:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2015
الدولة : الجزائر - الجزائر
العمر : (غير محدد)
الجنس : انثى
المشاركات : 5,162
تقييم المستوى : 18
المطلب الثاني: حالة دارفور:
المطلب الثاني: حالة دارفور:
شكل الصراع القبلي في دارفور منعطفا أمنيا خطيرا للسودان من خلال أبعاده المختلفة و آثاره السلبية على كافة الأصعدة، فقد أخذ الصراع بعدا اقتصاديا و اجتماعيا وتنمويا و سياسيا. ولم تقتصر آثاره على السودان فحسب بل على الدول المجاورة له كجمهورية تشاد و إفريقيا الوسطى اللتان ترتبطان من خلال حدود جغرافية مفتوحة وقبائل مشتركة... لذلك كان هذا الصراع على رأس أولويات المجتمع الدولي والإقليمي عربيا وإفريقيا. و لعل التدخل السافر لعدد من الدول العظمى،و بخاصة الدول الغربية بحجة انتهاك حقوق الإنسان في الإقليم كان سببا أساسيا في تدويل الصراع بسرعة فاقت كل التصورات، فأصبحت دارفور تشكل اهتماما خاصا لمنظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى و منظمات المجتمع المدني.
لقد أخذ الصراع بعدا إعلاميا خطيرا اتضح من خلال ما تناقلته القنوات الفضائية، و ما قدم من تقارير لمجلس الأمن و لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فاتجهت المنظمات إلى الإقليم لدراسة الآثار السلبية التي نجمت عن هذا الصراع من نزوح للسكان، صنف بعضها أنه "تطهير عرقي" و ارتكبت بعض الجرائم الفردية التي صنفت أنها جرائم حرب. و سوف نستعرض هذه الحالة من خلال:
- وصف الحالة و أسباب الصراع في الإقليم.
– قرار مجلس الأمن رقم (1593) و المعالجة الدولية لمشكلة الصراع المسلح في دارفور.
*وصف الحالة و أسباب الصراع في الإقليم
يعتبر إقليم دارفور من الأقاليم القاحلة و الفقيرة التي تقع غرب السودان تقطنه قبائل عربية و أخرى إفريقية. و من المتعارف عليه تاريخيا و حتى اليوم، بأن القبائل العربية في إقليم دارفور < و تضم قبائل المسيرية، المحاميد، و الزريقات و المهيرية...> تعيش في حالة تنقل و تمارس الرعي، بينما القبائل الإفريقية < تضم قبائل الفور، الزغاوة، البرتي...> في ذات الإقليم و تمارس الزراعة.
و عندما يحاول الرعاة اللجوء إلى المناطق المخضرة هربا من الجفاف و التصحر، تضطر القبائل الإفريقية إلى الدفاع عن أراضيها مما يؤدي إلى نشوب نزاعات بين هذه القبائل، و لكن تعود هذه إلى وتيرتها السابقة من سلام و وئام و تبادل منافع.
إلا أن هناك عوامل أخرى أدت إلى تصاعد النزاع على الدرجة الخطيرة التي وصل إليها في الآونة الأخيرة و لعل أهمها: وفرة السلاح في المنطقة بين أيدي القبائل إضافة إلى هذا موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة <جون غارنغ>، الذي تمرد على الحكومة، إذ أنه و عندما انتقلت الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم عزا عدم إسناد دور بارز له إلى التفرقة العنصرية و تزامن ذلك مع استقالة عدد من أبناء دارفور من عنصرية الجبهة الإسلامية.
و في عام 2003 بدأت حركتا التمرد < حركة تحرير السودان و حركة العدل والمساواة > تشنان هجمات مشتركة على مراكز الشرطة و القوات المسلحة بلغت أوجها في أبريل 2003 و بدأت حركتا التمرد ترفعان شعارات المظالم السياسية و الاجتماعية والتنموية و الاقتصادية، و اتهامهم للحكومة بممارسة سياسة التطهير العرقي عبر مليشيات الجنجويد < و هي مليشيات مسلحة من القبائل العربية> التي استعانت الحكومة بها في قمع التمرد الأخير و ما صاحبه من عمليات نزوح جماعية داخل الإقليم و إلى دول تشاد المجاورة.
