1- القضاء على طبقة الأشراف و الأسياد و قيام الدولة القومية:
نتيجة للثورة ضد الإقطاع و الاستغلال أصبحت مقاليد الحكم في اروبا في يد عدد قليل من الحكام,فقد استطاع الملوك أن يجمعوا السلطات في أيديهم تدريجيا و يقضوا بالتالي على التفكك ممثلا في الإقطاعيات و بدلك ظهرت الدولة القومية في اروبا (فرنسا . اسبانيا . البرتغال. بريطانيا. هولندا …..) التي يحكمها ملك يمتلك سلطة مركزية داخل أراضيها,و قد ساهمت مجموعة من العوامل في القضاء غلى الإقطاع و ظهور الدولة القومية أهمها
ا- هروب رقيق الأرض إلى المدن أين يجدون حرية اكبر في العمل و بالتالي تخليهم عن الالتزامات الإقطاعية هو ما ساهم في زعزعة النظام الإقطاعي و دلك باعتبار الفلاحين ركيزة الإنتاج الزراعي في الإقطاعية- الضيعة-
ب- انتشار استعمال النقود ( المعدنية – الذهب و الفضة ) في التبادل ,حيث كان تجار و صناع المدينة يتعاملون بالنقود ,لدلك اجبر الإقطاعيون إثناء شراء منتوجاتهم إلى دفع المقابل نقدا و هو ما دفعهم إلى التعامل مع أقنان الأرض ( الفلاحين) بالنقود و هو ما أدى إلى تحول الالتزامات الإقطاعية إلى التزامات نقدية ( بعدما كانت عينية – سلع -) و هو ما ساهم في التخفيف من علاقة التبعية التي كانت تربط الفلاح بالسيد و تحولت علاقة التبعية هده إلى أن أصبحت في شكل أيجار .
ج – تحالف تجار المدينة مع الملوك من اجل القضاء على الإقطاع و دلك و دلك الاتفاق مصالح الطرفين
2 – ازدياد عدد السكان:
شهد سكان اروبا عامة و خاصة سكان المدن زيادة كبيرةابتداءا من منتصف القرن 16 و دلك لعدة أسباب و هو ما ساهم بدوره في زيادة الطلب على المنتجات الغذائية الشئ الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها
( أثمانها ) و هو ما أدى إلى التحول تدريجيا من زراعة الاكتفاء الذاتي إلى الزراعة الرأسمالية, ( حيث لم يعد المزارع يزرع و ينتج لنفسه و لأسرته أو للإقطاعية فقط بل أصبح ينتج لغرض البيع في السوق و تحقيق ربح ).
3 – الاكتشافات الجغرافية و الفتوحات الاروبية:
خرجت ارويا من عزلتها بعد اكتشافها طريق رأس الرجاء الصالح و الوصول إلى الشرق سنة 1498 و وصولها إلى العالم الجديد سنة 1492,حيث تمكنت من الحصول على مستعمرات واسعة في مختلف أنحاء العالم - أمريكا و أفريقيا و الشرق الأقصى – و كان لهده الفتوحات و الاكتشافات الجغرافية نتائج هامة على الصعيد الاقتصادي حيث ساهمت في ازدهار النظام الرأسمالي:
ا- أدت هده الأخيرة إلى اتساع نطاق الأسواق و المبادلات .
ب – تدفق كميات كبيرة من المعدن النفيس .
ج – توسع كبير في مختلف فروع الإنتاج - صناعة و زراعة .
4- التطور الفكري و الإصلاح الديني:
لم يعد الفكر الديني في أوربا يحتقر وينظر نظرة دونية إلى الأعمال و الأنشطة الاقتصادية خارج نطاق الزراعة كما كان سائدا في العصور الوسطى ,بل أصبح يقر بتفوق الذهاب إلى العمل على الذهاب إلى الكنيسة ,فأصبح للعمل في الزراعة و الصناعة و كل الأعمال و الأنشطة بمافيا الزراعة نفس الأفضلية,كذلك ظهرت أفكار جديدة لا تعتبر الإقراض بفائدة ربا و إنما مشاركة في الربح و هو ما أعطى دفع قوي للنظام الرأسمالي و لم يعد هناك صعوبات في الحصول على رؤوس الأموال .
