الملاحظات
2013-07-08, 21:16
#21
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ } [البقرة:198]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

قوله في مساق ذكر الحج: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [198].
يدل على جواز التجارة في الحج ، حتى لا يتوهم متوهم أن ذلك لا يجوز، حتى لا يصرفه عن إكمال الحج ، كما لا يجوز الإصطياد.
قوله تعالى: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ} [198]:
فيه دليل على أن الوقوف بعرفة من مناسك الحج..
{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة:199]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

وقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ} [199]..
قيل: معناه أنه خطاب للحمس وهم قريش، فإنهم كانوا يقفون بالمزدلفة،ويقف سائر الناس بعرفات، فلما جاء الإسلام، أمرت قريش بأن تفيض من حيث أفاض الناس ويقفوا منهم..
(1/88)
________________________________________
وقال الضحاك: إنه أراد به الوقوف بالمزدلفة، وأن يفيضوا من حيث أفاض إبراهيم عليه السلام، وسماه الناس، كما سماه أمة، لأنه بوحدته أمة كالناس، وأكثر الناس على القول الأول، إلا أن قول الضحاك أقوى من حيث دلالة النظم، فإن الله تعالى قال: {فإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}، فذكر الإفاضة من عرفات، ثم أردف ذلك بقوله: {ثُمَّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}، وثم تقتضي الترتيب لا محالة، فعلمنا أن هذه الإفاضة، هي بعد الإفاضة من عرفات، وليس بعدها إفاضة، إلا من المزدلفة وهي المشعر الحرام، فكان حمله على هذا، أولى منه على الإفاضة من عرفة، لأن الإفاضة من عرفة، قد تقدم ذكرها، فلا وجه لإعادتها.
ويبعد أن يقول: {فَإذَا أَفَضْتُم مِنْ عَرَفَاتٍ، فَاذْكُرُوا اللهَ} بعد الإفاضة من المشعر الحرام، ثم أفيضوا من عرفات.
وغاية ما قيل في القول الآخر: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}، عائد إلى الكلام الأول، وهو الخطاب بذكر الحج ومناسكه، ثم قال: أيها المأمورون بالحج من قريش - بعدما تقدم ذكرنا له - أفيضوا من حيث أفاض الناس، فيكون ذلك راجعاً إلى صلة خطاب المأمورين، وهو كقوله تعالى:
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ تَمَامَاً عَلىَ الّذِي أَحْسَنَ}. والمعنى: ثم بعد ما ذكرنا لكم، أخبركم أنا أتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن.
ويعترض عليه، أن ذكر الإفاضة إذا تقدم وعقب بعده بنسك آخر، يقتضي الإفاضة، فلا يحسن أن يذكر بكلمة ثم ما يرجع على الإفاضة من الذي تقدم، دون أن يرجع إلى ما يليه.
وقد قيل: إن ثم بمعنى الواو، ولا يبعد أن يقول: {فَإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَر الحَرَامِ}، {ثُمَّ أفيضوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ}، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الّذيِنَ آمَنُوا...} ومعناه: كان من الذين آمنوا، {ثُمَّ اللهُ شهيدٌ} ومعناه "والله شهيد".
(1/89)
________________________________________
فقيل لهم: قد ذكر الإفاضة من عرفات، فأي معنى لذكر الإفاضة ثانياً؟
فأجابوا: بأن فائدته أن يعلم أنه ليس خطاباً لمن كان يقف بها من قبل، دون من لم يكن يرى الوقوف بها، فيكون التاركون للوقوف على ملة إبراهيم في الوقوف بالمزدلفة دون عرفات، فأبطل ظان الظان لذلك بقوله: {أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}..
أما كون الوقوف ركناً لا يصح الحج بدونه، فإنما علم بالإجماع وفيه إخبار أيضاً، فمنه ما رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال:
سئل النبي عليه السلام: كيف الحج؟ قال: "يوم عرفة، من جاء عرفة ليلة جمع قبل الفجر فقدتم حجه"..
وروى الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي عليه السلام قال بالمزدلفة:
"من صلى معنا هذه الصلاة، ووقف معنا هذا الموقف، ووقف بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه ".
وليس وجوب الوقوف والإعتداد به مخصوصاً بالليل أو النهار، فالوقوف نهاراً غير مفروض، وإنما هو مسنون، وقد دل ما رويناه من الخبر ومطلق قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا}، على عدم اختصاصه بليل أو نهار، ولا يعرف لمذهب مالك وجه، إلا أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون منها، إذا صارت الشمس على رؤوس الجبال، كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنما كانوا يدفعون من المزدلفة، بعد طلوع الشمس، فخالفهم النبي عليه السلام، ودفع من عرفات بعد الغروب، ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس، فرأى أن خاصية الشريعة في مراغمة الكفار في عاداتهم، والمراغمة إنما تحصل بالوقوف ليلاً..
والذي قالوه، لا يقتضي أن يكون فرضاً، بل يجوز أن يكون ندباً، فإثبات الوجوب على هذا المعنى لا وجه له.
(1/90)
________________________________________
وقوله تعالى: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُروا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ}، ولم يختلف العلماء في أن المشعر الحرام هو المزدلفة، ويسمى جمعاً أيضاً، والذكر الثاني في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}، هذا الذكر المفعول عند المزدلفة غداة جمع، فيكون الذكر الأول غير الثاني، والصلاة تسمى ذكراً لقوله تعالى: {أقِمِ الصَّلاةََ َ لِذِكْرِي}.
فيجوز أن يفهم منه تأخير صلاة المغرب، إلى أن تجمع مع العشاء بالمزدلفة، وتواترت الأخبار في جمع النبي عليه السلام بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
واختلف فيمن صلى المغرب قبل أن يأتي المزدلفة، فالشافعي وأبو يوسف يجوزان، وأبو حنيفة ومحمد لا يجوزان.
فأما الوقوف بالمزدلفة فليس بركن عند أكثر العلماء.
وقال الأصم وابن علية: إنه ركن.
وقوله عليه السلام: الحج عرفة.
ومن وقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر، فقد تم حجه بإدراك عرفة، ولم يشترط معه الوقوف بجمع.
نعم قد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ}، والذكر بالإجماع ليس بواجب، ولعل المراد بالذكر الصلاة، وهي الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [البقرة:200]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

قوله تعالى: {فَإذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أوْ أشَدَّ ذِكْراً} [200]:
قضاء المناسك أداؤها على التمام مثل قوله تعالى:
{فَإذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامَاً وَقُعُوداً}.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا"
يعني: فافعلوا على تمام.
(1/91)
________________________________________
وقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ}: فيه معنيان محتملان:
أحدهما: الأذكار المفعولة في خلال المناسك كقوله:
{إذَا طَلّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.
وهو مأمور به قبل الطلاق على مجرى قولهم: إذا حججت فطف بالبيت، وإذا صليت فتوضأ، وإذا أحرمت فاغتسل.
قوله تعالى: {فَاذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُروا اللهَ}، يجوز أن يريد به الأذكار المسنونة بعرفات والمزدلفة، وعند الرمي والطواف، وقد قيل فيه: إن أهل الجاهلية، كانوا يقفون عند قضاء المناسك، ذاكرين مآثرهم ومفاخرهم، فأبدلهم الله تعالى ذلك بذكره والثناء عليه، وقال صلى الله عليه وسلم:
"إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها للآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ثم تلا:
{يَا أَيُّهَا النّاسُ إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} إلى قوله {عَليِمٌ خَبِيرْ}.
الأحكام الواردة في سورة ( البقرة )
{ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [البقرة:203]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ في أَيّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} [203].
وقال في موضع آخر: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ في أَيّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.
فرأى الشافعي: أن "المعلومات": العشر الأول من ذي الحية، وآخرها يوم النحر.
وروي عن علي رضي الله عنه، أن "المعلومات" يوم النحر ويومان بعده، في أيهما شئت.
(1/92)
________________________________________
وروى الطحاوي عن أبي يوسف، أنه قال في جواب مسألة ابي العباس الطوسي، عن الأيام المعلومات، إنها أيام النحر، وقال: روي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وإليه أذهب، لأنه قال تعالى: {عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.
وحكى الكرخي عن محمد، أن الأيام المعلومات أيام النحر الثلاث: يوم الأضحى ويومان بعده.
وعن أبي حنيفة: المعلومات: العشر، ولم يختلف قول أبي حنيفة في ذلك كما لم يختلف قول الشافعي.
واحتجاج من احتج على أن المعلومات، أيام النحر، بقوله تعالى: {عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمةِ الأنْعَامِ}، لا يصح، لأن في العشر يوم النحر، وفيه الذبح، فعلى قول أبي يوسف ومحمد، لا فرق بين المعلومات والمعدودات، لأن المعدودات المذكورة في القرآن أيام التشريق فلا خلاف، ولا يشك أحد في أن المعدودات لا تتناول أيام العشر، فإن الله تعالى يقول: {فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَين فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثالث.
وروي عن ابن عباس أن المعلومات العشر، والمعدودات أيام التشريق، وهو قول الجمهور، وليس في الأدلة ما يقتضي افتراقهما.
ودلالة المعدودات على أيام التشريق بينة من جهة ما بعدها، فأما دلالة المعلومات على العشر، فليست ظاهرة من جنب الآية.
ولم يختلف أهل العلم أن أيام منى ثلاثة بعد يوم النحر، وأن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني منها، إذا رمى الجمار وينفر، وأن له أن يتأخر إلى اليوم الثالث، حتى يرمي الجمار فيه ثم ينفر.
قوله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [204]، مع قوله: {إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ}، تنبيه على الإحتياط، فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا، واستبراء أحوال القضاة والشهود..
(1/93)
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:17
#22
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ } [البقرة:198]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

قوله في مساق ذكر الحج: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [198].
يدل على جواز التجارة في الحج ، حتى لا يتوهم متوهم أن ذلك لا يجوز، حتى لا يصرفه عن إكمال الحج ، كما لا يجوز الإصطياد.
قوله تعالى: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ} [198]:
فيه دليل على أن الوقوف بعرفة من مناسك الحج..
{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة:199]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

وقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ} [199]..
قيل: معناه أنه خطاب للحمس وهم قريش، فإنهم كانوا يقفون بالمزدلفة،ويقف سائر الناس بعرفات، فلما جاء الإسلام، أمرت قريش بأن تفيض من حيث أفاض الناس ويقفوا منهم..
(1/88)
________________________________________
وقال الضحاك: إنه أراد به الوقوف بالمزدلفة، وأن يفيضوا من حيث أفاض إبراهيم عليه السلام، وسماه الناس، كما سماه أمة، لأنه بوحدته أمة كالناس، وأكثر الناس على القول الأول، إلا أن قول الضحاك أقوى من حيث دلالة النظم، فإن الله تعالى قال: {فإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}، فذكر الإفاضة من عرفات، ثم أردف ذلك بقوله: {ثُمَّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}، وثم تقتضي الترتيب لا محالة، فعلمنا أن هذه الإفاضة، هي بعد الإفاضة من عرفات، وليس بعدها إفاضة، إلا من المزدلفة وهي المشعر الحرام، فكان حمله على هذا، أولى منه على الإفاضة من عرفة، لأن الإفاضة من عرفة، قد تقدم ذكرها، فلا وجه لإعادتها.
ويبعد أن يقول: {فَإذَا أَفَضْتُم مِنْ عَرَفَاتٍ، فَاذْكُرُوا اللهَ} بعد الإفاضة من المشعر الحرام، ثم أفيضوا من عرفات.
وغاية ما قيل في القول الآخر: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}، عائد إلى الكلام الأول، وهو الخطاب بذكر الحج ومناسكه، ثم قال: أيها المأمورون بالحج من قريش - بعدما تقدم ذكرنا له - أفيضوا من حيث أفاض الناس، فيكون ذلك راجعاً إلى صلة خطاب المأمورين، وهو كقوله تعالى:
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ تَمَامَاً عَلىَ الّذِي أَحْسَنَ}. والمعنى: ثم بعد ما ذكرنا لكم، أخبركم أنا أتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن.
ويعترض عليه، أن ذكر الإفاضة إذا تقدم وعقب بعده بنسك آخر، يقتضي الإفاضة، فلا يحسن أن يذكر بكلمة ثم ما يرجع على الإفاضة من الذي تقدم، دون أن يرجع إلى ما يليه.
وقد قيل: إن ثم بمعنى الواو، ولا يبعد أن يقول: {فَإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَر الحَرَامِ}، {ثُمَّ أفيضوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ}، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الّذيِنَ آمَنُوا...} ومعناه: كان من الذين آمنوا، {ثُمَّ اللهُ شهيدٌ} ومعناه "والله شهيد".
(1/89)
________________________________________
فقيل لهم: قد ذكر الإفاضة من عرفات، فأي معنى لذكر الإفاضة ثانياً؟
فأجابوا: بأن فائدته أن يعلم أنه ليس خطاباً لمن كان يقف بها من قبل، دون من لم يكن يرى الوقوف بها، فيكون التاركون للوقوف على ملة إبراهيم في الوقوف بالمزدلفة دون عرفات، فأبطل ظان الظان لذلك بقوله: {أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ}..
أما كون الوقوف ركناً لا يصح الحج بدونه، فإنما علم بالإجماع وفيه إخبار أيضاً، فمنه ما رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال:
سئل النبي عليه السلام: كيف الحج؟ قال: "يوم عرفة، من جاء عرفة ليلة جمع قبل الفجر فقدتم حجه"..
وروى الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي عليه السلام قال بالمزدلفة:
"من صلى معنا هذه الصلاة، ووقف معنا هذا الموقف، ووقف بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه ".
وليس وجوب الوقوف والإعتداد به مخصوصاً بالليل أو النهار، فالوقوف نهاراً غير مفروض، وإنما هو مسنون، وقد دل ما رويناه من الخبر ومطلق قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا}، على عدم اختصاصه بليل أو نهار، ولا يعرف لمذهب مالك وجه، إلا أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون منها، إذا صارت الشمس على رؤوس الجبال، كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنما كانوا يدفعون من المزدلفة، بعد طلوع الشمس، فخالفهم النبي عليه السلام، ودفع من عرفات بعد الغروب، ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس، فرأى أن خاصية الشريعة في مراغمة الكفار في عاداتهم، والمراغمة إنما تحصل بالوقوف ليلاً..
والذي قالوه، لا يقتضي أن يكون فرضاً، بل يجوز أن يكون ندباً، فإثبات الوجوب على هذا المعنى لا وجه له.
(1/90)
________________________________________
وقوله تعالى: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُروا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ}، ولم يختلف العلماء في أن المشعر الحرام هو المزدلفة، ويسمى جمعاً أيضاً، والذكر الثاني في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}، هذا الذكر المفعول عند المزدلفة غداة جمع، فيكون الذكر الأول غير الثاني، والصلاة تسمى ذكراً لقوله تعالى: {أقِمِ الصَّلاةََ َ لِذِكْرِي}.
فيجوز أن يفهم منه تأخير صلاة المغرب، إلى أن تجمع مع العشاء بالمزدلفة، وتواترت الأخبار في جمع النبي عليه السلام بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
واختلف فيمن صلى المغرب قبل أن يأتي المزدلفة، فالشافعي وأبو يوسف يجوزان، وأبو حنيفة ومحمد لا يجوزان.
فأما الوقوف بالمزدلفة فليس بركن عند أكثر العلماء.
وقال الأصم وابن علية: إنه ركن.
وقوله عليه السلام: الحج عرفة.
ومن وقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر، فقد تم حجه بإدراك عرفة، ولم يشترط معه الوقوف بجمع.
نعم قد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ}، والذكر بالإجماع ليس بواجب، ولعل المراد بالذكر الصلاة، وهي الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [البقرة:200]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

قوله تعالى: {فَإذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أوْ أشَدَّ ذِكْراً} [200]:
قضاء المناسك أداؤها على التمام مثل قوله تعالى:
{فَإذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامَاً وَقُعُوداً}.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا"
يعني: فافعلوا على تمام.
(1/91)
________________________________________
وقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ}: فيه معنيان محتملان:
أحدهما: الأذكار المفعولة في خلال المناسك كقوله:
{إذَا طَلّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.
وهو مأمور به قبل الطلاق على مجرى قولهم: إذا حججت فطف بالبيت، وإذا صليت فتوضأ، وإذا أحرمت فاغتسل.
قوله تعالى: {فَاذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُروا اللهَ}، يجوز أن يريد به الأذكار المسنونة بعرفات والمزدلفة، وعند الرمي والطواف، وقد قيل فيه: إن أهل الجاهلية، كانوا يقفون عند قضاء المناسك، ذاكرين مآثرهم ومفاخرهم، فأبدلهم الله تعالى ذلك بذكره والثناء عليه، وقال صلى الله عليه وسلم:
"إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها للآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ثم تلا:
{يَا أَيُّهَا النّاسُ إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} إلى قوله {عَليِمٌ خَبِيرْ}.
الأحكام الواردة في سورة ( البقرة )
{ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [البقرة:203]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ في أَيّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} [203].
وقال في موضع آخر: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ في أَيّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.
فرأى الشافعي: أن "المعلومات": العشر الأول من ذي الحية، وآخرها يوم النحر.
وروي عن علي رضي الله عنه، أن "المعلومات" يوم النحر ويومان بعده، في أيهما شئت.
(1/92)
________________________________________
وروى الطحاوي عن أبي يوسف، أنه قال في جواب مسألة ابي العباس الطوسي، عن الأيام المعلومات، إنها أيام النحر، وقال: روي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وإليه أذهب، لأنه قال تعالى: {عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.
وحكى الكرخي عن محمد، أن الأيام المعلومات أيام النحر الثلاث: يوم الأضحى ويومان بعده.
وعن أبي حنيفة: المعلومات: العشر، ولم يختلف قول أبي حنيفة في ذلك كما لم يختلف قول الشافعي.
واحتجاج من احتج على أن المعلومات، أيام النحر، بقوله تعالى: {عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمةِ الأنْعَامِ}، لا يصح، لأن في العشر يوم النحر، وفيه الذبح، فعلى قول أبي يوسف ومحمد، لا فرق بين المعلومات والمعدودات، لأن المعدودات المذكورة في القرآن أيام التشريق فلا خلاف، ولا يشك أحد في أن المعدودات لا تتناول أيام العشر، فإن الله تعالى يقول: {فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَين فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثالث.
وروي عن ابن عباس أن المعلومات العشر، والمعدودات أيام التشريق، وهو قول الجمهور، وليس في الأدلة ما يقتضي افتراقهما.
ودلالة المعدودات على أيام التشريق بينة من جهة ما بعدها، فأما دلالة المعلومات على العشر، فليست ظاهرة من جنب الآية.
ولم يختلف أهل العلم أن أيام منى ثلاثة بعد يوم النحر، وأن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني منها، إذا رمى الجمار وينفر، وأن له أن يتأخر إلى اليوم الثالث، حتى يرمي الجمار فيه ثم ينفر.
قوله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [204]، مع قوله: {إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ}، تنبيه على الإحتياط، فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا، واستبراء أحوال القضاة والشهود..
(1/93)
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:18
#23
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [البقرة:215]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحج

قوله: {يَسْألُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِديْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [215]:
يبعد حمله على الواجب الثابت في الحال، فإنه لا يجب الإنفاق على اليتامى والمساكين والذي يجب لهم الزكاة، وذلك لا ينصرف إلى الوالدين والأقربين، إلا أنه يحمل على صدقة التطوع.
ويجوز أن يريد به الصدقة المتطوع بها.
ويجوز أن يريد به إبانة مصارف المال التي يستحق بها الثواب.
وقد قيل: قد انتسخت بآية الزكاة.. هذا على تقدير كون المراد بالآية الزكاة، فإنها تجب لليتامى والمساكين..
ويبعد أن يقال: إن المراد في البعض التطوع، وفي البعض الفرض، واللفظ واحد...
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـائِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلـائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة:216-217]
(1/94)
________________________________________
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الجهاد

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ} [216].
وذلك إما أن يكون مجملاً موقوفاً على بيان يرد ما بعده من البيان، لامتناع قتال الناس كلهم، وإما أن يكون مبنياً على معهود متقدم، ولا يعقل دون هذين.
قوله: {يَسْألُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فيهِ} الآية [217]:
وقال عطاء: لم ينسخ ذلك وكان يحلف عليه.
وقال آخرون: هي منسوخة بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ}.
ولا شك أن عموم ذلك، يرفع خصوص ما قبله عند الشافعي، وإن خالفه بعض الأصوليين في انتساخ القيد بالمطلق بعده، ورأوا نسخ القتال في البلد الحرام، بعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، وهذا أيضاً من قبيل الأول.
نعم صح ورود العمومين بعد المقيدين.
وذكر الحسن وغيره، أن الكفار سألوا النبي عليه السلام عن ذلك على جهة التعنيت للمسلمين، باستحلالهم القتال في الشهر الحرام.
وقال آخرون: إن المسلمين سألوا عن ذلك ليعلموا كيف الحكم فيه.
وقيل: إنها نزلت على سبب، وهو قتل واقد بن عبدالله الحضرمي مشركاً، فقال المشركون: قد استحل محمد القتال في الشهر الحرام، ورأى المشركون مناقضة قولهم بإقامتهم على الكفر، مع استعظامهم القتل في الأشهر الحرام، مع أن الكفر أعظم الإجرام.
فإن وردت الآية العامة على هذا السبب، فلا شك في النسخ، فإن اللفظ العام في موضع السبب نص.
وفيه أيضاً شيء آخر وهو: أن الله تعالى نبه على العلة فقال: إنهم استعظموا القتل في الشهر الحرام، فالذي كان منهم أعظم، وإنما سقطت حرمتهم في الشهر الحرام، لعظم جرائمهم، وهو الكفر بالله في الشهر الحرام.
الأحكام الواردة في سورة ( البقرة )
(1/95)
________________________________________
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذالِكَ يُبيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [البقرة:219]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الحدود
2)…المطعومات
3)…المعاملات

