{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ } [البقرة:198]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج
قوله في مساق ذكر الحج: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [198].
يدل على جواز التجارة في الحج ، حتى لا يتوهم متوهم أن ذلك لا يجوز، حتى لا يصرفه عن إكمال الحج ، كما لا يجوز الإصطياد.
قوله تعالى: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ} [198]:
فيه دليل على أن الوقوف بعرفة من مناسك الحج..
{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة:199]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج
وقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ} [199]..
قيل: معناه أنه خطاب للحمس وهم قريش، فإنهم كانوا يقفون بالمزدلفة،ويقف سائر الناس بعرفات، فلما جاء الإسلام، أمرت قريش بأن تفيض من حيث أفاض الناس ويقفوا منهم..
(1/88)
________________________________________
وقال الضحاك: إنه أراد به الوقوف بالمزدلفة، وأن يفيضوا من حيث أفاض إبراهيم عليه السلام، وسماه الناس، كما سماه أمة، لأنه بوحدته أمة كالناس، وأكثر الناس على القول الأول، إلا أن قول الضحاك أقوى من حيث دلالة النظم، فإن الله تعالى قال: {فإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}، فذكر الإفاضة من عرفات، ثم أردف ذلك بقوله: {ثُمَّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}، وثم تقتضي الترتيب لا محالة، فعلمنا أن هذه الإفاضة، هي بعد الإفاضة من عرفات، وليس بعدها إفاضة، إلا من المزدلفة وهي المشعر الحرام، فكان حمله على هذا، أولى منه على الإفاضة من عرفة، لأن الإفاضة من عرفة، قد تقدم ذكرها، فلا وجه لإعادتها.
ويبعد أن يقول: {فَإذَا أَفَضْتُم مِنْ عَرَفَاتٍ، فَاذْكُرُوا اللهَ} بعد الإفاضة من المشعر الحرام، ثم أفيضوا من عرفات.
وغاية ما قيل في القول الآخر: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}، عائد إلى الكلام الأول، وهو الخطاب بذكر الحج ومناسكه، ثم قال: أيها المأمورون بالحج من قريش - بعدما تقدم ذكرنا له - أفيضوا من حيث أفاض الناس، فيكون ذلك راجعاً إلى صلة خطاب المأمورين، وهو كقوله تعالى:
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ تَمَامَاً عَلىَ الّذِي أَحْسَنَ}. والمعنى: ثم بعد ما ذكرنا لكم، أخبركم أنا أتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن.
ويعترض عليه، أن ذكر الإفاضة إذا تقدم وعقب بعده بنسك آخر، يقتضي الإفاضة، فلا يحسن أن يذكر بكلمة ثم ما يرجع على الإفاضة من الذي تقدم، دون أن يرجع إلى ما يليه.
وقد قيل: إن ثم بمعنى الواو، ولا يبعد أن يقول: {فَإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَر الحَرَامِ}، {ثُمَّ أفيضوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ}، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الّذيِنَ آمَنُوا...} ومعناه: كان من الذين آمنوا، {ثُمَّ اللهُ شهيدٌ} ومعناه "والله شهيد".
(1/89)
________________________________________
فقيل لهم: قد ذكر الإفاضة من عرفات، فأي معنى لذكر الإفاضة ثانياً؟
فأجابوا: بأن فائدته أن يعلم أنه ليس خطاباً لمن كان يقف بها من قبل، دون من لم يكن يرى الوقوف بها، فيكون التاركون للوقوف على ملة إبراهيم في الوقوف بالمزدلفة دون عرفات، فأبطل ظان الظان لذلك بقوله: {أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}..
أما كون الوقوف ركناً لا يصح الحج بدونه، فإنما علم بالإجماع وفيه إخبار أيضاً، فمنه ما رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال:
سئل النبي عليه السلام: كيف الحج؟ قال: "يوم عرفة، من جاء عرفة ليلة جمع قبل الفجر فقدتم حجه"..
وروى الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي عليه السلام قال بالمزدلفة:
"من صلى معنا هذه الصلاة، ووقف معنا هذا الموقف، ووقف بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه ".
وليس وجوب الوقوف والإعتداد به مخصوصاً بالليل أو النهار، فالوقوف نهاراً غير مفروض، وإنما هو مسنون، وقد دل ما رويناه من الخبر ومطلق قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا}، على عدم اختصاصه بليل أو نهار، ولا يعرف لمذهب مالك وجه، إلا أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون منها، إذا صارت الشمس على رؤوس الجبال، كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنما كانوا يدفعون من المزدلفة، بعد طلوع الشمس، فخالفهم النبي عليه السلام، ودفع من عرفات بعد الغروب، ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس، فرأى أن خاصية الشريعة في مراغمة الكفار في عاداتهم، والمراغمة إنما تحصل بالوقوف ليلاً..
والذي قالوه، لا يقتضي أن يكون فرضاً، بل يجوز أن يكون ندباً، فإثبات الوجوب على هذا المعنى لا وجه له.
