عرض مشاركة واحدة
2011-11-13, 22:20
#16
الصورة الرمزية Tassilialgerie
Tassilialgerie
مؤسس شبكة طاسيلي
تاريخ التسجيل : Feb 2011
العمر : 25 - 30
الجنس : ذكر
المشاركات : 13,303
تقييم المستوى : 10
Tassilialgerie غير متواجد حالياً
افتراضي
هل يمكن إعتبار الذاكرة فاعلية مادية مرتبطة بالجسم أم فاعلية نفسية؟

مقدمة : تتأثر أفعالنا اتجاه المشكلات التي تتعرضنا بمكتسبات تجاربنا السابقة وليس انقطاع الإدراك في الحاضر معناه زوال الصورة الذهنية المدركة , بل إن الإنسان يتميز بقدرته اختزان تلك الصورة مما يجعله يعيش الحاضر والماضي معا وهذا ما يسمى الذاكرة وهي القدرة على استعادة الماضي مع معرفتنا انه ماضي وقد اختلف الفلاسفة في تفسير طبيعة الذاكرة وحفظ الذكريات هل هي عضوية لها مكان معين في الدماغ أم هي قدرة عقلية نفسية ؟ هل يمكن تفسير الذاكرة بالاعتماد على النشاط العصبي ؟ هل تعتمد الذاكرة على الدماغ فقط أم تحتاج إلى غير ذلك ؟

ق1/ يحاول الماديون تفسير الذاكرة تفسيرا ماديا وربطها بخلايا الدماغ إن ملاحظات ريبو على حالات معينة مقترنة بضعف الذاكرة أو بفقدانها كحالة ( الفتاة التي أصيبت برصاصة في المنطقة اليسرى من الدماغ فوجد أنها فقدت قدرة التعرف على المشط الذي كانت تضعه في يدها اليمنى إلا أنها بقيت تستطيع الإحساس به فتأكد له أن إتلاف بعض الخلايا في الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة إلى فقدان جزئي أو كلي للذاكرة وجعله يستنتج أن الذاكرة هي وظيفة هامة للجهاز العصبي أساسها الخاصية التي تمتلكها العناصر المادية في الاحتفاظ بالتغيرات الواردة عليها كالثني في الورقة لقد تأثرت النظرية المادية بالكرة الديكارتية القائلة بان الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم وان الذكريات تترك اثر في المخ كما تترك الذبذبات الصوتية على اسطوانات التسجيل وكان المخ وعاء يستقبل ويخزن مختلف الذكريات , لذا يرى ريبو أن الذكريات مسجلة في خلايا القشرة الدماغية نتيجة الآثار التي تتركها المدركات في هذه الخلايا والذكريات الراسخة هي تلك التي استفادت من تكرار طويل لذا فلا عجب إذا أبدى تلاشيها من الذكريات الحديثة إلى القديمة بل ومن العقلية إلى الحركية بحيث إننا ننسى الألقاب ثم الأوصاف فالأفعال والحركات , ولقد استطاع ريبو إن يحدد مناطق معينة لكل نوع من الذكريات بل ويعد 600 مليون خلية متخصصة لتسجيل كل انطباعات التي تأتينا من الخارج مستفيدا مما أثبته بعض تجارب بروكا منان نزيفا دمويا في قاعدة التلفيف من ناحية الجهة الشمالية يولد مرض الحبسة وان فساد التلفيف الثاني من يسار الناحية الجدارية يولد العمى النفسي وغيرها ولكننا نجد إن هناك الكثير من حالات فقدان الذاكرة تسببه صدمة نفسية وليس له علاقة بإتلاف خلايا الدماغ وان الذكريات التي فقدت سرعان ما تعود بعد التعافي من تلك الصدمة كما انه لو كان الأمر كما يرى ريبو وان الدماغ هو مكان تسجيل الذكريات لترتب على ذلك أن جميع مدركات ومؤثرات التي يستقبلها يجب أن تحفظ في الدماغ ولو جب تذكر كل شئ .....لذا جاءت النظرية المادية الحديثة لتؤكد أن الذاكرة لا تحفظ إلا جزء من هذه المؤثرات وهذا يدل على أن عملية احتفاظ بذكريات تخضع إلى نوع من الانتقاء ولكن هذا يطرح مشكلة فهل هو وظيفة نفسية أم المادية عضوية في الدماغ وهل هذا الانتقاء إرادي أم لا إرادي ؟ومن البداية فان كل النظريات المادية الحديثة تعترف بتعقد وصعوبة سير أغوار الدماغ لدى الإنسان مما يجعلها فرضيات تحتاج إلى الكثير من الأدلة ... ولا مانعها أن تستعرض بعضها حيث تقوم الأولى على مفهوم الترميز الغائي أو الوظيفي لدماغ التي تعتقد أن التنظيم العالي للدماغ البشري يمكن أن يكون له دور في تثبيت الذكريات وذلك بتيسير الترابط بعض المعلومات الواردة ومنع ترابط بعضها الأخر أما فرضية الثانية فتقوم على مفهوم الترميز الكهربائي حيث هناك نوع من النشاط الكهربائي للجملة العصبية احدهما ذو اقاع سريع حيث النيترونات داخل الأعصاب وهو المسؤول التذكري وأخر ذو اقاع بطئ لا علاقة له بتذكر وثالثا مفهوم الترميز البيوكميائي حيث انصب جهد علماء الوراثة على نوع من الجزئيات الموجودة في الدماغ الحامض الريبي النووي لاعتقادهم انه له علاقة بالذاكرة حيث أجرو تجارب على حيوان درب على أداء حركي معين ثم أخذت خلاصة دماغه وحقنت في حيوان أخر لم يتلقى أي تدريب ولحظ أن أثر التعليم قد ظهرت في سلوكه .

