الحُرّاسُ والجنودُ وصاحبُ الكلمةِ الأولى في مصر هو يوسف!! يوسفُ أخوهُم الذي تآمَروا عليه.. يوسفُ الطيّبُ الطاهرُ الذي كافأهم على الإساءةِ إحساناً ومَلأ لهم أوعيَتَهُم قمحاً وأعادَ إليهم فِضّتهم وأموالَهُم..
هَتَف الإخوة بدهشة:
ـ إنكَ لأنتَ يوسف ؟!
أجابَ يوسفُ وعيناه تَفيضانِ بالدمعِ خشوعاً لله ربِّ العالمين:
ـ نعم، أنا يُوسُفُ وهذا أخِي قَد مَنَّ اللهُ علَينا... إنّه مَن يَتَّقِ ويَصْبِرْ فإنّ اللهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحِسنين .
واكتَشَف الإخوةُ الحقيقةَ بعد عشرينَ سنةً من التّيهِ والضَّلال، فقالوا لأخيهم يوسف:
ـ تاللهِ لقد آثَرَكَ اللهُ عَلَينا وإنْ كُنّا لَخاطِئين.
وابتَسَم لهم يوسف.. إنّهمُ إخوتُه أضَلّهم الشيطانُ في لحظةِ حسدٍ، وعادوا إلى الطريق!
ـ لا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ اليَومَ.. يَغْفِرُ اللهُ لَكُم وَهُوَ أرحَمُ الراحِمين .
أرادَ يوسفُ ذلك الفتى الشَّهمُ الذي غَضَّ نَظَرهُ عن كلِّ الإساءاتِ.. أرادَ أن يَضَعَ حدّاً لآلام أبيه...
قبلَ عشرينَ سنةً أخذَ إخوتُه قميصَهُ ولَطّخوه بدمٍ كَذِب..
وأخَذوه إلى أبيهم وقالوا له: يا أبانا إن الذئبَ قد أكَلَ يوسف! أراد يوسفُ أن يَمسَحَ هذهِ الكِذبةَ من ذاكرتِهم، لهذا خَلَعَ قميصَهُ الكَتّانيّ وقال لهم:
ـ إذهبوا بِقَميصي هذا فألْقُوهُ على وَجهِ أبي يَأْتِ بَصيراً وائتُوني بأهلِكُم أجمعين.
كُلُّ الأخوةِ راحُوا يَشمّون قميصَ يوسف ويَبْكون... يَبكون فَرَحاً ونَدَماً.. فَرَحاً بأخيهم الذي أصبَحَ الرجلَ الأولَ في مصر، ونَدَماً على ما فَعلوه قبلَ عشرينَ سنة...
من أجل هذا انحنَوا إجلالاً لعزيزِ مصر، لهذا الإنسانِ الطاهر، وغادروا القصرَ على عَجَل..
كانوا يُريدونَ العودةَ إلى أبيهم بأقصى سُرعةٍ ليُدخِلوا الفَرحةَ على قلبهِ الحزين.. وهكذا انطَلَقت القافلةُ تطوي الصحاري... لم تكن هذه القافلةُ تَحمِلُ قمحاً؛ إنّها تَحملُ قَميصَ يوسفَ والفرحةَ الكبرى.
نهاية الألم
كانَ سيّدُنا يعقوب.. يَخرُجُ إلى طريقِ القوافلِ كلَّ يومٍ وينتظرُ عَودةَ ابنائه..
وفي أصيلِ أحدِ الأيّام وفيما كانت الشمسُ تَهبِطُ للمغيبِ في الصحراء.. شَمَّ سيّدُنا يعقوبُ نسائمَ طيّبة.. فيها رائحةُ يوسف... قالَ لبعضِ أولادهِ الذين لم يَذهبوا في تلك الرِّحلة إلى مصر:
ـ إني لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لولا أنْ تُفَنِّدونِ!
قال ابناؤه:
ـ تاللهِ إنّك لَفي ضَلالِكَ القَديم..
قالوا لأبيهم أنتَ ما تزال على ضلالكِ القديمِ في حُبّك ليوسفَ وأخيه أكثرَ منّا!!
وفي تلك اللحظاتِ.. شاهَدَ الجميعُ جَمَلاً يَتّجهُ نحوهم بسرعة، وكان رجلٌ يُلِّوح بقميصٍ من بعيد.. ماهي إلاّ لحظات وإذا بأحدِ ابنائه قد سَبقَ القافلةَ وجاء لِيَزِفَّ بُشرى العُثورِ على يوسف..