*دور الحكومة السودانية في التعامل مع الأزمة:
إزاء تصاعد و تيرة الأنباء عن انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور أمر الرئيس السوداني <عمر البشير> في مايو 2004، بتكوين لجنة لتقصي الحقائق حول هذه الانتهاكات، و في تقرير هذه الأخيرة الذي أعدته و سلمته اللجنة لرئيس الجمهورية حول نتائج أعمالها في 23 يناير 2005 أشارت إلى أن ما يحدث في دارفور بالرغم من جسامته إلا أنه لا يشكل جريمة الإبادة الجماعية، و ذلك لعدم توافر شروطها، ولكنها أشارت إلى انتهاكات القانون الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان، و جرائم ضد الإنسانية، وأتت على ذكر مجموعة كبيرة من الجرائم المرتكبة أهمها: < حرق القرى، القتل، الاغتصاب، التهجير القسري، الاعتقال، التعذيب، الإعدام خارج نطاق القضاء...و غيرها من الجرائم> و أوصت اللجنة في ختام تقريرها إلى ضرورة الإسراع في تشكيل لجان للتحقيق القضائي والإداري فيما ورد من انتهاكات و اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من تقوم عليه البينة.
و إزاء تباطؤ تكوين هذه اللجان و الإخفاقات المتتالية لوضع حد لتلك الكارثة الإنسانية فقد قامت الأمم المتحدة ومن طرف الأمين العام لها "كوفي عنان" بإنشاء لجنة دولية للوقوف على حقيقة الوضع في دارفور.
*قرار مجلس الأمن رقم (1593) و المعالجة الدولية لمشكلة الصراع المسلح في دارفور:
*قرار مجلس الأمن رقم (1593):
ينص قرار مجلس الأمن رقم (1593) الذي اتخذه في جلسته (5158) المنعقدة في 31 مارس 2005 ما يلي:
"إن مجلس الأمن
إذ يحيط علما بتقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في دارفور.
و إذ يشير إلى المادة 16 من نظام روما الأساسي بأنه لا يجوز للمحكمة الجنائية الدولية البدء و المضي في تحقيق أو مقاضاة لمدة اثنتي عشر شهرا بعد أن يتقدم مجلس الأمن بطلب بهذا المعنى.
وإذ يشير أيضا إلى المادتين 75 و 79 من النظام الأساسي
و إذ يشجع الدول على الإسهام في الصندوق الإستئماني للمحكمة الجنائية الدولية المخصص للضحايا ،
و إذ يحيط علما بوجود الاتفاقات المشار إليها في المادة 98/2 من نظام روما الأساسي،
و إذ يقرر أن حالة السودان لا تزال تشكل تهديدا للسلام و الأمن الدوليين،
و إذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة،
1- يقرر إحالة الوضع القائم في دارفور منذ 1 تموز / يوليو 2002 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية .
2 - يقرر أن تتعاون حكومة السودان و جميع أطراف الصراع الأخرى في دارفور تعاونا كاملا مع المحكمة و المدعي العام و أن تقدم إليهما كل ما يلزم من مساعدة، عملا بهذا القرار، وإذ يدرك أن الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي، يحث جميع الدول والمنظمات الإقليمية و الدولية الأخرى المعنية على أن تتعاون كاملا .
3- يدعو المحكمة و الإتحاد الإفريقي إلى مناقشة الترتيبات العملية التي ستيسر عمل المدعي العام و المحكمة، بما في ذلك إمكانية إجراء مداولات في المنطقة، من شأنها أن تسهم في الجهود الإقليمية المبذولة لمكافحة الإفلات من العقاب .
4- يشجع أيضا المحكمة أن تقوم حسب الاقتضاء، وفقا لنظام روما الأساسي، بدعم التعاون الدولي بجهود داخلية لتعزيز سيادة القانون و حماية حقوق الإنسان و مكافحة الإفلات من العقاب في دارفور.