مناقشة : إن مجموعة هذه الفرضيات لم تكشف بكيفية قاطعة عن نوعية العلاقة الموجودة بين الذاكرة والمعطيات المختلفة للدماغ نظرا لصعوبات الكبيرة التي تواجه التجريب .

ق2/ تؤكد النظرية النفسية عند برغسنان وظيفة الدماغ لتتجوز المحافظة على الآليات الحركية أما الذكريات فتبقى أحوال نفسية محضة لذا فهو يرى أن الذاكرة نوعان ـ ذاكرة حركية تتمثل في صور عادات آلية مرتبطة بالجسم وهي تشكل مختلف الأعمال الحركية التي تكتسب بالتكرار . ـ وذاكرة نفسية محضة مستقلة عن الدماغ ولا تتأثر باضطراباته وهي الذاكرة الحقة التي غاب على المادين إدراك طبيعتها لأنها مرتبطة بالجسم وهي ليست موجودة فيه... إنها ديمومة نفسية أي روح ويعرف لالا ند الذاكرة بأنها وظيفة نفسية تتمثل في بناء حالة شعورية ماضية.

مناقشة : إن التميز بين نوعين للذاكرة يغرينا بإرجاع الذاكرة الحية إلى علة مفارقة(روح) فالذاكرة مهما كانت تبقى دائما وظيفة شعورية مرتبطة بالحاضر وتوظف الماضي من أجل الحاضر والمستقبل أيضا ويرى ميرلوبانتي أن برغسون لا يقدم لنا أي حل للمشكل عندما استبدل الآثار الفيزيولوجية المخزنة في الدماغ بآثار نفسية أو صور عقلية مخزنة في اللاشعور وهو لم يفسر لنا كيف تعود الذكريات إلى سطح اللاشعور عن طريق إثارتها كمعطيات ماضية, إذا كان ريبو أعاد الذاكرة إلى الدماغ , وإذا كان برغسون أرجعها إلى النفس فان هال فاكس في النظرية الاجتماعية يرجعها إلى مجتمع يقول ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات وأين تحفظ إذ أنني أتذكرها من خارج ... فالزمرة الاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميع الوسائل لإعادة بناءها ) ويقول أيضا أنني عندما أتذكر فان غير هم الذين يدفعونني إلى التذكر ونحن عندما نتذكر ننطلق من مفاهيم مشتركة بين الجماعة ) أن ذكرياتنا ليست استعادة لحوادث الماضي بل هي تجديد لبنائها وفقا لتجربة الجماعة واعتبر بيار أن الذاكرة اجتماعية تتمثل في اللغة وأن العقل ينشئ الذكريات تحت تأثير الضغط الاجتماعي ولا يوجد ماضي محفوظ في الذاكرة الفردية كما هو ... إن الماضي يعاد بناؤه على ضوء المنطق الاجتماعي . لكن برادين يرد على أصحاب هذه النظرية يقول : إن المجتمع لا يفكر في مكاننا , ولهذا يجب أن نحذر من الخلط بين الذاكرة والقوالب المساعدة على التذكر , أن الذكريات أفكار وهي بناء الماضي بفضل العقل .

تركيب : أننا لن نستطيع أن نقف موقف اختبار بين النظريات المادية والنفسية والاجتماعية ولا يمكن قبولها على أنها صادقة , فإذا كانت النظرية المادية قد قامت في بعض التجارب فقد رأينا الصعوبة التي تواجه التجريب وان حاولت النظرية النفسية إقحام الحياة النفسية الواقعية في الحياة الروحية الغيبية فان الإيمان يتجاوز العلم القائم على الإقناع ومهما ادعت النظرية الاجتماعية فلا يمكننا القول بان الفرد حين يتذكر دائما ماضيه المشترك مع الجماعة

الخاتمة : هكذا رأينا كيف أن كل معارفنا عجزت على إعطاء أي تفسير للذاكرة مقبول للجميع , فلا الجسم ولا النفس ولا المجتمع كان كافيا لذلك ولابد من استبعاد الفكرة التي تعتبر الذاكرة وعاد يستقبل أليا أي إنها كما يقول د ولا كروا (نشاط يقوم به الفكر ويمارسه الشخص فيبث فيه ماضيه تبعا لاهتماماته وأحواله.

أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمد رسول الله