عرض مشاركة واحدة
2012-12-06, 21:50
#7
الصورة الرمزية Tassilialgerie
Tassilialgerie
مؤسس شبكة طاسيلي
تاريخ التسجيل : Feb 2011
العمر : 25 - 30
الجنس : ذكر
المشاركات : 13,303
تقييم المستوى : 10
Tassilialgerie غير متواجد حالياً
0205 يقول هنري بوانكاريه : « إنالتجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ... » أطروحة فاسدة وتقرر لد
نص السؤال :
يقول هنري بوانكاريه : « إنالتجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ... » أطروحة فاسدة وتقرر لديك الدفاع عنها فماعساك أن تفعل ؟


الإجابة النموذجية : طريقة استقصاء بالوضع

طرح المشكلة :
إن الفرضية هي تلك الفكرة المسبقة التيتوحي بها الملاحظة للعالم ، فتكون بمثابة خطوة تمهيدية لوضع القانون العلمي ، أيالفكرة المؤقتة التي يسترشد بها المجرب في إقامته للتجربة . ولقد كان شائعا بينالفلاسفة والعلماء من أصحاب النزعة التجريبية أنه لم يبق للفرضية دور في البحثالتجريبي إلا أنه ثمة موقف آخر يناقض ذلك متمثلا في موقف النزعة العقلية التي تؤكدعلى فعالية الفرضية و أنه لا يمكن الاستغناء عنها لهذا كان لزاما علينا أن نتساءلكيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة؟ هل يمكن تأكيدها بأدلة قوية ؟ و بالتالي تبنيموقف أنصارها ؟
محاولة حلالمشكلة :
عرضمنطق الأطروحة :
يذهب أنصار الاتجاهالعقلي إلى أن الفرضية كفكرة تسبق التجربة أمر ضروري في البحث التجريبي ومن أهمالمناصرين للفرضية كخطوة تمهيدية في المنهج التجريبي الفيلسوف الفرنسي كلود برنار ( 1813 – 1878 ) و هو يصرح بقوله عنها « ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرةالمتكونة من قبل» ويقول في موضع أخر « الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع و إليهاترجع كل مبادرة » وبالتالي نجد كلود برنار يعتبر الفرض العلمي خطوة من الخطواتالهامة في المنهج التجريبي إذ يصرح « إن الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلىالتجربة وتحكمها والتجربة تحكم بدورها على الفكرة » أما المسلمة المعتمدة في هذهالأطروحة هو أن " الإنسان يميل بطبعه إلى التفسير و التساؤل كلما شاهد ظاهرة غيرعادية " وهو في هذا الصدد يقدم أحسن مثال يؤكد فيه عن قيمة الفرضية و ذلك في حديثهعن العالم التجريبي " فرانسوا هوبير" ، وهو يقول أن هذا العالم العظيم على الرغم منأنه كان أعمى فإنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجربها ،،ولم تكن عند خادمه هذا أي فكرة علمية ، فكان هوبير العقل الموجه الذي يقيم التجربةلكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره وكان الخادم يمثل الحواس السلبية التي تطبعالعقل لتحقيق التجربة المقامة من أجل فكرة مسبقة . و بهذا المثال نكون قد أعطيناأكبر دليل على وجوب الفرضية وهي حجة منطقية تبين لنا أنه لا يمكن أن نتصور في تفسيرالظواهر عدم وجود أفكار مسبقة و التي سنتأكد على صحتها أو خطئها بعد القيامبالتجربة .