5- يشدد أيضا ضرورة العمل على التئام الجروح و المصالحة و يشجع في هذا الصدد على إنشاء مؤسسات تشمل جميع قطاعات المجتمع السوداني، من قبيل لجان تقصي الحقائق و/أو المصالحة، وذلك لتدعيم الإجراءات القضائية و بالتالي تعزيز الجهود المبذولة لاستعادة السلام الدائم ، بمساعدة ما يلزم من دعم الإتحاد الإفريقي و الدعم الدولي.
6- يقرر إخضاع مواطني أي دولة من الدول المساهمة من خارج السودان، لا تكون طرفا في نظام روما الأساسي أو مسئوليها أو أفرادها الحاليين أو السابقين، للولاية الحصرية لتلك الدولة المساهمة عن كل ما يدعي ارتكابه أو الامتناع عن ارتكابه من أعمال نتيجة للعمليات التي أنشأها أو أذن بها المجلس أو الإتحاد الإفريقي، أو فيما يتصل بهذه العمليات ما لم تتنازل تلك الدولة المساهمة عن هذه الولاية الحصرية تنازلا واضحا . 7- يسلم بأنه لا يجوز أن تتحمل الأمم المتحدة أية نفقات متكبدة فيما يتصل بالإحالة بما فيها النفقات المتعلقة بالتحقيقات أو الملاحقات القضائية فيما يتصل بتلك الإحالة و أن تتحمل تلك التكاليف الأطراف في نظام روما الأساسي و الدول التي ترغب في الإسهام فيها طواعية.
8- يدعو المدعي العام إلى الإدلاء ببيان أمام المجلس في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ اتخاذ هذا القرار و مرة كل ستة أشهر، بعد ذلك عن الإجراءات عملا بهذا القرار.
9- يقرر أن يبقي المسألة قيد نظره "
*المعالجة الدولية لمشكلة الصراع المسلح في دارفور:
أحال مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية طلبا لإجراء التحقيق حول إمكانية وقوع انتهاكات فظيعة للقانون الدولي الإنساني في الإقليم ارتكبتها قوات الحكومة السودانية و ميليشيات الجنجويد المتحالفة معها، بموجب القرار (1593) و الذي أصدره مجلس الأمن استنادا للفصل السابع على اعتبار أن ما حصل في دارفور تهديدا للأمن و السلم الدوليين، ووفقا لذلك فقد خاطبت المحكمة الحكومة السودانية التي لم تنضم إلى نظام روما الأساسي طالبة منها إجراء التحقيقات اللازمة عن هذه الانتهاكات، و الذي حصل أن الحكومة السودانية لم تحرك ساكنا بشأن التحقيق، فالقضاء السوداني لم يجري أي تحقيقات حول ما يزعم من ارتكاب جرائم دولية في الإقليم.
و في ظل هذه الأوضاع فإن المحكمة الجنائية الدولة استنادا لاختصاصها القضائي في النظر بإمكانية تطبيقها لمبدأ التكامل بين القضاء الدولي ممثلا بها و القضاء الوطني السوداني، وحيث زعمت المحكمة بأن القضاء السوداني غير راغب مع قدرته على إجراء التحقيقات اللازمة و من ثم إجراء المحاكمات الضرورية بحق المتهمين بارتكاب الانتهاكات الخطيرة في الإقليم و تحديد كل من زعيم ميليشيات الجنجويد "علي كوشيب" الذي تؤكد المحكمة رغم النفي السوداني الرسمي أنه لا يزال يتمتع بحماية السلطات السودانية، والسيد"علي هارون" و الذي تمت ترقيته بعد اتهام المحكمة إلى منصب وزير الدولة لشؤون المساعدات الإنسانية فقد صدرت مذكرة بتوقيفهما في أبريل/نيسان 2007 باتهامهما ارتكاب جرائم ضد إنسانية و جرائم حرب في دارفور.