إنّ يوسفَ لم يأكُلْه الذئبُ، ولم يَمُت طوالَ العشرينَ سنةً الماضية.
وألقى البَشيرُ قميصَ يوسفَ على وجهِ يعقوب.. فحَدَث شيءٌ عجيب! لقد عادَ النورُ إلى عَينَي يعقوبَ فرأى الدنيا مُضيئةً جميلةً بعد أن كانت سوداءَ حزينة.
من أجلِ هذا دَمِعَت عيناهُ فَرَحاً، وقالَ لإبنائه:
ـ ألَم أقُلْ لَكُم إنّي أعلَمُ مِن اللهِ ما لا تَعلَمونَ ؟!
أولاده أطرَقوا برؤوسِهم خَجَلاً وحُزناً وقالوا:
ـ يا أبانا استَغْفِرْ لَنا ذُنوبَنا إنّا كُنّا خاطِئين.
قال الأبُ الذي عادَ إليه بَصَرهُ برحمةٍ من الله:
ـ سَوفَ أستَغفِرُ لَكُم رَبِّي إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ..
قالَ يعقوبُ ذلك لأنه يُريدُ أن يؤجِّلَ دعاءه إلى وقتِ السَّحَرِ، من أجل أن يَستجيبَ اللهُ ويَغفِرَ لأبنائهِ ما فَعَلوه من قبل.
شَعَر سيّدُنا يعقوبُ أنّه يَستعيدُ شَبابَهُ من جديد؛ كانت الفرَحةُ تُضيء قلبَه وعينيه.
أخبرَ زوجتَه أمَّ يوسف بالبُشرى وعَمَّت الفرحة.
أمَرَ سيّدُنا يعقوب عليه السّلام أنْ يتَجهَّزَ الجميعُ للرَّحيلِ إلى مصر، ليعيشوا في بلادِ مصرَ وفي ظلالِ حاكمِها العادِل والطيّبِ والصدّيقِ يوسف عليه السّلام.
وتحقّقت رؤيا يوسف
قبلَ عشرينَ سنةً كانَ يوسفُ قد رأى حُلُماً عَجيباً. رأى الشمسَ والقمرَ وأحدَ عَشَرَ كوكباً رآهم جَميعاً يَسجُدونَ له إجلالاً.. وتَعَجّبَ يوسف وقتَها.. ثَمّ وقَعَت الحوادثُ بعد ذلك.. ليجدَ نفسَه بعيداً عن أهلهِ وإخوتهِ في أرضٍ بعيدة...
لقد مَرَّت عشرون سنةً وها هو الآن يَحكُمُ مصرَ ويَنتظرُ قُدومَ أبوَيه من الباديةِ إلى هذه البلادِ الجميلةِ المليئةِ بالخير.
أمَرَ يوسفُ بِضَربِ خَيمةٍ كبيرةٍ جدّاً في الصحراءِ لأجلِ أن يَستقبلَ إبويَهِ وأخوتَه...
وكانَ الجنودُ يُراقبونَ طريقَ القوافلِ مُنتظرينَ قُدومَ قافلةٍ من أرض فلسطينَ فيها أُسرةُ عزيزِ مصر؛ التي تعيش في البادية!
وذاتَ صباحٍ رأى الجنودُ القافلة... إنها قافلةُ يعقوب عليه السّلام وزوجتهِ وأبنائه.
وانطَلَق فارسٌ إلى مصرَ يُبشّرُ يوسفَ بقدومِ أبوَيه وإخوته.
الشمس والقمر والكواكب
استُقبِلَ سيّدُنا يعقوبُ باحترامٍ عميقٍ، وأُدخِلَ ومَن معه الخيمةَ الكبيرة ريثما يَصلُ عزيزُ مصر.
كانَ سيّدُنا يعقوبُ يَنتظرُ بشوقٍ لقاءَ ابنهِ يوسفَ بعد عشرينَ سنةً من الفراقِ والعذابِ والبكاء!
وجاءَ يوسفُ في مركبةٍ تَجرُّها خُيولٌ سريعة... كانت الخُيولُ تَطوي الأرضَ بسرعةٍ فائقة.. كأنها كانت تُدرِكُ شوقَ يوسفَ إلى لقاءِ أبوَيه..