نقد خصوم الأطروحة :
هذه الأطروحة لها خصوم وهم أنصارالفلسفة التجريبية و الذين يقرون بأن الحقيقة موجودة في الطبيعة و الوصول إليها لايأتي إلا عن طريق الحواس أي أن الذهن غير قادر على أن يقودنا إلى حقيقة علمية . والفروض جزء من التخمينات العقلية لهذا نجد هذا الاتجاه يحاربها بكل شدة ؛ حيث نجدعلى رأس هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل ( 1806 - 1873 ) الذي يقول فيها « إن الفرضية قفزة في المجهول وطريق نحو التخمين ، ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذاالعائق وننتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة »وقد وضع من أجل ذلك قواعد سماهابقواعد الاستقراء متمثلة في : ( قاعدة الاتفاق أو التلازم في الحضور _ قاعدةالاختلاف أو التلازم في الغياب – قاعدة البواقي – قاعدة التلازم في التغير أوالتغير النسبي ) وهذه القواعد حسب " مل " تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية . ومنه فالفرضية حسب النزعة التجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق لاعتمادهاعلى الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج – لأنها تشكل الخطوة الأولى لتأسيسالقانون العلمي بعد أن تحقق بالتجربة – هذا الذي دفع من قبل العالم نيوتن يصرح ب : « أنا لا أصطنع الفروض » كما نجد "ما جندي" يرد على تلميذه كلود برنار : «اتركعباءتك ، و خيالك عند باب المخبر » . لكن هذا الموقف ( موقف الخصوم ) تعرض لعدةانتقادات أهمها :
- أما عن التعرض للإطار العقليللفرض العلمي ؛ فالنزعة التجريبية قبلت المنهج الاستقرائي وقواعده لكنها تناست أنهذه المصادر هي نفسها من صنع العقل مثلها مثل الفرض أليس من التناقض أن نرفض هذاونقبل بذاك .
- كما أننا لو استغنينا عن مشروعالافتراض للحقيقة العلمية علينا أن نتخلى أيضا عن خطوة القانون العلمي – هو مرحلةتأتي بعد التجربة للتحقق من الفرضية العلمية - المرحلة الضرورية لتحرير القواعدالعلمية فكلاهما – الفرض ، القانون العلمي – مصدران عقليان ضروريان في البحث العلميعدمهما في المنهج التجريبي بتر لكل الحقيقة العلمية .
- كما أن عقل العالم أثناء البحث ينبغي أن يكون فعالا ، وهو ما تغفله قواعد "جون ستيوارت مل "التي تهمل العقل و نشاطه في البحث رغم أنه الأداة الحقيقية لكشفالعلاقات بين الظواهر عن طريق وضع الفروض ، فدور الفرض يكمن في تخيل ما لا يظهربشكل محسوس .
- كما أننا يجب أن نرد على "جونستيوارت مل" بقولنا أنه إذا أردنا أن ننطلق من الملاحظة إلى التجربة بالقفز وتجاهلالفرضية فنحن مضطرين لتحليل الملاحظة المجهزة تحليلا عقليا و خاصة إذا كان هذاالتحليل متعلق بعالم يتصف بالروح العلمية . يستطيع بها أن يتجاوز تخميناته الخاطئةويصل إلى تأسيس أصيل لنظريته العلمية مستعملا الفرض العلمي لا متجاوزا له .
- أما" نيوتن " ( 1642 – 1727 )لم يقم برفض كلأنواع الفرضيات بل قام برفض نوع واحد وهو المتعلق بالافتراضات ذات الطرحالميتافيزيقي ، أما الواقعية منها سواء كانت علية ، وصفية ، أو صورية فهي في رأيهضرورية للوصول إلى الحقيقة . فهو نفسه استخدم الفرض العلمي في أبحاثة التي أوصلتهإلى صياغة نظريته حول الجاذبية .
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية شكلا ومضمونا :
إن هذه الانتقادات هي التي تدفعنا إلىالدفاع مرة أخرى عن الأطروحة القائلة : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ... » ، ولكن بحجج وأدلة جديدة تنسجم مع ما ذهب إليه كلود برنار أهمها :
- يؤكد الفيلسوف الرياضي " بوانكاريه " ( 1854 – 1912 ) وهو يعتبر خير مدافع عن دور الفرضية لأن غيابها حسبه يجعل كل تجربة عقيمة ، «ذلك لأن الملاحظة الخالصة و التجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم » مما يدل علىأن الفكرة التي يسترشد بها العالم في بحثه تكون من بناء العقل وليس بتأثير منالأشياء الملاحظة وهذا ما جعل بوانكاريه يقول أيضا « إن كومة الحجارة ليست بيتافكذلك تجميع الحوادث ليس علما »
- إن الكشف العلمييرجع إلى تأثير العقل أكثر مما يرجع إلى تأثير الأشياء يقول " ويوال " : « إنالحوادث تتقدم إلى الفكر بدون رابطة إلى أن يحي الفكر المبدع .» والفرض علمي تأويلمن التأويلات العقلية .