و في 14 يوليو/تموز 2008 أصدر مدعي المحكمة الجنائية الدولية "موريس مورينو أوكامبو" مذكرة يطالب فيها الدائرة التمهيدية المختصة بأن تصدر أمرا بالقبض على الرئيس السوداني "عمر البشير" بالاتهامات ذاتها، و قد استند المدعي العام في طلبه هذا إلى معطيين أساسين:
* قرار مجلس الأمن بإحالة ملف انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية فقد اعتبر المدعي العام أن محكمة الجنايات الدولية باتت هي المختصة بمعالجة ملف دارفور وفق النظام الأساسي لهذه المحكمة على الرغم من أن السودان ليست طرفا في هذا النظام.
*تقارير دولية حصل عليها تشير إلى تعرض قبائل معينة من سكان دارفور لعمليات قتل جماعي في هجمات قامت بها قوات الجيش السوداني و قوات مليشيات الجنجويد المتحالفة معها راح ضحيتها أعداد كبيرة من البشر، تهجير و تشريد أديا إلى نزوح ما يقارب مليوني شخص تحولوا إلى لاجئين داخل و خارج الإقليم، انتهاكات منظمة لحقوق الإنسان شملت جرائم اغتصاب و اعتداءات جنسية متنوعة و تسببت في وفاة ما يقارب مائتي ألف شخص ... فحسب ما جاء في هذه التقارير فقد رأى المدعي العام بأنها تتسم بالجدية الكافية .
وتتضمن أدلة توجب توجيه الاتهام، فقد طالب في تقريره بإلقاء القبض على رأس النظام الحاكم تمهيدا لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية و وفق القواعد المقررة في نظامها الأساسي.
و لكن المدعي العام عاد و اعترف في المذكرة ذاتها بأن الرئيس السوداني لم يرتكب تلك الجرائم بشكل مباشر و لكنها ادعت ارتكابه لها من خلال أوامره التي أصدرها لأتباعه باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، فحسب المذكرة فإنه لا يمكن الحديث عن عدم علمه بارتكابهم "أتباعه" للجرائم بشكل يتعارض مع إرادته، و النتيجة تحميل الرئيس السوداني المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم التي ارتكبت في دارفور.
و ما يمكننا التنويه إليه في الأخير فإن بعض المراقبين يرون أن هذا التقرير يعد الأخطر الأهم في تاريخ العلاقات الدولية و من المرجح أن تكون له نتائج حاسمة تمس مصير و مستقبل القانون الدولي و ذلك للأسباب التالية:
- أنه يعد حالة فريدة في التاريخ، فلم يسبق مطلقا أن طلبت جهة دولية حكومية إلقاء القبض على رئيس دولة أثناء ممارسته الفعلية للسلطة تمهيدا لمحاكمته، فهذه الحالة ليست لها مثيل في تاريخ العلاقات الدولية، فمن الطبيعي أن يشكل إجراء كهذا، في سياق كهذا قفزة كبيرة في مجهول يصعب التكهن بكل أبعاده و نتائجه. – رتب التقرير بمجرد صدوره نتائج سياسية و قانونية غير معتادة، سواء استجابة الدائرة التمهيدية المختصة أو لم تستجب لطلب المدعي العام.
ففي حالة الاستجابة يصبح رئيس الدولة السوداني متهما رسميا من وجهة نظر القانون الدولي و يتعين بالتالي إيقافه عن العمل و إلقاء القبض عليه، و هو أمر لا يملك المجتمع الدولي وسائل تنفيذه، إلا إذا أقدم مجلس الأمن على استخدام القوة المسلحة أو التصريح باستخدامها لهذا الغرض.
أما حالة الرفض فسيصبح المدعي العام في وضع صعب، و هو ما من شأنه إضعاف المحكمة الجنائية الدولية و التشكيك في مصداقيتها و ربما حتى في جدواها، كما أثار القرار غضبا شعبيا يجعل من مهمة القبض على "البشير" أمرا عسيرا و ربما فاشلا.