عقد البيع في القانون المدني الجزائري
المبحــــــــث الأول : خصــــــائص عقــــــد البيــــــــع .
المطلـــــــب الأول : تعريـــف عقــــد البيـــع .
يعرف المشرع الجزائري عقد البيع في المادة 351 " هو عقد يلتزم بمقتضاه البائع بان ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا آخر في مقابل ثمن نقدي " ويقابله المشرع المصري في المادة 418 " عقد يلتزم به البائع بان ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا آخر في مقابل ثمن نقدي " ، أما التعريفات الفقهية فهي كثيرة في هذا الصدد إذ يعرفه الفقيه الصنهوري بأنه عقد ملزم لجانبين إذ هو يلزم البائع بان ينقل ملكية الشيء للمشتري أو حقا ماليا آخر ويلزم المشتري بان يدفع لبائع مقابلا لذلك ثمنا نقديا ويعرفه أيضا إسماعيل غانم بأنه " عقد يقصد به طرفاه أن يلتزم احدهما وهو البائع بان ينقل الملكية شيء أو حقا ماليا آخر في مقابل التزام الطرف الثاني وهو المشتري بثمن نقدي ".
والبيع لغة : مقابلة الشيء بشيء وقد ثبتت مشروعية البيع في القرآن الكريم والسنة المحمدية والإجماع ففي الكتاب العزيز ورد قوله تعالى في صورة البقرة 275 " ... واحل الله البيع ..." و 282 " ... واشهدوا إذا بايعتم ... " ، وفي السنة النبوية جاءت أحاديث كثيرة منها ما سئل النبي عن أي الكسب طيب فقال صلى الله عليه وسلم " عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة " كما أجاز العلماء البيع لحاجة الناس إليه في كل العصور والحكمة تقضيه لتامين حوائج الناس على التبادل مع الآخرين .
أما فقهاء الشريعة الإسلامية فعرفوا البيع بأنه "مبادلة مال بمال " فهم لا يفرقون بين البيع والمقايضة لان البيع عندهم أما أن يكون بيع العين بالنقد وهو البيع المطلق أو بيع العين بالعين وهو المقايضة أو بيع النقد بالنقد وهو الصرف ، وظاهر من ذلك أن تعريف الشريعة الإسلامية يفيد أن البيع ينقل الملكية بذاته ولا يقتصر على إنشاء التزام بنقل الملكية أو التزام بتسليم المبيع ..
بعد سرد مختلف التعاريف التي أتت بها مختلف التشريعات ورغم الانتقادات الموجهة إليها ننتهي بالقول إلى وجود خصائص يتميز بها عقد البيع غن غيره من العقود .
المطلب الثاني : خصـــــــائص عقد البيـــــــع .
الخاصية الأولى لعقد البيع اتجاه الإرادتين إلى إنشاء التزام بنقل الملكية أو الحق المالي : لا يقتصر البيع على حق الملكية بل يرد كذلك على سائر حقوق الذمة المالية العينية والشخصية والذهنية على السواء . غير أن بعض أحكامه تختلف باختلاف طبيعة الحق المبيع. مثال : فيجوز لصاحب حق الانتفاع أن يبيع حقه. نقل الحقوق الشخصية يكون بحوالة حق لكن ذلك لا يمنع من أن يكون بيع إذا تمت بمقابل نقدي فيطبق عليها قواعده .غير أن الصورة الغالبة لعقد البيع هي انه يرد على الملكية .
اثر البيع في نقل الملكية :
في القانون الروماني لم يكن يترتب على البيع نقل الملكية إلا إذا اتفق صراحة على ذلك ، ورث منه القانون الفرنسي فظل البيع لا ينشئ التزاما بنقل الملكية وظلت لا تنتقل إلا بإجراء لاحق هو التسليم، ثم أصبح ينص في العقد على حصول التسليم والتسلم . وبعد ذلك أصبح عقد البيع ناقلا للملكية فيما عدا الأشياء غير المعينة بالذات فلا تنتقل الملكية إلا بتعيينها وبيع الأشياء المستقبلية إلا عند وجودها.
والشريعة الإسلامية قررت من أكثر من ثلاثة عشر قرنا أن البيع ناقل للملكية بحكم العقد.
ومنه انتقال الملكية لمجرد العقد في القانون الفرنسي ينطبق على بيع المنقول والعقار على السواء ، أما في القانون المصري والجزائري في المادة 793 مدني جزائري فان إجراء التسجيل ضروري لنقل الملكية في البيوع العقارية ويكون البيع ناقلا للملكية في البيوع المنقولة المعينة بالذات .
