المبحث الاول :
الشراء لإعادة البيع و العمليات التجارية البحرية
في هذا المبحث سنتناول بالدراسة الشراء لإعادة البيع و العمليات التجارية البحرية في مطلبين اثنين
المطلب الأول:الشراء لإعادة البيع
نصت الفقرة 1من المادة2 من ق.ت.ج على"كل شراء للمنقولات لإعادة بيعها بعينها أو بعد تحويلها و شغلها يعتبر من الأعمال التجارية الموضوعية".
أما الفقرة2 من نفس المادة"كل شراء لعقارات لإعادة بيعها يعتبر أيضا من الأعمال التجارية الموضوعية"
و من خلال هاتين الفقرتين نستنتج وجود شروط ثلاثة لاعتبار عملية الشراء لأجل البيع عملية تجارية موضوعية و هي على التوالي:*أن يكون هناك شراء*أن يتعلق هذا الشراء بمنقول أو عقار*أن تتجه نية المشتري إلى البيع و تحقيق الربح.(1)
الفرع الأول:الشراء
يقصد الشراء هنا بمعناه الواسع أي: كل كسب لملكية شيء أو الانتفاع بها بمقابل سواء كان هذا المقابل نقديا أو عينيا كما هو الأمر في عقد المقايضة.(2)
يعتبر الشراء لأجل البيع من أهم الأعمال التجارية الموضوعية لأنه أكثر الأعمال التجارية استعمالا،إذ تظهر فيه جليا فكرتا المضاربة و التداول و هي أسس الأعمال التجارية.و على هذا الأساس إذا باع شخص ما لم يحصل عليه بالشراء كالهبة مثلا أو الوصية أو إنتاجه الشخصي أيا كانت طبيعة هذا الإنتاج ، أي سواء كان استغلال الثروات الطبيعية كالمحاصيل الزراعية و الثروات المستخرجة أو كان نتاج جهد بدني أو فكري لا يعد عمله تجاريا لأنه لم يشتري ما يبيعه و بتعبير أدق لانتفاء وجه المضاربة بأعماله.(3)
لذا يجب استبعاد عمليات البيع المنصبة على كل منقول أو عقار آل لصاحبه عن طريق الإرث أو الهبة أو الوصية و كذا كل عمليات البيع المنصبة على الإنتاج الأول كعمليات الزراعة و الصناعات الاستخراجية و المهن الحرة و الإنتاج الذهني و الفني من دائرة الأعمال التجارية حتى و لو قصد البائع من ورائها تحقيق الربح(4) و سنتعرض بتفصيل أوسع لبعض هذه الأعمال فيما يلي:
ــــــــــــــــــــــــــ
(1):أ.عمورة عمار- المرجع السابق-ص52
(2):د.حلو أبو حلو-القانون التجاري الجزائري(الأعمال التجارية و التاجر)-ديوان المطبوعات الجامعية-الجزائر-1992- ص126
(3):ا.عمورة عمار- المرجع السابق-نفس الصفحة
(4):أ.علي فتاك- مبسوط القانون التجاري الجزائري في مقدمة القانون التجاري(نظرية الأعمال التجارية)-ابن خلدون للنشر و التوزيع-الجزائر-2004-ص80
1/الأعمال الزراعية و الصناعية:
*الأعمال الزراعية: الأصل أن الأعمال الزراعية تدخل في إطار القانون المدني ذلك كون الزراعة أسبق في الظهور على التجارة و لأجلها وضع القانون المدني(1) كذلك فإن الزراعة تنصب على استغلال ثروات الأرض و بالتالي فإن بيع المنتجات الزراعية لا يعد عملا تجاريا كونه لم يسبقه شراء، أما شراء الأسمدة و البذور فهي ليست بنية إعادة البيع و تحقيق الربح بل بنية المساعدة للحصول على الإنتاج الزراعي(2)و إذا كان بإمكاننا أن نأخذ بهذه المبررات عند الحديث عن المزارع الصغيرة و المتوسطة إلا أن المزارع الكبيرة لا تنطبق عليها هذه المبررات ذلك أنها تستعمل الآلات و العمال و طرق الإعلان و الائتمان في البنوك و القروض و غيرها من الأعمال التي يتوفر فيها عنصري المضاربة و التداول و هي أسس العمل التجاري.
- ثار الخلاف حول الصناعات التحويلية للمنتجات الزراعية التي يمارسها المزارع، هل تعتبر أعمالا تجارية أم
مدنية؟ الرأي الراجح هو النظر لحجم النشاط، فإذا كان السائد هو العمل الزراعي كان العمل مدنيا، أما إذا طغى التصنيع و التحويل على الاستغلال الزراعي نكون بصدد عمل تجاري.
-كذلك ثار خلاف حول قيام المزارع بتربية المواشي على أرضه التي يستغلها ثم قام ببيعها و بيع إنتاجها و رأى الفقه أنه إذا قام هذا النشاط مستقلا بذاته عن الاستغلال الزراعي اعتبر عملا تجاريا ، أما إذا كان تابعا للاستغلال الزراعي فيعد عملا مدنيا.(3)
-كذلك ظهر إشكال حول قيام المزارع بشراء محصولات الغير ليبيعها مع محصولاته و هنا أيضا تم الأخذ بتغليب النشاط الرئيسي فإذا فاقت كمية المحصول المشترى كمية محصول المزارع كان عمله تجاريا، أما إذا كانت كمية المحصول المشترى صغيرة مقارنة بالمحصول المنتج كان عمل المزارع مدنيا.