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ} الآية [219]...
فأما تحريم الخمر، فيمكن أن يوجد من هذا، لأن قوله عز وجل: {وإثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}، يدل على المفسدة في شربها، وأن ما فيها من المنفعة لا يقاوم بالمفسدة.
ويمكن أن يقال لا، بل في شرب الخمر مفسدة عظيمة، لإفضاء قليل الشرب إلى كثيره، وذلك يحتمل أيضاً وليس بنص.
وأما الميسر فهو في اللغة من التجزئة، وكل ما جزأته فقد يسرته، ويقال للجازىء ياسر لأنه يجزر الجزور، والميسر: الجزور نفسه إذا جزىء، وكانوا ينحرون جزوراً، ويجعلونه أقساماً، يتقامرون عليها بالقداح على عادتهم في ذلك، فكل من خرج له قدح، نظراً إلى ما عليه من التسمية، فيحكمون له بما يقتضيه من أسماء القداح، فسمي على هذا سائر ضروب القمار ميسراً.
وقال ابن عباس: "الميسر: القمار".
وقال عطاء: "حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز".
وكانت المخاطرة في أول الإسلام مباحة، حتى خاطرَ أبو بكر المشركين، حتى نزلت {ألَمْ، غُلِبَتِ الرُّومُ} فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: "زد في المخاطرة وامدد في الأجَل"، ثم حظر ذلك ونسخ بتحريم القمار، وحرم القمار مطلقاً، إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب والإبل والنصال، واستثنى ذلك لأن فيه رياضة للخيل وتدريباً لها على الركض، وفيها قوة واستظهار على العدو، وقال تعالى:
(1/96)
________________________________________
{وَأَعِدُّو لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخيل} يقتضي جواز السبق بها، لما فيه من القوة على العدو، وكذلك الرمي.
وظاهر تحريم الميسر - وهو القمار- يمنع مخاطرة، يتوهم فيها إخفاق البعض وإنجاح البعض، وهو معنى القمار بعينه، وظاهره يمنع القرعة في العبيد، يعتقهم المريض ثم يموت، لما فيه من القمار في إنجاح البعض وإخفاق البعض، لولا ما فيه من الخبر الصحيح، الذي خص هذا العموم لأجله..
{ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:220]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…المعاملات
2)…الإجتهاد
3)…النكاح

قوله تعالى: {وَيَسْألُونَكَ عَنِ الَيَتَامَى قُلْ إصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وإنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ } [220]:
واليتيم: هو المنفرد عن أحد أبويه، فقد يكون يتيماً من جهة الأم مع بقاء أبيه، وقد يكون يتيماً من جهة الأب مع بقاء الأم، والإطلاق أظهر في اليتم من قبل الأب.
وظواهر القرآن في أحكام اليتامى، محمولة على الفاقدين لآبائهم وهم صغار.
ولا يحمل ذلك على البالغ، إلا على وجه المجاز عند قرب العهد بالبلوغ، واليتيم في الأصل إسم للمنفرد، ولذلك سميت المرأة المنفردة عن الزوج يتيمة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، قال الشاعر:
* إن القبور تنكح الأيامى * النسوة الأرامل اليتامى *
وتسمى الرابية يتيمة لانفرادها عما حواليها من الأرض.
ويقولون: الدرة اليتيمة لأنها كانت مفردة لا نظير لها.
(1/97)
________________________________________
قال ابن عباس: لما نزل قوله تعالى: {إنَّ الّذيِنَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمَاً إنّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارَاً}، كره المسلمون أن يضموا اليتامى إليهم، وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء فنزل قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وإنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ}..
{وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ} أي أخرجكم وضيق عليكم، ولكن وسع ويسر فقال: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}.
وقال عليه السلام: "إبتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة".
وتوفرت الأخبار في دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة به.
وقد جوزت الآية ضروباً من الأحكام:
أحدها: قوله تعالى: {قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}، فيه الدلالة على جواز خلط ماله بماله، وجوز التصرف فيه بالبيع والشراء إذا وافق الصلاح، وجواز دفعه إلى غيره مضاربة، وفيه دلالة على جواز الإجتهاد في أحكام الحوادث، لأن الإصلاح الذي تتضمنه الآية إنما يعلم من طريق الإجتهاد، وغالب الظن.
فإذا ثبت ذلك، فقد اختلف العلماء في أفراد تصرفات في مال اليتيم ونفسه، ومتعلق كل واحد منهم في تجويز ما جوزه ظاهر القرآن في ابتغاء المصلحة.
وقال أبو حنيفة: لولي الطفل أن يشتري ماله لنفسه بأكثر من ثمن مثله، لأنه إصلاح دل عليه ظاهر القرآن، والذي لا يجوز يقول: لم يذكر فيه المصرف بل قال: {إصْلاحٌ لَهُمْ} من غير أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر، وعندنا الجد يجوز له ذلك، والأب في حق ولده الذي ماتت والدته، يتصرف على هذا الوجه، ولا متعلق في الآية من، حيث العموم أصلاً، إذ ليس للمصرف ذكر يعم أو يحصر.
ويقول أبو حنيفة: إذا كان الإصلاح خيراً فيجوز تزويجه ويجوز أن يزوج منه.
والشافعي لا يرى التزويج أصلاً، إلا من جهة دفع الحاجة، ولا حاجة قبل البلوغ.
(1/98)
________________________________________
وأحمد يجوز للوصي التزويج لأنه إصلاح، ووجه قول الشافعي ما ذكرناه، والشافعي يجوز للجد التزويج مع الوصي لا بحكم هذه الآية.
وأبو حنيفة يجوز للقاضي تزويج اليتيم بظاهر القرآن، فهذه المذاهب نشأت من هذه الآية..
فإن ثبت كون التزويج إصلاحاً، فظاهر الآية يقتضي جوازه، ودل الظاهر على أن ولي اليتيم يعلمه أمر الدين والدنيا، ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلمه الصناعات، وله أن ينفق عليه من ماله، وإذا وهب لليتيم شيء فللوصي أن يقبضه له لما فيه من الإصلاح.
نعم، ليس في ظاهر الآية ذكر من يجوز له التصرف ولا يجوز، ويجوز أن يكون معنى قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى}، أي يسألك القوام عن اليتامى الكافلين لهم، وذلك مجمل لا يعلم منه غير الكافل والقيم، وما يشترط فيه من الأوصاف..
{ وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَائِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [البقرة:221]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…النكاح

قوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ} [221]:
وقد روي عن ابن عمر، أنه كان إذا سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية قال: "إن الله تعالى حرم المشركات على المسلمين ولا أعلم شيئاً من الشرك أكثر من أن يقول: "عيسى ربنا"..
وأما الباقون فإنهم جوزوه تعلقاً بقوله تعالى: {وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤمِناتِ والمُحصناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قبلكم}.
(1/99)
________________________________________
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:22
#24
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
ولا تعارض بين هذا وبين قوله: {وَلاَ تَنْكِحوا المُشْرِكاتِ}، فإن ظاهر لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب، لقوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.
وقال: {لَمْ يَكُنِ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ والمُشْرِكِيِنَ مُنْفَكِّينَ}
ففرق بينهم في اللفظ، وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، إلا بدليل يقتضي الإفراد تعظيماً على خلاف ظاهر اللفظ كقوله:
{مَنْ كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ}.
{وإذ أَخذْنا مِنَ النّبِيّيِنَ ميثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}
إلا أن ذلك خلاف الوضع الأصلي، ولأن إسم الشرك عموم وليس بنص. وقوله: {والمُحْصَنَاتُ مِنَ الذيِنَ أُوتوا الكِتَابَ} بعد قوله {والمُحْصَنَات مِنَ المُؤمِنَاتِ} نص، فلا تعارض بين المحتمل وبين ما ليس بمحتمل.
وليس من التأويل قول القائل: أراد بقوله:
{والمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.
أي أوتوا الكتاب من قبلكم وأسلموا.
وكقوله تعالى: {وَإنَّ مِنْ أَهْلِ الكِتابِ لمنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ}.
وقوله: {مِنْ أهْلِ الكِتَابِ أُمّةٌ قَائمَةٌ} الآية.
فإن الله تعالى قال: {والمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ}، ثم قال: {والمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.
والقسم الثاني على هذا الرأي هو القسم الأول بعينه.
ولأنه لا يشكل على أحد جواز التزوج بمن أسلمت وصارت من أعيان المسلمين.
قالوا: فقد قال الله تعالى: {أُولَئِكَ يَدعُونَ إلىَ النّارِ}، [221] فجعل العلة في تحريم نكاحهن الدعاء إلى النار.
والجواب عنه أن ذلك علة لقوله تعالى: {وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}، لأن المشرك يدعو إلى النار.
(1/100)
________________________________________
وهذه العلة تطرد عندنا في جميع الكفار، فإن المسلم خير من الكافر مطلقاً، وهذا بين.
فإن زعموا أن قوله تعالى:
{لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنونَ بِاللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ}.
وقوله: {لاَ تَتّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يأْلُونَكُمْ خَبَالاً}.
وقوله تعالى: {لاَ يَتخِذُ المُؤْمِنُونَ الْكَافِرِيِنَ أَوْلِيَاءَ}.
صريح في تحريم النكاح، الذي هو سبب الإتحاد والوصلة والسكن والرحمة، وكيف يجوز أن يحصل لنا مع الكفار ما قاله الله تعالى:
{خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَل بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}؟
والجواب: أن ذلك منع من موادة ومخالطة، ترجع إلى المحاباة في أمر الدين، وما أوجب الله على المسلمين من قتالهم والتغليظ عليهم دون التودد إليهم، في حفظ ذمتهم وعصمتهم، ومبايعتهم ومشاراتهم والإنفاق عليهم، إذا كانوا مملوكين، إلى غير ذلك مما يخالف الشرع، ويورث المودة.
وقد قيل: إن الآية نزلت في مشركي العرب المحاربين، الذين كانوا لرسول الله أعداء وللمؤمنين، فنهوا عن نكاحهن، حتى لا يملن بهم إلى مودة أهاليهن من المشركين، فيؤدي ذلك إلى التقصير منهم في قتالهم دون أهل الذمة.
والمراد به غير الذين أمرنا بترك قتالهم، إلا أن أصحاب الشافعي يتعلقون بقوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ}، في تحريم الأمة الكتابية مطلقاً، في حالتي وجود طوْل الحرة وعدمها.
فقيل لهم: فقد قال: {والمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذيِنَ أوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، وذلك يعارض هذا؟
فأجابوا بأن سياق الآية يدل على الإختصاص بالحرة لأنه قال:
{والمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذيِنَ أوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.
(1/101)
________________________________________
ثم قال: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنََّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ}.
وكل ذلك مخصوص بالحرة، غير متصور في الأمة بحال.
ولأنه تعالى قال بعده: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَولاً أَنْ يَنْكِحَ المُحصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ المُؤْمِنَاتِ}.
فلو كان إسم المحصنات يتناول الإماء لما قال:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فدل أن المحصنة المذكورة ها هنا هي الحرة، فلا تعلق للمخالف بالآية.
ولهم أن يقولوا على ما تعلقنا به من عموم لفظ المشركة: إن الآية ظاهرها الحرة، فإنه تعالى قال: {ولأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكةٍ} ولو كانت المشركة عامة في الجميع، لما صح هذا القول.
فعلم أن الآية سيقت لبيان تحريم المشركات الحرائر، ثم المشركات الإماء معلومات من طريق الفحوى والأولى.
وظن قوم أن قوله تعالى: {ولأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}، يدل على جواز نكاح الأمة مع وجود الطول، لأن الله تعالى أمر المؤمنين بتزويج الأمة المؤمنة، بدلاً من الحرة المشركة التي تعجبهم لوجدان الطول إليها، وواجد الطول إلى الحرة المشركة، هو واجده إلى الحرة المسلمة.
وهذا غلط من الكلام فإنه ليس في قوله: {ولأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خيرٌ مِنْ مُشْرِكة} ذكر نكاح الإماء في تلك الحال، وأنه لا خلاف في أن نكاح الإماء مكروه مع القدرة على طول الحرة، وإنما ذلك تنفير عن نكاح الحرة المشركة، فإن العرب كانوا بطباعهم نافرين عن نكاح الإماء، فقال: {ولأمةٌ مؤْمِنَةٌ خيرٌ منْ مُشْرِكَةٍ}، فإذا نفرتم عن نكاح الأمة المسلمة فإن المشركة أولى بأن تكرهوا نكاحها.
الأحكام الواردة في سورة ( البقرة )
(1/102)
________________________________________
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:23
#25
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة:222]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الطهارة