التمييز بين البيع وغيره من التصرفات على أساس خاصيته الأولى :
على أساس هذه الخاصية نميز بين البيع وبين العقود التي ترد على الانتفاع بالشيء كالإيجار، والعقود التي ترد على العمل كالمقاولة والوكالة، والعقود التي ترد على الشيء لتخصيصه ضمانا للوفاء كالرهن .
البيع والإيجار :
بيع الثمار والحاصلات : حالة العقد الذي يكون فيه الحق لأحد الطرفين للحصول على ما ينتجه الشيء المملوك له من ثمار أو حاصلات في مقابل مبلغ من النقود . هل يعتبر العقد بيعا لهذه الثمار والحاصلات أو إيجارا ؟ .
نفرق بين الثمار والحاصلات : الثمار هي ما يتولد عن الشيء في مواعيد دورية دون المساس بجوهر الشيء الأصلي الحاصلات ليس لها صفة الدورية ويترتب على فصلها اقتطاع من جوهر الشيء الأصلي إذا كان الإيجار يلزم المستأجر بان يرد الشيء المؤجر بحالته التي تسلمه بها المادة 503 مدني جزائري فان العقود التي يكون محلها استخراج الحاصلات تعتبر بيعا .
البيع الايجاري : هو العقد الذي يريد فيه المتعاقدان الإيجار والبيع معا ، فهو إيجار إلى أن يتم الوفاء بالثمن كاملا وبيع حين يتم الوفاء ، ولكن يلاحظ انه من غير المنطقي أن يوصف عقد واحد في نفس الوقت بأنه بيع وإيجار معا لان طبيعة كل من هذين العقدين تختلف عن الأخرى وإذا اعتبرناه بيعا بالتقسيط معلقا على شرط واقف هو الوفاء بكافة الأقساط فأين هي الأجرة في عقد الإيجار ؟ و إذا اعتبرناه إيجارا معلقا على شرط فاسخ هو الوفاء بالأجرة فأين هو الثمن في عقد البيع ؟ إذن لا مناص من إعطائه
احد الوصفين فقط لذلك نص المشرع الجزائري على اعتبار العقد في هذه الحالة شرط واقف معلقا على شرط واقف وجعل انتقال الملكية معلقا على دفع الأقساط فنجد المادة 363 مدني جزائري بعد أن بينت في فقراتها الثلاثة الأولى حكم البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية نصت في فقرتها الرابعة " تسري أحكام الفقرات الثلاثة السابقة حتى ولو أعطى المتعاقدان أن للبيع صفة الإيجار "، فالبيع الايجاري إذن بيع فحسب .و يلاحظ الفرق بين البيع الايجاري الذي هو عقد والذي اعتبره المشرع بيعا فحسب ،وبين الإيجار المقترن بالوعد بالبيع الذي يتضمن عقدين كل منهما مستقل عن الآخر عقد إيجار والوعد بالبيع.
البيع والمقاولة : المقاولة عقد يلتزم بمقتضاه احد المتعاقدين بان يؤدي عملا لقاء اجر يتعهد به المتعاقد الآخر ، المادة 549 مدني جزائري ، ومنه فان ما يقدمه المقاول من أشياء ثانوية كمواد وأدوات البناء على غرار أصل الشيء (العقار) فنكون هنا بصدد عقد إيجار، أما إن كان جوهر الشيء مع الأشياء الثانوية تابعة للمقاول فنكون هنا أمام عقد بيع . ويسمى عقد المقاولة في الفقه الإسلامي بعقد الاستصناع .
البيع والوكالة: الوكالة أو الإنابة هي عقد يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شي ء لحساب الموكل وباسمه المادة 571 مدني جزائري، وهذه هي الوكالة النيابية.
وقد يتعهد الوكيل بان يقوم بالعمل القانوني باسمه هو لحساب الموكل على أن يقوم بعد ذلك بنقل ما اكتسب من حقوق إلى الموكل الذي ابرم العمل القانوني لحسابه وهذه هي الوكالة غير النيابية ، إذ أن من شروط النيابة أن يعقد النائب العقد باسم الأصيل المادتان 73 و 74 من القانون المدني الجزائري .
ولكن يثور البحث إذا لم يكن قصد العاقدين واضحا، كان يسلم تاجر الجملة البضاعة إلى تاجر التجزئة ليبيعها إلى عملائه ويحاسب تاجر الجملة بعد ذلك في مقابل عمولة معينة فنكون إزاء وكالة بالعمولة. و قد يتفق الطرفان على بيع السلعة ونقل ملكيتها إلى تاجر التجزئة الذي يكون له الحق في أن يتصرف فيها هو لحسابه وبأي ثمن فنكون إزاء عقد بيع.