5 – تطور النظم النقدية:
حيث لم يعد المدخر أو أصحاب الودائع يدفعون للصيارفة فوائد مقابل احتفاظهم بأموالهم بل أصبح الصيارفة يدفعون فوائد مقابل الودائع و المدخرات للمدخرين و المودعين و هو ما ساهم في زيادة الادخار و بالتالي توفر رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار .
و تجدر الإشارة هنا أن النظام الرأسمالي في أول عهده كان ذا صبغة تجارية و من هنا كانت تسمى المرحلة الأولى لهدا النظام بالرأسمالية التجارية.
أولا :الرأسمالية التجارية:
بدا عهد االراسمالية التجارية في أوربا على وجه التقريب من بداية القرن الساد س عشر و استمر خلال القرن السابع عشر و ظل تأثيره على الحياة الاقتصادية إلى غاية منتصف القرن الثامن عشر أين بدأت الرأسمالية الصناعية تاخد مجراها في المجتمعات الاروبية ,حيث سيطرت التجارة و المبادلات في هده المرحلة على النشاطين الزراعي و الصناعي,حيث أن كل ما كان ينتج يتم إنتاجه لغرض المبادلة - أي التجارة الداخلية و الخارجية - ( رأس المال التجاري سيطر على الزراعة الصناعة و جعلهما في خدمة التجارة مباشرة ),هدا و قد عرفت هده المرحلة ظهور طريقة الإنتاج الرأسمالية سواء في الزراعة أو الصناعة - ظهور طبقتين اجتماعيتين تختلفان على أساس اقتصادي و هما طبقة الرأسماليين أرباب العمل و طبقة العمال الأجراء تربطهما علاقة تعاقدية -.
بعد أن حققت الدول الاروبية وحدتها السياسية بدأت تعمل على تحقيق وحدتها و قوتها الاقتصادية ,حيث بدأت هده الأخيرة بالتدخل في الحياة الاقتصادية على نطاق واسع ابتداءا من القرن السادس عشر ,فلم يعد يقتصر دورها على سن التشريعات و القوانين بل تعدى دورها في المجال الداخلي الى تنظيم التجارة و الصناعة,كان تقوم الدولة بإنتاج أو تشجيع صناعة معينة,كما تقوم في المجال الخارجي بوضع قواعد لتنظيم شؤون تجارتها الخارجية كمنع تصدير سلعة معينة و قد أطلق على هده السياسة تعبير السياسة التجارية أو المركنتيلية و هي التي سادت في اروبا - اسبانيا و فرنسا و البرتغال- إلى منتصف القرن الثامن عشر.
و لقد ساعد على انتشار هده السياسة التجارية ظهور طبقة اجتماعية جديدة سرعان ما انتزعت مكانة مرموقة في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في عدد من دول اروبا و التي كانت مكونة من التجار و أرباب الأعمال و رجال المال ,حيث انسجمت مصالحهم مع مصالح الدول القومية – الملوك – و ازداد نفردهم و كانت حماية مصالحهم موضع اهتمام من طرف السياسيين و مالت بالتالي سياسة الدولة إلى تحقيق مصالح هده الفئة .
