عرض مشاركة واحدة
2013-12-19, 20:22
#2
الصورة الرمزية Tassilialgerie
Tassilialgerie
مؤسس شبكة طاسيلي
تاريخ التسجيل : Feb 2011
العمر : 25 - 30
الجنس : ذكر
المشاركات : 13,303
تقييم المستوى : 10
Tassilialgerie غير متواجد حالياً
افتراضي التنشئة السياسية و الثقافة السياسية
التنشئة السياسية و الثقافة السياسية:
لا مراء في القول بأن العنصر البشري يعد هو الوسيلة والغاية معاً لبلوغمختلف ضروب التنمية وأنواعها، بما في ذلك التنمية السياسية بمفهومهاالشامل الذي يتسع ليشمل "التنشئة السياسية" التي تعد أساس عملية التنميةالسياسية وصلبها.
بيد أن مثل هذا الرهان على العنصر البشري في انجاح عملية التنمية لا يتأتيتلقائياً، أو عبر الصدفة، وإنما يعتمد على نمط البيئة الثقافية وطرقالإعداد والتوجيه التي ينشأ في ظلها الشباب ويتطبع بطابعها سلباً أوايجاباً، بالضبط مثلهم مثل أي منتج تتحدد جودته أو رداءته وفقاً لنوعالمدخلات وكيفيتها، فإن حَسُنت المدخلات حَسُنت المخرجات والعكس صحيح.
والتنشئة السياسية تشير إلى جزء من مصطلحات المعجم السياسي التي تُعنىبظاهره السلطة السياسية في حياة المجتمعات البشرية، والذي يعد مدخلاً فيغاية الأهمية في التحصين والبناء الفكري السليم للشباب، الذي يجب انيستهدف فيهم تنمية الوعي بأهمية الولاء الوطني والوعي الجمعي بأهمية قوةوسلامة الجسم السياسي والمصير المشترك، بعيداً عن الولاءات والأطر الضيقةوالأفكار والايديولوجيات البالية، فقوة الدولة تعتمد على سلامة الجسدالسياسي، ومدى تماسكه، بالضبط مثلها مثل قوة قبضة اليد تعتمد على سلامةالجسم وصحته.
وفي هذا السياق فإن التساؤلات التي يجب أن تثار في هذه الورقة هي ما هومفهوم التنشئه السياسية؟ وما هو نمط أو أنماط الثقافة السياسية القائمة فيالجمهورية اليمنية وأسبابها؟ وما هي أدوات التنشئة السياسية التي تنتقلعبرها مثل هذه الثقافة وأساليبها؟
ومن أجل الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها فإننا سنقسم هذه الورقة إلىثلاثة محاور أساسية: الأول يعُنى بالتأصيل المفاهيمي للتنشئة السياسية،والثاني يستعرض نمط الثقافة السياسية القائم في الجمهورية اليمنيةوأبعاده، أما الثالث فيتناول أدوات أو دوائر التنشئة السياسية وأساليبها،وذلك كما يلي:
أولاً: مفهوم التنشئة السياسية والمفاهيم المقاربة
لا شك بأن تحديد المصطلحات والمفاهيم والتعريف بها يعد مدخلاً منطقياًولازماً لفهم الظاهرة موضوع الدراسة والاحاطه بها، بما من شأنه تجنيبالمصطلح مغبة الاختلاط بغيره من المفاهيم والمصطلحات المقاربة والتي قدتبدو لأول وهلة مرادفه له.
وبهذا الصدد نجد أن كل من "التنشئة السياسية"، و"الثقافة السياسية"،و"الثقافة العامة" تعد من المصطلحات المترابطة بقوة، إلا انه على الرغم منذلك الترابط فإن لكل مصطلح خصيصة أو خصائص تميزه عن غيره سواء من حيثالمفهوم أو من حيث الطبيعة أو النطاق. فبينما ينصرف مصطلح "الثقافة" بمفهومها العام والمجرد والمطلق إلى منظومة القيم والأعراف والتقاليدوالعادات والمؤسسات التي تسود مجتمعاً ما من المجتمعات، وتعمل على توجيهوضبط مسار تفاعلاته المختلفة.
نجد أن "الثقافة السياسية" تشير إلى منظومة القيم والأفكار والمعتقداتالمرتبطة بظاهرة السلطة السياسية في المجتمع، والثقافة السياسية على هذاالنحو من المفهوم في الواقع تعد جزءً من الثقافة العامة، يمكن وصفه بأنهذلك الجزء الذي يعُنى بظاهرة السلطة السياسية.