البيع والرهن: عقد الرهن تامين عيني لضمان حق الدائن بتخصيص الشيء المرهون للوفاء بحقه .المدة 882 مدني جزائري رهن رسمي المادة 948 مدني جزائري رهن حيازي.
ولا يختلط الرهن بالبيع العادي ، غير انه قد يتفق في البيع أن يكون للبائع في خلال مدة معينة حق الاسترداد العين المباعة في مقابل رد الثمن الذي دفعه المشتري مضافا إليه المصروفات ، ويسمى هذا العقد بيع الوفاء أو البيع الوفائي ، أما الرهن ففيه يحتفظ الراهن بملكية الشيء المرهون ، ويقع باطلا كل اتفاق يجعل للدائن حق تملك الشيء المرهون عند عدم استيفاء حقه وقت حلول اجل الاستحقاق ا وان يبيعه دون إتباع الإجراءات التي فرضها القانون المادتان 903 و 960 مدني جزائري.
البيع والوديعة : من اليسير عادة التفريق بين الوديعة والبيع لان الوديعة كما تقول المادة 590 مدني جزائري " الوديعة عقد يسلم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدة وعلى أن يرده عينا ".
الهبة المستورة في صورة بيع : قد ترد الهبة مستورة في صورة بيع ، وفي هذه الحالة يكون العقد الظاهر هو البيع وهو ما لم يقصده الطرفان . أما العقد المستتر وهو المقصود من الطرفين فهو الهبة . وتسرى على هذا التصرف أحكام الصورية سواء بالنسبة للعاقدين أو بالنسبة للغير .
ولكي تصح الهبة المستورة يلزم أن تتوافر شروط الهبة ذاتها من حيث الوجود والصحة ما عدا شرط الشكل ، فلا يشترط أن تتم الهبة في الشكل الذي يستلزمه القانون ، كما يلزم فضلا عن ذلك أن تتوافر شروط العقد الساتر لها وهو البيع ما عدا السبب إذ العبرة في الهبة المستورة بسبب الهبة ذاتها كما يجب أن يكون للعقد الظاهر مظهر البيع فعلا بحيث لا يكشف عن العقد المستتر ولهذا يجب ذكر الثمن. فإذا ذكر الثمن ثم ذكر بعده مباشرة أن البائع قد وهب
البيع والصلح : نصت المادة 459 مدني جزائري على أن " الصلح عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بان يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه " . وقد يشبه الصلح البيع إذا نزل احد الطرفين عن حقه أو عن بعض حقه للآخر بمبلغ نقدي معين خارج عن موضوع النزاع ويسمى هذا ببدل الصلح ويجوز أن يكون بدل الصلح شيئا آخر غير النقود فيكون العقد مقايضة وقد يتنازل احد الطرفين بدون مقابل فيكون العقد هبة مستورة بالصلح .
المطلــــــب الثــــــاني : المقـــــابل النقـــــدي .
أي اتجاه إرادة الطرفين إلى أن يكون نقل الحق في مقابل ثمن نقدي يلتزم به المشتري . فالبيع من عقود المعاوضة لا فيه من مقابل وبذلك يختلف عن الهبة ، ويجب أن يكون هذا المقابل مبلغا من النقود ويسمى الثمن وبذلك يختلف عن المقايضة .كذلك يجب أن يكون الثمن جديا لا صوريا ولا تافها ولا بخسا .
البيع والهبة : تعرف في الشريعة الإسلامية بأنها تمليك المال في الحال مجانا وركنا الهبة الإيجاب من الواهب والقبول من الموهوب له والهبة التي يفرض فيها الواهب على الموهوب له القيام بالتزام معين تسمى هبة بعوض إذا كان العوض مساويا في القيمة للمال الموهوب فهذا عقد بيع لانتفاء نية التبرع وإذا كان العوض اقل من المال الموهوب في القيمة فهذا عقد هبة بعوض وهنا أيضا تنتفي نية التبرع وفي حالة الثمن البخص العقد لا هبة .
البيع والمقايضة : نصت المادة 413 مدني جزائري على أن المقايضة عقد يلتزم به كل من المتعاقدين أن ينقل إلى الآخر على سبيل التبادل ملكية مال غير النقود والفرق الجوهري بين البيع والمقايضة ينحصر في طبيعة المقابل فهو في البيع ثمن نقدي وفي المقايضة مال ليس من النقود وذا كان مجزئ بين النقود ومال آخر ليس من النقود فانه بيع إذا غلب العنصر الأول ومقايضة إذا غلب العنصر الثاني .
البيع عقد يتم بين الأحياء في مقابل ثمن نقدي أما الوصية فإنها تصرف بالإرادة المنفردة مضافة إلى ما بعد الموت وتتم بدون مقابل .