ها هو يُرتبُ كُتبَ مَكتبته وَيُنظّفها كما تُنظّف الأُم الحَنون صِغارها , يَمسح اجزائَها بِحرص يَتأملُها بِابتسامةِ رِضا , فَمَكتبتهُ هي عائلتُه وكُلّ كِتابٍ فِيها جُزء مِنه وحِين يَستعير النّاس الكُتب من مَكتبتِه يشعُر بِشعور الأبّ حِين يَترك ابنَه الَمنزل لِأوّل مرّة , وَبينما هو مُنغمسٌ فِي عَمله وهو يُهنهِم سَمع صَوت فَتح البَاب , فاذا بِه يَلتفتُ بعينِ لَاهفة , عينٍ تَبحثُ عن شخصٍ ما , نَظر فاذا هِي مَن يَنتظرها , صَديقةُ المَكتبة , فَهيَ تَأتي كُل اثنين تَستعير الكُتب وتُعيد ما قرَأته , وهُو يَنتظر بِفارغِ الصَبر قُدومها , لَم يَنجذب مِن قَبل لفتاةٍ مِثلها , فَهي لَيست كَغيرها من الفتيات ذاتَ شعرٍ غيرِ مُهندم وملابس عاديةٍ جداً أقرَب لأن تَكون بِلا أيّ تَفاصِيل وَشغوفةُ بِالقراءة ويَبدو انّها تَكتبُ ايضاً , يُراقِبها اثناء بَحثها عن الكُتب , تَبدو ساحرةً جداً وهِي تَبحث هُنا وهُنا وتَبتسم حِين تَجدُ كِتابها المُراد , لَم يجرُؤ على أن يَبدأ حِواراً مَعها مِن قَبل أو أن يَسأَلها عَن اسمِها فأسمَاها صَديقة المَكتبة ,وها هِي كَعادَتها تَرحلُ مِن جَديد بعدَ أن اخذَت بَعضَ الكُتب لِيبدَأ حَنِينُه لِيومِ الاثنين مِن جَديد .