أما "التنشئة السياسية" موضوع هذه الورقة الأساسي، فيقصد بها تلك العمليةالتي تنتقل عبرها الثقافة السياسية وبها تستمر ومن خلالها تتغير، ومايرتبط بها من دوائر تربوية وتوعوية وتعليمية، بداءً بالأسرة ومروراًبالمدرسة والنادي والحزب..الخ وانتهاءً بالدولة.
وكلاً من الثقافة السياسية والتنشئة السياسية تعدان معاً من الموضوعاتالبالغة الأهمية في حياة المجتمعات الديمقراطية المعاصرة، نظراً لما لهمامن دور حيوي في تحديد مسار العملية الديمقراطية نجاحاً أو اخفاقاً،وبالتالي رسم معالم وآفاق الحياة الاجتماعية سعادةً أو بؤساً وشقاءً.
فإذا كانت الثقافة السياسية تعكس مدى نضوج وتمدن الأفراد بأهمية وضرورةالحياة الجماعية والمصير المشترك، والتي لا يمكن ان تؤسس وفقاً لأطراجتماعية ضيقة، وأفكار ومعتقدات بالية وانتهازية، ورؤى وتصورات مصلحيهقصيرة النظر والأفق، وانما وفقاً لأسس ومتطلبات المجتمع المدني المتحضربعلقه الجمعي القائم على التعدد والتسامح والقبول بالآخر واستيعابه لااستبعاده، إنطلاقاً من معيار المواطنة والكفاءة والنزاهة ومأسسة السلطةوتجردها لا شخصنتها، وبالتالي الولاء لها لا استعداها، فإن التنشئةالسياسية تعد منبع الثقافة ومصنعها بما تنطوي عليه من دوائر تنشئه وتوجيه،وهو حديث ينصب عن دور الأسرة والمدرسة والحزب.. وغير ذلك من الدوائرالاجتماعية.
ونظراً للترابط الوثيق بين كلاً من الثقافة السياسية والتنشئة السياسيةفإننا سنسلط الضوء عليها معاً هنا بالنسبة للجمهورية اليمنية.
ثانياً: نمط الثقافة السياسية اليمنية وأسبابها

يعد مفهوم الثقافة السياسية من المفاهيم الحديثة نسبياً في علم السياسة،اذ يرجع ظهوره إلى عام 1956م عندما استخدمه الأستاذ الأمريكي جابرييلالموند كبعد من أبعاد تحليل النظام السياسي، فكل نظام سياسي عند الموند،يترسخ حول انماط محددة من التوجهات التي تضبط التفاعلات التي يتضمنهاالنظام الاجتماعي، وبالمثل تكون الثقافة السياسية بمثابة التنظيم غيرالمقنن للتفاعلات السياسية، أي انها- كما سبق الايضاح "مجموعة القيموالأفكار والمعتقدات المرتبطة بظاهرة السلطة في المجتمع".
والثقافة السياسية على هذا النحو من المفهوم تنطوي على العديد من الملاحظات الهامة، لعل من أبرزها ما يلي:
‌
أ. تعد الثقافة السياسية محصلة تفاعل التجارب والخبرةالتاريخية، والمحددات الجغرافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، وهيأيضاً تتأثر بالرأي العام، بمعنى أنه اذا اتسم هذا الأخير تجاه قضية محددةبالثبات النسبي يمكَّن لقيمة وآرائه ان تتحول إلى جزء من نسق القيم التيتتكون منها الثقافة السياسية.
‌
ب. ويعد التنوع السابق في روافد الثقافة السياسية أهم ما يميزهاعن الايديولوجيا، فالثقافة السياسية غير ممنهجه، وتتضمن الغث والسمين،كونها تشتمل على مجموعة من القيم يتكامل بعضها ويتناقض بعضها الآخر، فيحين ان الايديولوجيا ممنهجة وتتميز بدرجة كبيرة من الانتقائية، ومن ثمتتمتع بقدر كبير من التجانس القيمي بمعنى آخر، الثقافة السياسية هي محصلةتطور تاريخي نتيجة تفاعل عدد من العوامل، أما الايدولوجيا فهي تركيب فكريوعقلي يحرص أصحابة على ان يتسم بالتجانس والاتساق.
‌
ج. على الرغم من أن الثقافة السياسية تعد فرعاً من الثقافةالعامة- كما سبق القول- إلا أنها بدورها تتضمن العديد من الثقافاتالسياسية الفرعية التي تختلف باختلاف الاجيال والبيئات والمهن.


أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمد رسول الله