و لما كانت قوة الدولة و ثروتها تتحدد بمقدار ما تمتلكه من معادن نفيسة – دهب و فضة – فقد كان من المصلحة الاقتصادية للدولة الناشئة في اروبا أن تدعم نفوذها السياسي بقوة اقتصادية و دلك عن طريق الحصول على اكبر قدر من المعادن النفيسة – ( تولى الحاكم – الملك – إدارة مجهودات الدولة من اجل دلك ) – سواء عن طريق استغلال المناجم التي تحت سيطرتها أو عن طريق التجارة الخارجية و قد اخدت سياسة التجاريين صورا مختلفة نوجزها في ما يلي:
-1السياسة المعدنية في اسبانيا (القرن 16):
اتخذت السياسة التجارية في اسبانيا الشكل المعدني و يعتبر أكثر إشكال السياسة التجارية بساطة ,و تقوم هده السياسة على حصول الدولة على المعادن النفيسة بطريقة مباشرة سواء عن طريق استغلال مناجمها أو من مناجم مستعمراتها,و منع خروجها . . و قد تماشت هده السياسة مع حالة اسبانيا في القرن السادس عشر ,حيث تدفقت إليها كميات كبيرة من المعادن النفيسة من مستعمراتها في أمريكا – البيرو و المكسيك-,و بالتالي لم يستدعي الأمر إلا الاحتفاظ بهاو و منع خروجها ,و لتحقيق هدا الهدف قامت اسبانيا فضلا عن منع خروج الذهب و الفضة بإجبار المصدرين الأسبان على إعادة ثمن صادراتهم في شكل مبالغ نقدية مع إجبار المصدرين الأجانب بإخراج ثمن صادراتهم لاسبانيا في شكل سلع اسبانية لا في شكل نقود – دهب و فضة - ,هدا بالإضافة إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية الاسبانية – القيمة الاسمية - مقابل العملات الأجنبية من اجل اجتذابها إلى الداخل و بالتالي منع خروج العملة الوطنية إلى الخارج. و قد أدى كل هدا إلى تدفق كميات كبيرة من المعادن النفيسة إلى الخزينة الاسبانية و هو ما أدى إلى زيادة كمية النقود المتداولة الشئ الذي أدى إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار , ( الأمر الذي شجع في المرحلة الأولى بعض الصناعات و نشاط التجارة على اعتبار أن التاجر أو الصناعي يحقق ارباح في ظل ارتفاع الأسعار ) إلا أن هدا الارتفاع في الأسعار تواصل حتى بلغ مستويات قياسية ,و في ظل إهمال الأسبان للزراعة أدى هدا إلى انهيار الأوضاع الاقتصادية في اسبانيا و حدث شلل في التجارة الخارجية ,و هو الذي أدى إلى خروج كميات كبيرة من المعادن النفيسة و التي كانت تهرب إلى الخارج لفقدان الثقة في الاقتصاد الاسباني .
-2السياسة الصناعية في فرنسا القرن 17:
لم تكن لدى فرنسا مناجم غنية بالذهب و الفضة كاسبانيا,لدى كانت السياسة التجارية فيها مغايرة للسياسة المعدنية,لدلك طبقت فرنسا خلال القرن السابع عشر تحت قيادة الوزير كولبير سياسة تهدف إلى التأثير على حجم المعادن النفيسة التي تمتلكها الدولة عن طريق إقامة قاعدة صناعية قوية و قادرة على المنافسة الدولية ,تمكنها من زيادة الصادرات عن الواردات و تحقيق فائض في الميزان التجاري , ( و قد تم التركيز على الصناعة لان الزراعة أكثر عرضة للتقلبات الجوية و لان قيمة المنتوج الصناعي أعلى نسبيا مقارنة من المنتوج الزراعي في حالة تساوي الكمية ) ,هدا بالإضافة إلى إقامة أسطول بحري قوي و إقامة الشركات المتخصصة في التجارة الخارجية .
و لقد تم تطبيق هده السياسة الصناعية عن طريق تخفيض نفقات الإنتاج ( تخفيض الأجور و أسعار المنتجات الغذائية ),هدا بالإضافة إلى مساعدة المشروعات بتقديم إعفاءات ضريبية مع منحها امتيازات أخرى ( توفير أدوات العمل,استخدام العمالة الفنية الأجنبية ),هدا بالإضافة إلى إنشاء صناعات و مشروعات مملوكة للدولة ,بالإضافة إلى حماية الصناعة الوطنية عن طريق فرض رسوم جمركية عالية على المنتجات الأجنبية ذات المثيل المحلي مع إعفاء الواردات من المواد الأولية للازمة للصناعة المحلية من الرسوم الجمركية,هدا بالإضافة إلى منح إعانات لشركات التصدير ( الصادرات ) لزيادة قدرتها التنافسية في السوق الأجنبية.
ساهمت كل هده الإجراءات في تشجيع الصناعة الوطنية و بالتالي ساهمت في دخول كميات معتبرة من المعادن النفيسة عن طريق تحقيق فائض في الميزان التجاري .
.