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحيضِ} الآية [222]:
قد يكون إسماً للحيض نفسه.
ويجوز أيضاً أن يكون موضع الحيض كالمقيل والمبيت، وهو موضع القيلولة والبيتوتة.
ودل اللفظ على أن المراد بالمحيض ها هنا الحيض، لأن الجواب ورد بقوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذَىً}، وذلك صفة لنفس الحيض لا للموضع الذي فيه.
ويحتمل أن يقال: قوله {فَاعْتَزِلُوا النسَاءَ في المَحيض}، هو موضع الحيض، لأن الإعتزال في المحيض لا يتحقق له معنى إذا أراد به نفس الدم.
وقد كان اليهود يتجنبون مؤاكلة النساء ومشاربتهن ومجالستهن في الحيض، فنسخ الإسلام ذلك، فسأل المسلمون عن الوطء، وقالوا: ألا نطأهن يا رسول الله؟ يعني أنه إذا لم نجتنب سائر الأعضاء منهن، فلا نجتنب موضع الحيض؟
فاستثنى الله تعالى موضع الحيض بقوله: {قٌلْ هُوَ أَذَىً}، أي موضع الأذى، وإلا فنفس الدم مجتنب ولا يقرب، وقد عرفوا نجاسته، فإن النجاسة مجتنبة، وذلك يقتضي كون التحريم مختصاً بموضع الأذى، وهو الصحيح من مذهب الشافعي.
وعبر عن الموضع بالأذى، مع أن الأذى ليس عبارة عن نفس النجاسة، بل هو كناية عن العيافة في حق متوخي النظافة.
وأبو حنيفة يحرم ما تحت الإزار، ويحتج بأن قوله تعالى: {فَاعْتَزِلوا النسَاءَ في المَحِيضِ}، دال على حظر ما فوق الإزار وما تحته، غير أنه قام الدليل فيما فوق الإزار في الإباحة، وبقي ما دونه على حكم العموم.
(1/103)
________________________________________
وهذا غير صحيح، فإنهم إنما سألوا بناء على ما علموا من استباحة مخالطتها في المأكل والمشرب والفراش، وإنما سألوا عن الوطء فقط، فلا يجوز أن تكون الآية دالة على الإعتزال المطلق، مع ما ذكرناه
وإنما معنى الآية: قل هو أذى فاعتزلوا إتيان النساء في المحيض، أو وطء النساء في المحيض، فهو مضمر محذوف دل عليه ما بعده وهو قوله تعالى:
{وَلاَ تَقْرَبُوُهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ}.
فمد التحريم إلى غاية التحليل، فذكر بعد الغاية الإتيان، فدل أن المحرم قبله هو الإتيان فقط.
ويدل عليه حديث حماد بن سلمة عن ثابت بن أنس، أن اليهود كانوا يخرجون الحائض من البيت، ولا يؤاكلونها ولا يجامعونها في بيت، فسئل النبي عليه السلام عن ذلك، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذَىً}، فقال صلى الله عليه وسلم: "جامعوهن في البيوت وافعلوا كل شيء إلا النكاح"..
وروي عن عائشة أن النبي عليه السلام قال لها: ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض، فقال: ليست حيضتك في يدك"..
وذلك يدل على كل عضو ليس فيه حيض، فهذا يدل على معنى الآية..
قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ}.
تنازع أهل العلم في معناه:
فقال قوم: هو انقطاع الدم، فيجوز وطؤها بعد انقطاع الدم، من غير فرق بين أقل الحيض وأكثره.
ومنهم من حرم قبل الغسل، من غير فرق بين أقل الحيض أو أكثره، وهو قول الشافعي.
وأبو حنيفة أباحه قبل الغسل، إذا انقطع الدم على الأكثر، وحرم إذا انقطع على ما دون الأكثر، مع وجوب الغسل عليها، مع الحكم بطهارتها.
أما من أتاح الوطء مطلقاً، فإنه يتعلق بقوله تعالى: {حَتّى يَطْهُرْنَ}، ومعلوم أنها طاهرة وأنما أراد به: حتى يطهرن من العارض وهو الحيض.
(1/104)
________________________________________
ويقال: طهرت من الحيض والنفاس "إذا زال الحيض والنفاس، ولذلك يقال زمان الطهر وزمان الحيض"، وإنما هو زمان طهر المرأة وإن لم تغتسل للأكثر.
وإذا لم تكن حائضاً فهي طاهرة، وليس بين كونها حائضاً وطاهرة درجة ثالثة، فقد طهرت إذا.
فهذا قول ظاهر إلا أن قوله: {فإذَا تَطَهّرْنَ}، يخالف هذا المذهب ظاهرة.
وكذلك قراءة التثقيل في قوله {حتى يطهرن}. وفيه احتمال. وهو أن يكون معنى قوله: {فإذا تَطَهَّرْنَ}، أي إذا حل لهن التطهر بالماء والتيمم، كما قال صلى الله عليه وسلم:
"إذا غابت الشمس أفطر الصائم" أي حل له أن يفطر.
وقال: "من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل"، أي حل له أن يحل.
ويقال للمطلقة إذا انقضت عدتها، إنها قد حلت للأزواج، ومعناه: أنه حل لها أن تتزوج.
وقال النبي عليه السلام لفاطمة بنت قيس: "إذا حللت فآذنيني"
وإذا احتمل ذلك، لم تزل الغاية عن حقيقتها بحظر الوطء بعدها فهذا أمر محتمل.
إلا أن الذي ينصر مذهب الشافعي يقول: إن الله تعالى قال:
{قُلْ هُوَ أَذىً فاعْتَزِلُوا النسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ}.
فيقتضي ذلك حتى يطهرن من الأذى وهو العيافة، وذلك لا يحصل بنفس انقطاع الدم قبل الإغتسال، ولذلك يسن لها أن تتبع بفرصة من مسك أثر الدم لإزالة بقية العيافة.
فالذي يستحب هذا القدر، كيف يرى زوال الأذى بمجرد انقطاع الدم، ثم لما قال تعالى:
{فإذا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} قال:
{إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَوّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهرِين}، وذلك يدل دلالة ظاهرة على تعلق قوله: {فإذا تطهّرْنَ} بقوله: {يُحِبُّ المُتَطَهِّرِين}.
وإنما يحب الله تعالى المتطهرين باختيارهم لا غير، فليكن قوله: {فإذَا تطهّرْنَ} محمولاً على التطهر بالإختيار وهو فعل، ويكون قوله أخيراً، بياناً لما تقدم، وهذا على مذهب الشافعي، فأما أبو حنيفة، فإن بعض الأصوليين من أصحابه يقول:
(1/105)
________________________________________
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:24
#26
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة:222]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الطهارة

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحيضِ} الآية [222]:
قد يكون إسماً للحيض نفسه.
ويجوز أيضاً أن يكون موضع الحيض كالمقيل والمبيت، وهو موضع القيلولة والبيتوتة.
ودل اللفظ على أن المراد بالمحيض ها هنا الحيض، لأن الجواب ورد بقوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذَىً}، وذلك صفة لنفس الحيض لا للموضع الذي فيه.
ويحتمل أن يقال: قوله {فَاعْتَزِلُوا النسَاءَ في المَحيض}، هو موضع الحيض، لأن الإعتزال في المحيض لا يتحقق له معنى إذا أراد به نفس الدم.
وقد كان اليهود يتجنبون مؤاكلة النساء ومشاربتهن ومجالستهن في الحيض، فنسخ الإسلام ذلك، فسأل المسلمون عن الوطء، وقالوا: ألا نطأهن يا رسول الله؟ يعني أنه إذا لم نجتنب سائر الأعضاء منهن، فلا نجتنب موضع الحيض؟
فاستثنى الله تعالى موضع الحيض بقوله: {قٌلْ هُوَ أَذَىً}، أي موضع الأذى، وإلا فنفس الدم مجتنب ولا يقرب، وقد عرفوا نجاسته، فإن النجاسة مجتنبة، وذلك يقتضي كون التحريم مختصاً بموضع الأذى، وهو الصحيح من مذهب الشافعي.
وعبر عن الموضع بالأذى، مع أن الأذى ليس عبارة عن نفس النجاسة، بل هو كناية عن العيافة في حق متوخي النظافة.
وأبو حنيفة يحرم ما تحت الإزار، ويحتج بأن قوله تعالى: {فَاعْتَزِلوا النسَاءَ في المَحِيضِ}، دال على حظر ما فوق الإزار وما تحته، غير أنه قام الدليل فيما فوق الإزار في الإباحة، وبقي ما دونه على حكم العموم.
(1/103)
________________________________________
وهذا غير صحيح، فإنهم إنما سألوا بناء على ما علموا من استباحة مخالطتها في المأكل والمشرب والفراش، وإنما سألوا عن الوطء فقط، فلا يجوز أن تكون الآية دالة على الإعتزال المطلق، مع ما ذكرناه
وإنما معنى الآية: قل هو أذى فاعتزلوا إتيان النساء في المحيض، أو وطء النساء في المحيض، فهو مضمر محذوف دل عليه ما بعده وهو قوله تعالى:
{وَلاَ تَقْرَبُوُهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ}.
فمد التحريم إلى غاية التحليل، فذكر بعد الغاية الإتيان، فدل أن المحرم قبله هو الإتيان فقط.
ويدل عليه حديث حماد بن سلمة عن ثابت بن أنس، أن اليهود كانوا يخرجون الحائض من البيت، ولا يؤاكلونها ولا يجامعونها في بيت، فسئل النبي عليه السلام عن ذلك، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذَىً}، فقال صلى الله عليه وسلم: "جامعوهن في البيوت وافعلوا كل شيء إلا النكاح"..
وروي عن عائشة أن النبي عليه السلام قال لها: ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض، فقال: ليست حيضتك في يدك"..
وذلك يدل على كل عضو ليس فيه حيض، فهذا يدل على معنى الآية..
قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ}.
تنازع أهل العلم في معناه:
فقال قوم: هو انقطاع الدم، فيجوز وطؤها بعد انقطاع الدم، من غير فرق بين أقل الحيض وأكثره.
ومنهم من حرم قبل الغسل، من غير فرق بين أقل الحيض أو أكثره، وهو قول الشافعي.
وأبو حنيفة أباحه قبل الغسل، إذا انقطع الدم على الأكثر، وحرم إذا انقطع على ما دون الأكثر، مع وجوب الغسل عليها، مع الحكم بطهارتها.
أما من أتاح الوطء مطلقاً، فإنه يتعلق بقوله تعالى: {حَتّى يَطْهُرْنَ}، ومعلوم أنها طاهرة وأنما أراد به: حتى يطهرن من العارض وهو الحيض.
(1/104)
________________________________________
ويقال: طهرت من الحيض والنفاس "إذا زال الحيض والنفاس، ولذلك يقال زمان الطهر وزمان الحيض"، وإنما هو زمان طهر المرأة وإن لم تغتسل للأكثر.
وإذا لم تكن حائضاً فهي طاهرة، وليس بين كونها حائضاً وطاهرة درجة ثالثة، فقد طهرت إذا.
فهذا قول ظاهر إلا أن قوله: {فإذَا تَطَهّرْنَ}، يخالف هذا المذهب ظاهرة.
وكذلك قراءة التثقيل في قوله {حتى يطهرن}. وفيه احتمال. وهو أن يكون معنى قوله: {فإذا تَطَهَّرْنَ}، أي إذا حل لهن التطهر بالماء والتيمم، كما قال صلى الله عليه وسلم:
"إذا غابت الشمس أفطر الصائم" أي حل له أن يفطر.
وقال: "من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل"، أي حل له أن يحل.
ويقال للمطلقة إذا انقضت عدتها، إنها قد حلت للأزواج، ومعناه: أنه حل لها أن تتزوج.
وقال النبي عليه السلام لفاطمة بنت قيس: "إذا حللت فآذنيني"
وإذا احتمل ذلك، لم تزل الغاية عن حقيقتها بحظر الوطء بعدها فهذا أمر محتمل.
إلا أن الذي ينصر مذهب الشافعي يقول: إن الله تعالى قال:
{قُلْ هُوَ أَذىً فاعْتَزِلُوا النسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ}.
فيقتضي ذلك حتى يطهرن من الأذى وهو العيافة، وذلك لا يحصل بنفس انقطاع الدم قبل الإغتسال، ولذلك يسن لها أن تتبع بفرصة من مسك أثر الدم لإزالة بقية العيافة.
فالذي يستحب هذا القدر، كيف يرى زوال الأذى بمجرد انقطاع الدم، ثم لما قال تعالى:
{فإذا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} قال:
{إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَوّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهرِين}، وذلك يدل دلالة ظاهرة على تعلق قوله: {فإذا تطهّرْنَ} بقوله: {يُحِبُّ المُتَطَهِّرِين}.
وإنما يحب الله تعالى المتطهرين باختيارهم لا غير، فليكن قوله: {فإذَا تطهّرْنَ} محمولاً على التطهر بالإختيار وهو فعل، ويكون قوله أخيراً، بياناً لما تقدم، وهذا على مذهب الشافعي، فأما أبو حنيفة، فإن بعض الأصوليين من أصحابه يقول:
(1/105)
________________________________________
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:26
#27
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
إنا نعمل بالقراءتين، فنحمل القراءة المشددة قي قوله: {حَتّى يَطْهُرْنَ} على انقطاع الدم على ما دون الأكثر، فإن عند ذلك لا يحل الوطء قبل الغسل، والقراءة المخففة في قوله {حتّى يَطْهُرْنَ} على انقطاع الدم على الأكثر.
وهذا قول بعيد، وأقل ما فيه إخراج قوله تعالى: {فإذَا تَطَهّرْنَ} عن كونه حقيقة في الإغتسال، إذا حمل على انقطاع الدم على الأكثر، وحمله على حقيقته في الإغتسال، إذا حمل على انقطاع الدم على الأكثر، وحمله على حقيقته في الإغتسال، إذا كان انقطاع الدم على ما دون الأكثر، وذلك بعيد جداً.
ولأن الآية لو كانت متناولة للحالتين، كان تقدير الكلام: حتى يغتسلن" في آية "ولا يغتسلن" في آية أخرى، أو قراءة أخرى، ويكون ذكر المحيط متناولاً لهما جميعاً، ولا يكون فيه بيان المقصود، فيكون مجملاً غير مفيد للبيان.
ولأنه إذا كانت قراءة التشديد حقيقة في الإغتسال، وقد حملوها على انقطاع الدم فيما دون الأكثر، فيجب أن يتوقف الحل فيه على الإغتسال، وقد قالوا:
"إذا دخل وقت الصلاة وإن لم تغتسل حل للزوج وطؤها".
فجعلوا وجوب الصلاة والصوم مجوزاً للوطء، ولم يجعلوا وجوب الغسل مجوزاً.
فإن حملوا قراءة التشديد على الغسل، لزمهم أن يوقفوا الحل على الغسل، فلا هم عملوا بقراءة التخفيف ولا بقراءة التشديد، وإن موهوا باعتذارات في وجوب الصلاة، فلا أثر لها في إخراج قراءة التشديد عن كونها حقيقة، ومقصودهم مراعاة القراءتين، في إلحاق إحداهما بالحقيقة والأخرى بالمجاز..
{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [البقرة:223]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…النكاح

قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُم أَنّى شِئْتُمْ} [223]:
(1/106)
________________________________________
فالحرث المزدرع، وهو في هذا الموضع كتاية عن الجماع، وتسمى النساء حرثاً لأنهن مزدرع الأولاد.
وقال أكثر الفقهاء: {فَأتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُم}، يدل على أن المراد به موضع الحرث.
واشتهر عن مالك إباحة ذلك.
وقوله {أَنّى شِئْتُمْ} يحتمل كيف شئتم، ويحتمل أين شئتم فلفظ {أنى} يحتملهما جميعاً.
وروي عن جابر أن اليهود قالوا للمسلمين: "من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول"، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤكُمْ حَرثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج".
ومالك يحتج بقوله تعالى: {وَالّذيِنَ هُمْ لِفُرُوجهِمْ حَافِظُون إلاَّ عَلىَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ}، وأن عموم ذلك يقتضي إباحة وطئهن في الموضع الذي جوزنا وطأهن فيه.
قيل قوله: {إلاَّ عَلىَ أَزْوَاجِهِمْ} دال على الإباحة المطلقة لا على موضع الإباحة، كما لم يدل على وقت الإباحة في الحائض وغيرها.
ومما تعلق به من حرم الوطء أن قوله تعالى: {قُلْ هوَ أذَىً}، تعليل تحريم وطء الحائض، بما يقتضي تحريم الوطء في الذي ينازعنا فيه فإنه موضع الأذى.
وهذا المعنى كان يقتضي تحريم وطء المستحاضة، لولا الحرج في تحريم وطئها، لطول أمد الإستحاضة.
ومعنى الأذى ليس يستقل بتحريم الوطء، لولا إيماء الشرع إليه. فإذا عرفت ذلك فاعلم أن قولنا: "ليس هذا موضع الحرث "، لا يظهر دلالته على تحريم الوطء فيه، كالوطء فيما دون الفرج، ولكن دليل التحريم مأخوذ من غير ذلك قي قوله تعالى:
{فإذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} مع قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}.
إذ يدل على أن في المأتي اختصاصاً، وأنه مقصور على موضع الولد.
وروي عن محمد بن كقب القرظي، أنه كان لا يرى بذلك بأساً ويتأول فيه قوله تعالى:
(1/107)
________________________________________
{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ} ولو لم يبح مثله من الأزواج، لما صح ذلك.
وليس المباح من الموضع الآخر مثاله، حتى يقال: تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح.
وهذا فيه نظر، إذ معناه: وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعاً، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى.
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:224]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الأيمان والنذور

قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [224] فيه معنيان:
أحدهما: أن يتخذ يمينه حجة مانعة من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، فإذا طلبت منه المعاونة على البر والتقوى والإصلاح قال: قد حلفت، فيجعل اليمين معترضة بينه وبين ما ندب إلى فعله، أو أمر به من البر والتقوى والإصلاح، فلا جرم قال الشافعي:
الأيمان لا تحرم ما أحل الله، ولا تحل ما حرمه الله عن فعل، وإن الذي حل لكونه صلاحاً، لا يصير حراماً باليمين، فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك، فليفعل وليدع يمينه.
ودل عليه قوله تعالى:
{وَلاَ يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمُ والسعَة أَنْ يُؤْتُوا أُولي القُرْبَى} إلى قوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ}.
قال ابن سيرين: حلف أبو بكر رضي الله عنه، في يتيمين كانا في حجره، وكانا فيمن خاض في أمر عائشة، أحدهما مسطح وقد شهد بدراً، وقد أشهد الله تعالى أن لا يصلهما ولا يصيبان منه خيراً، فنزلت هذه الآية.:
وفي الخبر: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير".
وهو معنى قوله تعالى: {ولاَ تجْعَلُوا اللهَ عُرضةً لأَيْمَانِكُمْ}.
(1/108)
________________________________________
والوجه الثاني في التأويل: أن يكون معنى قوله: {عُرْضَةً لأيمانكم}، يريد به كثرة الحلف، وهو نوع من الجرأة على الله تعالى، والإبتذال لإسمه في كل حق وباطل، ومن أكثر من ذكر شيء، فقد جعله عرضة، كقول القائل:
"قد جعلتني عرضة للومك".
وذم الله تعالى مكثر الحلف بقوله تعالى:
{وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ}.
والمعنى: لا تعرضوا إسم الله تعالى، ولا تبتذلوه في كل شيء، لأن تبروا إذا حلفتم، وتتقوا المأثم فيها، إذا قلت أيمانكم، لأن كثرتها تبعد عن البر والتقوى، وتقرب من المأثم والجرأة على الله تعالى، وكأن المعنى: إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة عليها، لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح، فكونوا بررة أتقياء، كقوله تعالى:
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ}.
فأفادت الآية المعنيين، ومتضمنهما النهي عن ابتذال إسم الله سبحانه واعتراضه باليمين في كل شيء، حقاً كان أو باطلاً،والنهي أيضاً عن جعل اليمين مانعة من البر والتقوى والإصلاح.
ودل ذلك على أن اليمين يجوز أن يجعل سبباً للكفارة كما قاله الشافعي لأن إسم الله المعظم، صار متعرضاً للإبتذال بوصف الحنث، ووصف الحنث راجع إلى اليمين، فكانت اليمين سبباً، وليست اليمين عبادة لا يمكن جعلها سبباً للكفارة.
فإن الإكثار من العبادات مندوب إليه، والإكثار من اليمين منهى عنه.
والإكثار من العبادات تعظيم الله تعالى، والإكثار من اليمين تعريض الإسم للإبتذال.
فصح على هذا المعنى جعل اليمين سبباً، على خلاف ما رآه أبو حنيفة، وجاز لأجله تقديم الكفارة على الحنث، وجاز لأجله فهم إيجاب الكفارة في اليمين، على فعل الغير وعلى فعل نفسه، وعلى ما يجب فعله، وعلى ما لا يجب، وهو أصل الشافعي في الأيمان..
الأحكام الواردة في سورة ( البقرة )
(1/109)
________________________________________
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:28
#28
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [البقرة:225]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الأيمان والنذور

قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ} [225]:
اعلم أن اللغو مذكور ففي القرآن على وجوه، والمراد به معاني مختلفة على حسب اختلاف الأحوال التي خرج الكلام عليها.
فقال الله تعالى: {لاَ تَسْمَعُ فيهَا لاَغِيَةً} يعني كلمة فاحشة قبيحة.
{وَلاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً ولاَ تَأْثِيمَاً} على هذا المعنى، وقال:
{وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ}. يعني الكفر والكلام القبيح.
وقال: {وَالْغَوا فيِهِ لَعَلّكُمْ تَغْلِبُونَ}. يعني الكلام الذي لا يفيد شيئاً ليشتغل السامعون عنه بذلك، وقال:
{وَإذَا مَرُّوا بِاللّغْوِ مَرُّوا كِرَاماَ}. يعني بالباطل.
ويقال: لغا في كلامه يلغو إذا أتى بكلام لا فائدة فيه.
وقد روي في لغو اليمين معان عن السلف:
فروي عن ابن عباس أنه: هو في الرجل يحلف على الشيء يراه كذلك، ولا يكون كذلك.
وروي عن مجاهد وإبراهيم، قال مجاهد في قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُم بمَا عَقَدْتُمُ الأَيْمَانَ}.
أنه يحلف على الشيء وأنه يعلم، وهذا في معنى قوله: {بمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}.
وقالت عائشة: "هو قول الرجل: لا والله، بلى والله".
وكثرت أقاويل السلف فيه، وأقربها قول سعيد بن جبير: هو الرجل يحلف على الحرام فلا يؤاخذه الله بتركه.
وذلك يقرب من أحد تأويلي قوله عز وجل: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأَيمَانِكُمْ}.
وقد ظن قوم أن المراد به، المؤاخذة في الآخرة، فتجب الكفارة في الدنيا، وليس على ما ظنوه، فإنه تعالى قال في موضع آخر:
(1/110)
________________________________________
{لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللهُ باللّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخذكم بِمَا عَقَدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكفّارَتُهُ}.
فذلك يدل على أن المؤاخذة المذكورة في القسم الثاني، هي المتيقنة في القسم الأول.
وظن أبو حنيفة، أن قوله عقدتم، يدل على ما يتصور عقد العزم عليه من الأفعال، حتى يخرج منه اليمين على الماضي، وذلك إن صح له، فيخرج منه الأيمان على فعل الغير، وحنث النسيان وغيرهما، فالأقرب في معانيه، ما قالته عائشة وهو مذهب الشافعي..
{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [البقرة:226]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…النكاح (الإيلاء)

قوله تعالى: {للّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [226]:
ليس في نظم القرآن ما يدل على الجماع، ولا على الحلف على مدة معلومة، وإنما قال: {للّذيِنَ يُؤْلُونَ.. تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أشهرٍ}.
واختلفت تصرفات العلماء في ذلك.
فمنهم من جرى على العموم، ومنهم من خص.
فممن خص ذلك علي وابن عباس، صارا إلى أنه لو حلف لا يقربها لأجل الرضاع، لم يكن مؤلياً، وإنما يكون مؤلياً إذا كان على وجه الغضب.
ومنهم من لم يفصل بين اليمين المانعة من الجماع، والكلام والإتفاق، ولا بين الرضا والغضب، وهو قول ابن سيرين.
والأكثرون على أنه لا يعتبر قصد المضارة، حتى لو آلى في حالة رضاها، كان به مؤلياً.
والأولون يقولون: ما قصد حقها ولا مضارتها.
وفي قوله: {غَفُورٌ رحِيمٌ}، ما يدل على اعتبار قصد الاضرار.
فالأكثرون اعتبروا اليمين على ترك الجماع.
وقال الشافعي: إذا آلى أربعة أشهر ومضت المدة لم يكن مؤلياً.
وأبو حنيفة يوقع به الطلاق، وإن لم يبق الإيلاء بعده، لأنه رأى أن قوله تعالى: {تَرَبصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} يدل على ما قاله.
(1/111)
________________________________________
ولكن الشافعي يقول: قوله: {للّذِينَ يُؤْلُونَ.. تَرَبُّصُ}، يدل على أن مدة الأربعة أشهر حق له خالص، فلا يفوت به حق له، ولا يتوجه عليه مطالبة، أنه أجل مضروب له.
قوله تعالى: {فَإنْ فَاءُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيِمٌ} [226]:
والفىء في اللغة الرجوع، قال الله تعالى:
{حَتّى تَفِىءَ إلىَ أَمْرِ اللهِ}.
أي ترجع إلى أمر الله.
وعند ذلك قد يظن الظان: أن ظاهر اللفظ، يدل على أنه إذا حلف أن لا يجامعها على وجه الضرار، ثم قال: قد فئت إليك، وقد أعرضت عما عزمت عليه من هجران فراشك باليمين، أن يكون قد فاء إليها، سواء كان قادراً على الجماع أو عاجزاً.
وقد اتفق أهل العلم على أنه إذا أمكنه الوصول إليها، لم يكن فيؤه إلا الجماع.
وأبو حنيفة يقول فيمن آلى وهو مريض، أو بينه وبين زوجته المؤلى منها، مسيرة أربعة أشهر وهي رتقاء أو صغيرة، أو هو مجبوب أنه إذا فاء إليها بلسانه، ومضت المدة والعذر قائم، فذلك في صحيح.
والشافعي يخالفه على أحد مذهبيه، ووجه قوله: أنه إذا قال القائل: والله لا أجامع فلانة، فلا يكون حانثاً بقوله أجامعك، وإنما يكون حانثاً بما يكون منه مخالفاً، وإنما يكون مخالفاً بما يكون به حانثاً، ثم لا يكون حانثاً بمجرد القول، وكذلك لا يكون قد فاء بمجرد قوله: وإنما هو وعد الفيئة، إذ لو كان قد فاء حقاً لما احتاج بعده إلى تحقيق مقتضى قوله بالجماع، وهذا بين.
نعم إختلف قول الشافعي في المجبوب إذا آلى.
ففي قول: لا إيلاء له.
وفي قول: يصح إيلاؤه ويفىء باللسان.
والأول أصح وأقرب إلى مقتضى الكتاب، فإن الفيء هو الذي يسقط اليمين. والفيء بالقول لا يسقطه، فإذا بقيت اليمين المانعة من الحنث، بقي حكم الإيلاء.
{ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:227]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الطلاق
(1/112)
________________________________________
قوله عز وجل: {وإنْ عَزَمُوا الطّلاَقَ فَإنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [227]:
وذلك يقتضي أن لا يقع الطلاق بمجرد مضي المدة على ما قاله قوم، لأن مضي المدة لا يكون عزيمة على الطلاق، وإنما عزيمة الطلاق ما يتوقف على قصده.
فأما حكم الله تعالى الحاصل بمضي المدة، فلا يصح العزم عليه، فلا يقال: عزموا على مضي الشهر، أو غروب الشمس، أو طلوعها.
ومن فوائد هذه الآية: دلالة عمومها على صحة إيلاء الكافر والمسلم، سواء كان الإيلاء بعتق، أو طلاق، أو صدقة، أو حج، أو يمين بالله.
وأبو حنيفة يقول: لا يصح من الكافر ما كان بالتزام صدقة أو حج، ويصح ما كان بطلاق، أو عتاق، أو حلف بالله، وإن لم يلزمه بالحلف بالله عز وجل شيء، وصحح الإيلاء ممن لا يلتزم بالوقاع شيئاً، يتوقى الوقاع لأجل ذلك الأمر، مع أنه لو آلى بطلاق زوجته، أو عتاق عبده، فمات العبد قبل مضي المدة، بطل الإيلاء، لأنه لا يخشى التزاماً، فكذلك قياس قوله أن لا يصح منه الإيلاء إذا حلف بالله، لأنه لا كفارة عليه بالمخالفة.
واحتج محمد بن الحسن على امتناع جواز الكفارة قبل الحنث، بأن قال:
إنه لما حكم الله تعالى للمولى بأحد حكمين، من فيء أو عزيمة للطلاق، فلو جاز تقديم الكفارة على الحنث، لبطل الإيلاء بغير فيء ولا عزيمة طلاق، لأنه إن حنث فلا يلزمه بالحنث شيء، ومتى لم يلزم الحالف بالحنث شيء، لم يكن مؤلياً، وفي جواز تقديم الكفارة إسقاط حكم الإيلاء بغير ما ذكره الله تعالى، وذلك خلاف الكتاب.
وهذا غير صحيح لأن الله تعالى إنما أبقى حكم الإيلاء إذا بقيت المضارة، وإنما تبقى المضارة إذا كان يتوقع التزام أمر بالوقاع، فشرط بقاء الإيلاء بقاء حكمه، فإذا قدمه زال هذا المعنى، كما يزول بموت العبد المحلوف على عتقه، أو المرأة المحلوف على طلاقها، وليس يقتضي ذلك مخالفة الكتاب بل يطابق معناه إذا تأمل..
الأحكام الواردة في سورة ( البقرة )
(1/113)
________________________________________
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:30
#29
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:228]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الطهارة

قوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ في أَرْحَامِهِنَّ} [228]:
قال قائلون: لما وعظها بترك الكتمان، دل على وجوب قبول قولها فبنى عليه وقوع الطلاق عليها بقولها إذا قالت: حضت، وقد علق الطلاق على حيضها.
وهذا عندنا لا يقوى، فإنه ليس النهي عن الكتمان دالاً على أن قولها حجة على الزوج في قطع نكاحها، كما لا يدل على وقوع الطلاق على ضرتها، كيف وقوله تعالى: {يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ في أَرْحَامِهِنَّ} ليس يظهر في معنى الحيض لأن الدم إنما يكون حيضاً إذا سال، ولا يكون حيضاً في الرحم، لأن الحيض حكم يتعلق بالدم الخارج، فما دام الرحم فلا حكم له.
نعم يجوز أن يقال: إن كل دم سائل لا يكون حيضاً، وإنما يكون حيضاً بالعادة والوقت وبراءة الرحم من الحمل، فهي إذا قالت: حضت ثلاث حيض، وهذه الأمور التي يقف عليها الحيض من قبلها، فالقول قولها: وإنما التصديق متعلق بحيض قد وجد ودم قد سال.
(1/114)
________________________________________
وبالجملة قوله: {وَلاَ يَحِل لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ في أَرْحَامِهِنَّ}، ليس يظهر في الحيض، وإنما تظهر دلالته على الحمل، وهو مما يعرف بغير قولها، وإذا علق الطلاق فى حملها فقالت: أنا حامل، يقع الطلاق ما لم تستبرىء ويظهر حملها،ويجوز أن يكون معنى ذلك منعها من التزوج، ومنعها من إهلاك الولد وإجهاض الجنين، وهذا لا يبعد فهمه من الآية، فالمعتمد فيه الإجماع.
وقوله تعالى: {إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [228]:
وليس ذلك شرطاً في النهي عن الكتمان، وإنما هو على وجه التأكيد وهو كقوله تعالى:
{وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بهِمَا رَأْفَةٌ في دِينِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ تُؤمنونَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ}.
وقول مريم عليها السلام: {إنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِيّا}.
وقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ} الآية [228]:
اعلم أن الله تعالى سماه بعلاً، وذلك يدل على بقاء الزوجية، ولكن قال بردهن، وذلك يدل على وجود سبب يزول به النكاح.
ولا يبعد أن يقال: زال النكاح، وله الإستدراك، كما يزول الملك في زمن الخيار على قول، وله الإستدراك.
ودلت هذه الآية على جواز إطلاق العموم في المسميات، ثم يعطف عليه بحكم يختص به بعض ما انتظمه العموم، فلا يمنع ذلك اعتبار عموم فيما شمله، في غير ما يختص به المعطوف، لأن قوله: {والمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ}، عام في المطلقات ثلاثاً،وفيما دونها لا خلاف فيه.
ثم قوله: وبعولتهن: حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث، ولم يوجب ذلك الإقتصار بحكم قوله: {والمطلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُروءٍ} على ما دون الثلاث.. ونظيره من القرآن.
1)…النكاح (المهر)
2)…النفقات

قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وللرِجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [228]:
يقتضي وجوب حقوق لها في التحصن والنفقة والمهر.
(1/115)
________________________________________
وقوله: {وللرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} يقتضي أنه مفضل عليها وذكر الله تعالى بيان ذلك في قوله: {الرِّجَالُ قَوّامُونَ عَلىَ النساءِ بما فَضّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبما أنفَقوا منْ أموالهِمْ}.
فأخبر أنه جعل قيماً عليها بما أنفق من ماله، وفيه دليل على أنه: إذا أعسر بالنفقة لم يكن قيماً عليها، وإذا لم يكن قيماً عليها فهي كلحم على وضم فلا بد لها من قوّام، ولم يشرع النكاح إلا لتحصينها وحاجتها إلى القوام، فإذا زال هذا المعنى، فالأصل أن لا يثبت الرق على الحرة.
والشافعي يقول: لكونه قواماً عليها، يمنعها من الحج وصوم التطوع.
واعلم أن قوله تعالى: {يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنَّ ثلاثةَ قُروءٍ} تطرق إليه التخصيص في مواضع: منها في الأمة، ومنها في الآيسة والصغيرة، ومنها في الحامل في قوله:
{وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعنْ حَمْلَهُنَّ}، {والّلائي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ.. الآية}.
ومنه ما قبل الدخول بقوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}.
وقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدَّهِنَّ} خص منه ما قبل الدخول، وخص منه المطلق ثلاثاً.
1)…الطلاق