ووصلَ يوسف.. لِيدَخُلَ الخَيمة.. كان يَرتدي حُلّةَ العِزّة وقد سَطَع النورُ من وجههِ المُضيء... ونَهَض الجيمعُ احتراماً لعزيزِ مصر... ثمّ لينحَنوا اجلالاً لعزيزِ مصر. وفي تلك اللحظة تَوهَّجَت رؤيا يوسفَ التي رآها قبلَ عشرينَ سنة... عندما رأى الشمسَ والقمرَ وأحَدَ عَشَرَ كوكباً يَسجُدونَ له...
ها هو الآن يَرى أباه وأمّه وإخوته الأحَدَ عَشرَ يَنحنَون له بإجلال.
وعانَقَ يوسفُ والدَيه، وأخَذ بأيديهما لِيَرفَعها إلى سريرِ المُلك والعزّة..
وقال يوسف لأبيه:
ـ يا أبتي هذا تأويلُ رُؤيايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَها رَبّي حَقّاً، وقَد أحسَنَ بي إذ أخْرَجَني مِن السِّجنِ وجاءَ بِكُم مِن البَدْوِ مِن بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشيطانُ بيني وبينَ إخوَتي إن رَبّي لَطيفٌ لما يَشاءُ إنّه هُوَ العَليمُ الحكيم .
ورفَعَ يوسفُ يَدَيه إلى السماء شاكراًالله على نعمه:
ـ رَبّي قَد آتَيتَني مِن المُلْكِ وعَلّمْتَني مِن تأويلِ الأحاديثِ فاطِرَ السماواتِ والأرضِ.. أنتَ وَليّي في الدُّنيا والآخِرةِ تَوَفَّني مُسلِماً وألحِقْني بالصّالحين .
ما أطيَبَك يا يوسف! ما أطهَرك أيّها الفتى المؤمن!
لقد تَناسى يوسفُ كلَّ الآلام والمعاناةِ وعلى مدى عشرينَ سنة واستقبلَ إخوته بحبّ، وقال: إن الشيطانَ هو الذي نَزَغ بينه وبينهم!
وهنا تَكمنُ عَظَمةُ يوسف.... في تلك النفسِ الطاهرةِ وفي ذلك القلبِ الطيب.
وهكذا عاشَ سيّدُنا يعقوبُ وأبناؤه في مصرَ بلدِ الخيرات وفي ظِلالِ حاكمٍ عادل.. أنعَشَ البلادَ وأنقَذها من أكبرِ أزمةٍ اقتصاديّةٍ آنذاك.
عاشَ سيّدُنا يعقوب، وتكاثَرَت ذرّيتُه ليُعرَفوا فيما بعد بـ « بني إسرائيل »...
وسوف نَعرِفُ بعد ذلك أين دُفِنَ سيّدُنا يوسفُ، وكيف نُقِل رُفاتُه إلى فلسطين.. عندما نطالع معاً وانفَلَق البحر قصّة سيدنا موسى عليه السّلام.
2014-12-26, 15:13
#2
الصورة الرمزية بائعة الورد
بائعة الورد
:: عضو مميز ::
تاريخ التسجيل : Nov 2014
العمر : 10 - 15
الجنس : انثى
المشاركات : 1,444
تقييم المستوى : 11
بائعة الورد غير متواجد حالياً
Smile35
شكرا على الموضوع القيم ويجعله الله في ميزان حسناتك
2019-11-06, 11:05
#3
الصورة الرمزية beddiarDsp
beddiarDsp
:: عضو مبدع ::
تاريخ التسجيل : Oct 2019
الدولة : الجزائر - المسيلة
العمر : 30 - 35
الجنس : انثى
المشاركات : 894
تقييم المستوى : 5
beddiarDsp غير متواجد حالياً
افتراضي رد: قصة النبي يوسف عليه السلام -3-
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كفاك فخراً أن نبيك هو محمد -صلى الله عليه وسلم سمراء الليل طاسيلي الإسلامي 31 2021-06-01 12:21
71 خصـلـة تكفر وتذهب الذنوب و الخطايا بـإذن الله MANAL KZ طاسيلي الإسلامي 20 2021-02-08 09:06
بعض اخلاق الرسول ص مالك الحزين طاسيلي الإسلامي 14 2020-03-12 13:44
قصة النبي يوسف عليه السلام -2- nihallahmer قـسم القصـص و الروايات 3 2019-11-06 10:58
قصة النبي يوسف عليه السلام -1- nihallahmer قـسم القصـص و الروايات 2 2014-12-26 18:39

الساعة معتمدة بتوقيت الجزائر . الساعة الآن : 13:14
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي شبكة طاسيلي ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)