- إن العقل لا يستقبل كل مايقع في الطبيعة استقبالا سلبيا على نحو ما تصنع الآلة ، فهو يعمل على إنطاقهامكتشفا العلاقات الخفية ؛ بل نجد التفكير العلمي في عصرنا المعاصر لم يعد يهمهاكتشاف العلل أو الأسباب بقدر ما هو اكتشاف العلاقات الثابتة بين الظواهر ؛ والفرضالعلمي تمهيد ملائم لهذه الاكتشافات ، ومنه فليس الحادث الأخرس هو الذي يهب الفرضكما تهب النار الفرض كما تهب النار ؛ لأن الفرض من قبيل الخيال ومن قبيل واقع غيرالواقع المحسوس ، ألم يلاحظ أحد الفلكيين مرة ، الكوكب "نبتون" قبل " لوفيري " ؟ولكنه ، لم يصل إلى ما وصل إليه " لوفيري " ، لأن ملاحظته العابرة لم تسبق فكرة أوفرض .
- لقد أحدثت فلسفة العلوم ( الابستملوجيا ) تحسينات على الفرض – خاصة بعد جملة الاعتراضات التي تلقاها من النزعة التجريبية - ومنها : أنها وضعت لها ثلاثة شروط ( الشرط الأول يتمثل : أن يكون الفرض منبثقا منالملاحظة ، الشرط الثاني يتمثل : ألا يناقض الفرض ظواهر مؤكدة تثبت صحتها ، أماالشرط الأخير يتمثل : أن يكون الفرض كافلا بتفسير جميع الحوادث المشاهدة ) ، كماأنه حسب "عبد الرحمان بدوي " (1917 - 2002) لا نستطيع الاعتماد على العواملالخارجية لتنشئة الفرضية لأنها برأيه « ... مجرد فرص ومناسبات لوضع الفرض ... » بلحسبه أيضا يعتبر العوامل الخارجية مشتركة بين جميع الناس ولو كان الفرض مرهونا بهالصار جميع الناس علماء وهذا أمر لا يثبته الواقع فالتفاحة التي شاهدها نيوتن شاهدهاقبله الكثير لكن لا أحد منهم توصل إلى قانون الجاذبية . ولهذا نجد عبد الرحمان بدوييركز على العوامل الباطنية ؛ «... أي على الأفكار التي تثيرها الظواهر الخارجية فينفس المشاهد ...»
- ومع ذلك ، يبقى الفرض أكثرالمساعي فتنة وفعالية ، بل المسعى الأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها سواءكانت صحته مثبتة أو غير مثبتة ، لأن الفرض الذي لا تثبت صحته يساعد بعد فشله علىتوجيه الذهن وجهة أخرى وبذلك يساهم في إنشاء الفرض من جديد ؛ فالفكرة إذن منبع رائعللإبداع مولد للتفكير في مسائل جديدة لا يمكن للملاحظة الحسية أن تنتبه لها بدونالفرض العلمي .
حل المشكلة :
نستنتج في الأخير أنه لا يمكن بأي حالمن الأحوال إنكار دور الفرضية أو استبعاد آثارها من مجال التفكير عامة ، لأنها منجهة أمر عفوي يندفع إليه العقل الإنساني بطبيعته ، ومن جهة أخرى وهذه هي الصعوبة ،تعتبر أمرا تابعا لعبقرية العالم وشعوره الخالص وقديما تنبه العالم المسلم الحسن بنالهيثم ( 965 - 1039 ) - قبل كلود برنار _ في مطلع القرن الحادي عشر بقوله عن ضرورةالفرضية « إني لا أصل إلى الحق من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية و صورتها الأمورالعقلية » ومعنى هذا أنه لكي ينتقل من المحسوس إلى المعقول ، لابد أن ينطلق منظواهر تقوم عليها الفروض ، ثم من هذه القوانين التي هي صورة الظواهر الحسية .وهذاما يأخذنا في نهاية المطاف التأكيد على مشروعية الدفاع وبالتالي صحة أطروحتنا .

أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمد رسول الله