قوله تعالى: {والمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [228]:
واختلف أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلماء السلف في الثلاثة:
فقال قوم: الثلاثة من الحيض، فما لم تغتسل المرأة من الحيض فزوجها أحق بها.
وقالت عائشة: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا سبيل له عليها.
فالثلاثة إذاً من الأطهار.
وأما إسم الأقراء فيتناول الحيض والطهر جميعاً.
واختلفوا في كونه حقيقة فيهما، أو مشتركاً اشتراكاً لا يظهر رجحان أحد المعنيين على الآخر.
وقال قوم: هو حقيقة في الحيض ومجاز في الطهر، وذلك بحسب النظر في موضع الإشتقاق، واختلف فيه:
فمنهم من قال: القرء من الوقت، وعلى ذلك شواهد من اللغة.
(1/116)
________________________________________
وقال آخرون: هو من الجمع والتأليف، وعلى ذلك شواهد.
فإن كانت حقيقته الوقت، فقد ظن بعض أصحاب أبي حنيفة أن الحيض أولى به، لأن الوقت في الأصل إنما كان وقتاً لما يحدث فيه، والحيض هو الحادث، وليس الطهر شيئاً أكبر من عدم الحيض، وزوال العارض، والرجوع إلى ما كان في الأصل، فكان الحيض أولى بمعنى الإسم.
وهذا غير صحيح، فإن الحيض والطهر وصفان يعتوران على المرأة، ولكل واحد منهما وقت معلوم أقله وأكثره.
وهم يقولون: لكن الطهر إنما يعلم بغيره لا بنفسه، فإن الطهر لا نهاية لأكثره إذا هو عدم الحيض، وإنما يعلم بوجود الحيض.
قالوا: وإن كان القرء إسماً للضم والجمع، فهو أولى بالدم المجتمع.
ولا يتيقن كونه حالة الطهر، إذ لا يتعلق به حكم، وليس يبين لنا أن الدم يجتمع في حالة الطهر، بل يجوز أن يجتمع في حالة الحيض ويسيل فيه، فلا مستند لهذا القول.
وزعموا أن حد الحقيقة وجد في الحيض، لأن إسم القرء لا ينتفي عنه أصلاً، ولا يتحقق ذلك في الطهر، لأنه يوجد الطهر ولا يسمى قرءاً بحال مثل طهر الآيسة والصغيرة، فيظهر أن الطهر سمي قرءاً لمجاورته للحيض، فالحيض بذلك أولى.
وادعوا تطرق المجاز إلى قولنا من حيث اللغة من وجهين، ومن وجه ثالث، وهو أن مقتضى قولنا الاكتفاء بقرءين وبعض الثالث، وإطلاق إسم الجمع على شيئين وبعض الثالث مجاز على خلاف الحقيقة، وإنما يعلم ذلك بدليل مثل حمل أشهر الحج على شهرين وبعض الثالث، وإذا جعل للقرء بدل، وهو الأشهر، لا جرم كانت الأشهر ثلاثة تامة من غير نقصان ولا حطيطة، فليكن الطهر كذلك.
والذي توجه لأصحاب الشافعي على هذه الكلمات: أن الذي ذكره هؤلاء من مواضع الإشتقاق، لا يصح التعويل عليه في هذا الباب، فإنه لو قدر التصريح بمحال الإشتقاق على ما قالوه، لم ينتظم الكلام.
(1/117)
________________________________________
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان
2013-07-08, 21:32
#30
الصورة الرمزية أم عبد النور
أم عبد النور
:: عضوية شرفية ::
تاريخ التسجيل : Jul 2011
العمر : 20 - 25
الجنس : انثى
المشاركات : 4,704
تقييم المستوى : 17
أم عبد النور غير متواجد حالياً
افتراضي
وإذا كان الإسم مشتقاً من شيء، فيجب أن يكون بحيث لوصرح بموضع الإشتقاق يستقيم معنى الكلام، مثل قول القائل في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ والزَّانيِ}.
والزاني مشتق من الزنا، فلو ذكر موضع الإشتقاق وعلق عليه الحد، يستقيم معنى الكلام.
وها هنا: إن كان اشتقاق القرء من الوقت، فإذا ذكر الوقت في نفسه، أو الضم بلفظ الثلاث، لم يكن الكلام مستقيم النظم، فإنه لو قال:
"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة أوقات، أو ثلاثة اجتماعات"، ولم يضف الوقت إلى شيء، والإجتماع شيء، لم يصح معنى الكلام في إرادة الحيض والطهر جميعاً..
نعم إنما يستقيم النظر إلى موضع الإشتقاق من وجه آخر، وهو أن يجعل القرء مشتقاً من الإنتقال من حال إلى حال، فعل هذا يستقيم الكلام، إذا ذكر موضع الإشتقاق، فإنه إذا قيل: معنى الكلام: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة أدوار، أو ثلاثة انتقالات، فهي متصفة بحالتين فقط.
فتارة تنتقل من طهر إلى حيض.
وتارة تنتقل من حيض إلى طهر.
فيستقيم معنى الكلام في دلالته على الحيض والطهر جميعاً، فيصير الإسم مشتركاً.
أو يقال: إذا ثبت أن القرء هو الإنتقال، فخروجها من حيض إلى طهر غير مراد بالآية أصلاً، ولذلك لم يكن الطلاق في الحيض طلاقاً سنياً مأموراً به.
وقيل: إنه ليس طلاقاً على الوجه المأمور به، وهو الطلاق للعدة، فإن الطلاق للعدة ما كان في الطهر، وذلك يدل على كون القرء مأخوذاً من الإنتقال.
فإذا كان الطلاق في الطهر سبباً، فتقديرالكلام عدتهن ثلاثة انتقالات، فأولها:
(1/118)
________________________________________
هي الإنتقال من الطهرالذي وقع فيه الطلاق، والذي هو الإنتقال من حيض إلى طهر لم يجعل قرءاً، لأن اللغة لا تدل عليه، لكن عرفنا بدليل آخر، أن الله تعالى لم يرد من حيض إلى طهر، واللفظ دل على الإنتقال، والإنتقال محصور في الحيض والطهر، فإذا خرج أحدهما عن كونه مراداً، بقي الآخر، وهو الإنتقال من الطهر إلى الحيض مراداَ، فعلى هذا عدتها ثلاثة انتقالات: أولها: الطهر، وعلى هذا يمكن استيفاء ثلاثة أقراء كاملة، إذا كان الطلاق في حالة الطهر، فلا يكون ذلك حملاً على المجاز بوجه ما، وهذا نظر دقيق في غاية الإتجاه لمذهب الشافعي.
وأكثر ما يرد على هذا الكلام وجوه:
منها: أن ذلك خلاف ما قالته عامة العلماء، من أن القرء طهر أو حيض، وذلك إحداث قول ثالث.
وهذا لا وجه له، فإن القرء حقيقة في الإنتقال، ثم اختلف العلماء في المراد من الإنتقال: فإنه متردد في اللغة بين الحيض والطهر، فأما أن يكون القرء إسماً لنفس الطهر، أو إسماً لنفس الحيض حقيقة فلا، والدليل على موضع الإشتقاق قولهم: قرأ النجم: إذا طلع، وقرأ النجم إذا أفل، بمعنى تبدل الأحوال عليه.
نعم وضع اللغة يقضي أن يكون انتقالها من الطهر إلىالحيض قرءاً ومن الحيض إلى الطهر قرءاً ثانياً، ومن الطهر الثاني إلى الحيض الثاني قرءاً ثالثاً، وتنقضي عدتها بدخولها في الحيضة الثالثة، غير أن تحريم الطلاق في خاصة الحيض دل على أن ذلك الإنتقال - وهو من الحيض إلى الطهر - ليس مراداً بالآية.
ويمكن أن يذكر في ذلك شيء لا يبعد من دقائق حكم الشريعة، وهو أن الإنتقال من الطهر إلى الحيض، إنما جعل قرءاً لدلالته على براءة الرحم، فإن الحامل لا تحيض في الغالب، فحيضتها علم على براءة رحمها، والإنتقال من حيض إلى طهر بخلافه، فإن الحائض يجوز أن تحبل من أعقاب حيضتها، وإذا تمادى أمد الحمل، وقوي الولد انقطع دمها، ولذلك تمدح العرب بحبل نسائهم في حالة الطهر، ومدحت عائشة رسول الله بقول تأبط شراً:
(1/119)
________________________________________
* ومبرأ من كل غبر حيضة * وفساد مرضعة وداء مغيل *
تعني أن أمة لم تحمل به في الحيضة الثانية.
ومن أجل ذلك كان الإستبراء بحيضة، لأن المسبية لا تعرف حبلها فتستبرىء بحيضة، فإذا حاضت علمت براءة رحمها، إلا أن الإحتياط في العدة أكثر، فلم يكتف بدلالة واحدة دون الدلالات الثلاثة،فيحصل من مجموعها ما يقرب من اليقين، أو ما يتضاعف به الظن ويقوى، وإذا تقرر أن الأمر كذلك فالإنتقال من الطهر إلى الحيض، جعل قرءاً معتبراً لهذا المعنى.
فإن قالوا: فإذا كان الإنتقال من الطهر إلى الحيض جعل قرءاً، لدلالة ذلك الإنتقال من على براءة الرحم، فذلك الإنتقال لم يدل على براءة الرحم لأجل الطهر، وإنما دلالته للحيض، فالحيض هو الأصل في الدلالة ومتى كان هو الأصل في البراءة والدلالة عليها، فهوأولى بأن يجعل أصلاً في العدة من الطهر، فإن الطهر يقارن الحمل، فكيف يقع به الاستبراء؟ وإنما يقع الاستبراء بما ينافيه وهو الحيض، فيكون دلالة على براءة رحمها من الحمل.
وربما قرروا ذلك فقالوا: إن الحيضة الثانية اعتبرت احتياطاً، لأن في التكرار زيادة دلالة على البراءة.
فلا جرم؟ قيل إن الإستيراد يكتفي فيه بحيضة واحدة، ويعتبر في العدة الكاملة زيادة عدد، لزيادة الدلالة على قدر رتبة العدة، فإذا تعذر ذلك، وقيل: الثلاثة ها هنا مثل الواحدة في الإستبراء، فليكن العدد المعتبر في العدة الكاملة من جنس ما اعتبر في الاستبراء، وليكن العدد عدداً يزيد في الدلالة من جنس الأصل، والطهر لا دلالة فيه، فاعتبار العدد من الطهر لا معنى له، فعدد الثلاثة يجب أن يوجد من الحيض، فإذا شرعت في الحيضة الثالثة فليقل: يعتبر تمام دلالة هذه الثالثة، كما دلت الحيضتان من قبل، فاعتبار العدد من الطهر الذي لا دلالة لأصله مما وجه له.
(1/120)
________________________________________
وربما قالوا: الحمل إذا ظهر كان أولى من الحيض، لأن الوضع أقوى من الحيض، فتفاوت ما بين الحيض والطهر، كتفاوت ما بين الحيض والحمل، ثم الحمل أصلاً فليكن الحيض أصلا.
الجواب: أن الذي قالوه ليس كلاماً في مقتضى اللفظ، وإنما هو قياس في معاني الفقه، وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في اللفظ، وهو أن الله تعالى إذا قال: يتربصن ثلاثة انتقالات، وعرفنا أنه لم يرد به الإنتقالات كلها من الحيض إلى الطهر، ومن الطهر إلى الحيض، فإن ذلك يزيد على الثلاثة، فعرفنا أنه إنما عنى به الإنتقال الذي هو من الطهر إلى الحيض.
فهذا ما فهمناه من اللفظ، وجاز مع ذلك أن يقترن بالعدة قصدان وراء براءة الرحم، كالإختلاف بالحرية والرق، ووجوبها إلى سن اليأس، في حق التي انقطع حيضتها لعلة، وغير ذلك من المسائل، فإذا ثبت ذلك لم يرد عليه كل ما قالوه.
ودل على ما قلناه، أن الله تعالى قال: {فَطَلقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ} وقال صلّى الله عليه وسلم لعمر حين طلق ابنة امرأته وهي حائض: مره فليراجعها حتى تحيض ثم تطهر ثم يجامعها وليدعها حتى تطهر ثم ليطلقها إن شاء، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء.
وذلك إشارة إلى الطهر فدل أن العدة الطهر، وأمر بإحصاء العدة عقيب الطهر، فليكن المحصي بقية الطهر.
وأبو حنيفة لا يرى ذلك أصلاً، ولا يحصي عقيب الطلاق شيئاً.
وقوله تعالى: {لعدتهن} لا يجوز أن يريد به عدة ماضية قبل الطلاق، كما يقال: "صوموا لرؤيته" أي لرؤية ماضية...
فإن قيل: الطلاق ليس بعدة بالإتفاق، ولا يخطر ببال عاقل أن يقول: قوله عليه السلام لعمر: "حتى تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق فتلك العدة"، معناه: فتلك العدة الماضية أعني الحيضة الماضية، أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء، فإذا كان الطلاق في الطهر والإنتقال منه إلى الحيض، فتقدير الكلام:
إذا طلقتم النساء يتربصن بعد الطلاق السنى البدعي ثلاثة انتقالات:
(1/121)
________________________________________
أولها: الإنتقال مما سن الطلاق فيه، وذلك لا يكون إلا الطهر، وهذا بين ظاهر في تحقيق مذهب الشافعي من معنى الآية.
فإن قيل: العدة وأحكامها ثابتة في حالتي الطهر والحيض، فما معنى قوله تعالى لعدتهن؟
قيل: العدة مأخوذة من العد، فكأنه تعالى قال: فطلقوهن لِزَمن بعد ذلك من العدة، وذلك الطهر، فإن عدد الثلاث مأخوذ منه وهذا بين.
قالوا: فالمرأة قبل الدخول يجوز طلاقها في الحيض، فكيف يصح مطلق الآية على هذا التأويل؟
الجواب: أن معنى الكلام: إذا طلقتم النساء ذوات العدة، فطلقوهن لعدتهن.
قالوا: فإذا طلقها في طهر جامعها فيه، فبقية الطهر محسوبة، وإن لم يكن الطلاق سنياً.
الجواب: أن ذلك مخصوص من هذا العموم بدليل، وذلك لا ينافي دلالة اللفظ على ما تعلقنا به، وعلى أن في حق التي جومعت في طهرها، وإنما خرج الطلاق عن كونه سبباً لوجود ما يحتمل خروج الطهر به، عن أن يكون عدة تحصى بأن يبين حملها، حتى لو كانت آيسة لم يحرم طلاقها في طهر جامعها فيه.
ثم قوله تعالى: {يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُروُءٍ}، وإن كان عاماً في حق المنكوحة الحرة، والمنكوحة الأمة، ولكن الإجماع انعقد على أن عدة الأمة المنكوحة على النصف فتركناه لذلك.
الأحكام الواردة في سورة ( البقرة )
{ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [البقرة:229]
قائمة بأسماء المباحث في علوم القرآن التي تضمنتها الآيات الكريمة
1)…الطلاق (الخُلْع)
(1/122)
________________________________________
الكثيرون يسألونني عن انتمائي وأقول أن انتمائي لوطني
ووطني هو كل شبر فوق سطح الارض يرفع فيه الآذان

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جميع المقالات الفلسفية (شعبة العلوم التجربية - نظام جديد) Tassilialgerie شعبة العلوم التجريبية 55 2022-11-08 10:18
التناقض الكبير عندما يتعلق الامر بالانتخابات Tassilialgerie منتدى النقاش الحر 6 2016-01-20 15:43
كل ما يتعلق بالصيام mOuli رمضانيات طاسيلي الجزائري 4 2013-07-21 21:38
كل ما يتعلق برمضان wissam_boubi رمضانيات طاسيلي الجزائري 3 2013-07-05 18:11
فيما يتعلق بقضية الطالبة خولة abdouchoupo طاسيلي العام 10 2012-11-27 11:50

الساعة معتمدة بتوقيت الجزائر . الساعة الآن : 07:02
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي شبكة طاسيلي ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)