و الواقع أن هذا المعيار تحكمي لا يعطي حلا جذريا و لا يأتي مثلا بحل في حالة تساوي القيم.(4)
*الصناعات الاستخراجية:تعتبر الصناعات الاستخراجية عموما أعمال مدنية لأنها تتمثل في استخراج مواد و
ثروات باطنية و بيعها، و الأصل أن هذه القاعدة تنطبق على كل الصناعات الاستخراجية بما فيها المناجم، لكن الواقع أن المشرع الفرنسي أورد استثناء على هذه القاعدة العامة في قانون 7سبتمبر1919 حيث اعتبر استغلال المناجم عملا تجاريا و ذلك لما يتطلبه هذا الأخير من رؤوس أموال ضخمة و آلات و عمال وائتمان، كذلك فإن قانون فرض الضرائب على الثروة المنقولة لسنة 1939 يخضع المناجم و المحاجر للضريبة على الأرباح التجارية و الصناعية.(5)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1):د.حلو أبو حلو-المرجع السابق-ص126
(2):أ.علي فتاك- المرجع السابق-ص81
(3):د.حلو أبو حلو- المرجع السابق-ص127
(4):د.حلو أبو حلو –المرجع السابق-ص128
(5):أ.عمورة عمار-المرجع السابق-ص53
و قد ذهب المشرع الجزائري لأبعد مما ذهب إليه المشرع الفرنسي بحيث اعتبر كل مقاولة لاستغلال المناجم الباطنية أو السطحية أو مقالع الحجارة أو منتجات الأرض الأخرى من الأعمال التجارية طبقا ل ف7 من
م2 من القانون التجاري الجزائري.(1)
2/الإنتاج الذهني و الفني و بيع الصحف و المجلات:
*الإنتاج الذهني و الفني:يقصد به تلك الأعمال التي تنتج من أعمال الفكر و الذهن فمن الواضح أن هذا الإنتاج غير مسبوق بشراء حتى و لو طبع المؤلف كتابه و قام ببيعه على نفقته و بنفسه أو حتى إذا عهد بذلك لناشر، فيبقى عمل المؤلف مدنيا حتى و إن قام بشراء الورق و لوازم الطبع، أما عمل الناشر فيعد تجاريا لأنه يشتري حقوق
النشر بقصد البيع و تحقيق الربح، و على غرار التأليف فكل عمل ذهني أو فني كرسم اللوحات و النحت و التلحين و التمثيل و التصوير و الإخراج و الرقص و الغناء تعتبر أعمالا مدنية في جانب الفنان و يعتبر المال الذي يحصل عليه تعويضا عن مجهوده في تقديم فنه.(2)
*بيع الصحف و المجلات:ذهب القضاء الفرنسي للتمييز بين ما إذا كان الغرض من الصحف و المجلات تحقيق الربح و المضاربة و الوساطة في تداول الأفكار ففي هذه الحالة يعد بيعها عملا تجاريا، و بين الصحف و المجلات التي تهدف لنشر الأفكار و المبادئ و العلوم و السياسة و الأدب و التي تعد عملا مدنيا حتى و إن قامت هذه الصحف بنشر إعلانات طالما أن هذه الإعلانات تعد عملا ثانويا بالنسبة للغرض الأساسي للصحيفة أو المجلة.(3)
3/المهن الحرة و عقد العمل:
*المهن الحرة:هي المهن التي تقوم على استثمار و استغلال ما اكتسب من علم و خبرة دون اقتصار الغرض منها على تحقيق الربح و يدخل ضمنها:المحاماة،الطب،الهندسة و غيرها، فكل من الطبيب و المحامي و غيرهم يقوم بتقديم خدمات بناء على خبرته التي لم يقم بشرائها من قبل و يأخذ تعويضا أو مقابلا لخدمته و بالتالي يعد عمله مدنيا.
لكن قد تتخذ هذه المهن الطابع التجاري إذا تجاوزت حدود المهنة كمثل الطبيب الذي ينشئ مستشفى مستخدما عمالا و أجهزة بغرض الربح فعمله تجاري أو الطبيب الذي يبيع أدوية و معدات لمرضاه و غيرهم يعد عمله تجاريا مع العلم أنه إذا اقتصر بيعه على مرضاه كان عمله مدنيا.
و الواقع أن عمل الصيدلي هو أيضا ناتج عن علم و خبرة فالمفروض اعتباره عملا مدنيا، لكن لما انحصر دور الصيدلي في شراء الأدوية لإعادة بيعها بعدما وجدت مصانع متخصصة بصنع الأدوية أصبح الصيدلي يهدف للربح من فرق القيمة و بالتالي أصبح عمله تجاريا.(4)
ــــــــــــــــــــــ
(1):أ.عمورة عمار-المرجع السابق-ص53
(2):د.حلو أبو حلو-المرجع السابق-ص128
(3):د.حلو أبو حلو-المرجع السابق-ص129
(4):أ.فتاك علي-المرجع السابق-ص81
*عقد العمل:عقد العمل يقدم بمقتضاه الفرد مجهودا بدنيا أو فكريا و يتقاضى مقابلا لأتعابه يقدمه له رب العمل، و هذا الأخير يعتبر عقد العمل من جانبه عملا تجاريا كونه يستخدم عمالا و يضارب على مجهودهم لتحقيق الربح، و العلاقة بين رب العمل و العامل علاقة خاصة ينظمها قانون خاص هو قانون العمل.(1)
- ملاحظة: لا يشترط وقوع الشراء قبل البيع إذ قد يشتري التاجر من آخر قولا ما لم يدخل بعد في حيازته لكنه اشتراه بوعد ، فيستعمله في حينه أو يبيعه قبل دخوله في حيازته، أي أن الشراء لا يفقد صفته التجارية و لو وقع
بعد البيع.(2)