(1/90)
________________________________________
وقوله تعالى: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُروا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ}، ولم يختلف العلماء في أن المشعر الحرام هو المزدلفة، ويسمى جمعاً أيضاً، والذكر الثاني في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}، هذا الذكر المفعول عند المزدلفة غداة جمع، فيكون الذكر الأول غير الثاني، والصلاة تسمى ذكراً لقوله تعالى: {أقِمِ الصَّلاةََ َ لِذِكْرِي}.
فيجوز أن يفهم منه تأخير صلاة المغرب، إلى أن تجمع مع العشاء بالمزدلفة، وتواترت الأخبار في جمع النبي عليه السلام بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
واختلف فيمن صلى المغرب قبل أن يأتي المزدلفة، فالشافعي وأبو يوسف يجوزان، وأبو حنيفة ومحمد لا يجوزان.
فأما الوقوف بالمزدلفة فليس بركن عند أكثر العلماء.
وقال الأصم وابن علية: إنه ركن.
وقوله عليه السلام: الحج عرفة.
ومن وقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر، فقد تم حجه بإدراك عرفة، ولم يشترط معه الوقوف بجمع.
نعم قد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ}، والذكر بالإجماع ليس بواجب، ولعل المراد بالذكر الصلاة، وهي الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [البقرة:200]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج
قوله تعالى: {فَإذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أوْ أشَدَّ ذِكْراً} [200]:
قضاء المناسك أداؤها على التمام مثل قوله تعالى:
{فَإذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامَاً وَقُعُوداً}.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا"
يعني: فافعلوا على تمام.
(1/91)
________________________________________
وقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ}: فيه معنيان محتملان:
أحدهما: الأذكار المفعولة في خلال المناسك كقوله:
{إذَا طَلّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.
وهو مأمور به قبل الطلاق على مجرى قولهم: إذا حججت فطف بالبيت، وإذا صليت فتوضأ، وإذا أحرمت فاغتسل.
قوله تعالى: {فَاذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُروا اللهَ}، يجوز أن يريد به الأذكار المسنونة بعرفات والمزدلفة، وعند الرمي والطواف، وقد قيل فيه: إن أهل الجاهلية، كانوا يقفون عند قضاء المناسك، ذاكرين مآثرهم ومفاخرهم، فأبدلهم الله تعالى ذلك بذكره والثناء عليه، وقال صلى الله عليه وسلم:
"إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها للآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ثم تلا:
{يَا أَيُّهَا النّاسُ إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} إلى قوله {عَليِمٌ خَبِيرْ}.
الأحكام الواردة في سورة ( البقرة )
{ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [البقرة:203]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج
قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ في أَيّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} [203].
وقال في موضع آخر: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ في أَيّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.
فرأى الشافعي: أن "المعلومات": العشر الأول من ذي الحية، وآخرها يوم النحر.
وروي عن علي رضي الله عنه، أن "المعلومات" يوم النحر ويومان بعده، في أيهما شئت.
(1/92)
________________________________________
وروى الطحاوي عن أبي يوسف، أنه قال في جواب مسألة ابي العباس الطوسي، عن الأيام المعلومات، إنها أيام النحر، وقال: روي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وإليه أذهب، لأنه قال تعالى: {عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.
وحكى الكرخي عن محمد، أن الأيام المعلومات أيام النحر الثلاث: يوم الأضحى ويومان بعده.
وعن أبي حنيفة: المعلومات: العشر، ولم يختلف قول أبي حنيفة في ذلك كما لم يختلف قول الشافعي.
واحتجاج من احتج على أن المعلومات، أيام النحر، بقوله تعالى: {عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمةِ الأنْعَامِ}، لا يصح، لأن في العشر يوم النحر، وفيه الذبح، فعلى قول أبي يوسف ومحمد، لا فرق بين المعلومات والمعدودات، لأن المعدودات المذكورة في القرآن أيام التشريق فلا خلاف، ولا يشك أحد في أن المعدودات لا تتناول أيام العشر، فإن الله تعالى يقول: {فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَين فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثالث.
وروي عن ابن عباس أن المعلومات العشر، والمعدودات أيام التشريق، وهو قول الجمهور، وليس في الأدلة ما يقتضي افتراقهما.
ودلالة المعدودات على أيام التشريق بينة من جهة ما بعدها، فأما دلالة المعلومات على العشر، فليست ظاهرة من جنب الآية.
ولم يختلف أهل العلم أن أيام منى ثلاثة بعد يوم النحر، وأن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني منها، إذا رمى الجمار وينفر، وأن له أن يتأخر إلى اليوم الثالث، حتى يرمي الجمار فيه ثم ينفر.
قوله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [204]، مع قوله: {إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ}، تنبيه على الإحتياط، فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا، واستبراء أحوال القضاة والشهود..
(1/93)
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان